Skip to main content

Full text of "اينوجت إسلام عبد الحليم"

See other formats




تصميم الخلاف: إشلام غد اليم 


دار روعة للطباعة والنشر 


قابلته بملابس خاصه. زي الباليه» الذي يتجلى بياض جلدها منه 
ويوضح الفرق بين وجهها المكسو بالحمرة الوردية آثار خجلا متوارث 
في ملامحهاء أطرافها لا تختلف ارتعادًا عن قشعريرة السماء حين 
رعدّاء في ذلك الوقت احتقنت السماء تلبدَا بسحاب كثيف» وقف مذهولا 
ينظر إلى أعلى عبر السقف المفتوح» المطر على وشك أن يتدلى إلى 
سطح الثرى» ذهوله يجعله ساكنًا في شكله المستاء» بعدما أنهت ما قد 
روت من كلمات مشذبةء تهيأ لسؤالها بصوت دافئ حتي لا تصير 
كلماته مهينة لصاحبة الكرسي المتحرك ... 

-هو أنتي ليه بقى لابسه كده؟ 

- تقدر تقول إني نفسي أرجع طفلة تاني في آخر شوية ليا في الدنيا. 
اقترب منها وارتكز على قدميه في وضع القرفصاءء فشبك يده بيدها في 
تلاحم العشق» فقال في صوت هادئ 

- ليه بتقولي كده .. 
تنادت بصوت البراءة تطلب مساعدة» يشدو في عيونها الأمل» جبال من 
اليأس داست أطراف أصابعهاء فراشات من النور تخطف نظراتها في 
هذة اللحظات» مدت يدها فلمعت أظافرها تحت الضوء المنسدل من 
نافذة بيتهاء وعندما حاول لمس كفيها صرخت في حدث لم يواكب 
أفكاره» هل جن جنونهاء أرتعش ذلك الجسد النحيف كأن البرودة 
التحمت به في شتاء فبراير» حبات الكرستال ارتسمت حدقات عيونهاء 
في تلك اللحظات لم يقف هكذا يشاهدء فأطلق ساقيه باحنًا عن غطاء 
ثقيل» يحاول أن يضمها إليه وباله مشغول بما تردد على مسامعه "هي 
فعلًا حاسه بالبرد زي ماقالت" هذا ما تمتم به في خاطره. 


الفصل الأول 

حكايات الطفولة في الإسكندرية ... 
كان يشعر بالامتنان عندما يقف صباحاء مستنشقا هواء ذلك الحي 
الفقيرء فقر مدقع يعلم ذلك ولكنه لا يريد تفصيلا فلا يرفق لذلك تدويتًاء 
ولم يرد أخبار عن هيكلة أثاثات متحطمة» وأخشاب نوت أن تسند 
حوائط الهم» وما كتب في أجندة مذكراته عن رائحة زهور حديقة البيت 
القديم الذي يقبع في تلك الساحة الواسعة في نهاية ذلك الحيء لعائلة 
ثرية كان» وأكثر ما نوه به انتفاضة جوارحه؛ شرود الذهن بالحماس» 
مفعم بخيال وصدق الطفولة؛ منتظرًا كل صباح» مستمعًا إلى تغريد 
الطيورء عيونه تحكي عن مراسم الاحتفال عندما يسمع صوت أقدام مع 
صوت احتكاك وصرير ذلك الكرسي المتحرك» شاغلة الشاغل قابعة 
الكرسي» فتلمع أسنانه بشمس ترمي أشعتها إليه عبر السماءء تسرع 
قدماه الملهوفة وترضى يداه برفع ذلك الحمل الثقيل على ظهره الضئيل 
متوجها إلى باب البيت مودعًا أمه القانطة بالمطبخ بصوته العالٍ: 

- سلام يا ماما أنا رايح المدرسة. 
فتعلو حنجرة الأم بهتاف أسمع كل من في الحي ... 

- يابني اصبر خد السندوتشات معاك. 
ولكن يسبق انتهاء كلامها صوت انغلاق الباب» فيلاحقها من نافذة 
مراقبته لأميرته التي تقع في الردهة الأرضية مطلا برأسه للداخل قائلا 
في عجاله: 

- هبقى أشتري من الكانتين ... بااااي 
وسط الشوارع والحارات الغير متناسقة البيوت» تشحن الطاقة قدماه 
ليلحق بملاكه البريء» وهو على دراية بالطرق المختصرة والمؤدية 
للطريق الممهد إلى مقصدهما الصباحيء عندما تلاحظه على مقربة 
منها يبطيء خطواته لوهلات» وسرعان ما يرجع إلى وضعه السابق 
لتراقبها عيونه مجدداء وإذا تلاقت العيون علت الحمرة وجنتيه فصار 


مسرعًا أكثر فأكثر في خطوات يشوبها الارتباك» أحيانًا ما كان يخفي 
مشاعره في النظر إلى السماءء أو يخفض رأسه إلى الأرض فهكذا هي 
المغامرة حتى باب المدرسة. 
2F f f f‏ 
يرجع إلى بيته وكأي طفل صغير يسند ظهره على وسادة سريره أمام 
مسلسلات الرسوم المتحركة "أينوجت"., اسما اختاره لحبيبته بعد 
عشقة الخاص لبطلة أولى مسلسلاته المفضلة» ارتضى بلقب وهميء 
حينئذ وقف أمام المرأة يرفع ستار عن خياله ليصنع مسرحية ويجرب 
اسمها الجديدء في ذلك الوقت حاول مواكبة أحداث تخيلاته» فاتجه إلى 
مان» تخيل شيء مختلفًاء فوقف أمام المرآة معبرًا عن كواليس مسرحه 
- أينوجت. 
فيجيب على نفسه بصوت رقيق ليحاكي صوت الفتيات: 
2F 2F 2F f f‏ 

تنزلق قامته داخل مقعده مفكرًا ومحللا لوضع دقات قلبه الحائرة» وسط 
تلك الجدران المتباينة الألوان أثر شخبطة ولهو الصغارء أسماء حفرت 
بسنون الأقلام الحبرية» قلوب وأسماء وهمية أو مصدقة في أوساط 
بسره» إلى صديقه أحمد» رفيق مقعده داخل الفصل» أمن بصفاء قلب 
الدهشة تخفق بداخلة خفقان غير منتهيء وما تبينت حيرته إلا عندما 
جلس في مقعده ووجه رأسه إلى السبورة فوجد قلبًا وسهما ومكتوب 
بجانبه» "عمر يحب فتاة عاجزة "»تحكم الذهول في ملامحه. ثم تبين 


الغضب في صوت أسنانه المحتكه» برم قبضته ولكم المقعد الخشبي 
أمامه ليحدث صونًا مهيبّاء استفاقت قدميه من غفلتها ليتجه سريعًا 
صوب السبورة»ء توالت يداه ملطخًا الكتابات المكتوبة محدنًا صرخات 
عالية» سكت الجميع ولم يجب أحدًا مطلقاء أمسك قطعة طباشير ونطقت 
يداه بالكلمات: 
- محدش ليه دعوة بيا. 
كلمات بيضاء من قلب شفاف» ما أظهر لونها غير لون السبورة 
الداكن» انطلق إلى مقعده ودمه الثائر يغلي» درجة حرارته تجاوزت 
الحدود المسموحة لجسم الإنسان» رغم أنه طفلا صغير إلا أنه كبير في 
تعبيرات وجهه المتخمة بالرجولة المبكرة» جالسًا بجوار صديقه الخائن 
ناظرًا إلى الطبشورة الصغيرة التي يمسكهاء أغلق قبضته عليها بعنف 
وفتح يده نافخ بترابها في عيون ذلك الخائن والنافث للأسرار» وبصوت 
الغضب تلجلج لسانة في قعره المغلي ... 
- عشان تبطل فتنة. 

وعلى صوت هيبات الشجار في فصل من الصغارء تناوبا الزميلان 
اللكمات» يصطف الأطفال حولهم في دائرة المشجعيين» لا أحد يفض 
العراك فالكل يشاهد بعيون متلذذة وقلب شغوفء وفي النهاية فض ذلك 
الموقف أستاذ محمود مدرس اللغة العربية» ولولا طيبة قلبه الممزوجة 
بحلاوة لسانه لوبخهما أسوء التوبيخ بل لنعتوا بأسفل الصفات» أو تصّعد 
الأمر إلى استدعاء أولياء الأمور وهذا ما يخشاه أطفال سنهم» كل ما 
فعله هو التفكير في حل النزاع وليس المعاقبة بالعصاء أخرجهما خارج 
ساحة العراك» ليستجوبهما في الممر الواسع خارج الفصلء المدرسين 
ينظرون ويتسائلون» الناظر لم يتدخل في الأمر ظل كظل خافت يراقب 
من بعيد» وفي يده تلك الخرزانة التي فاقت مستوى طوله بمراحلء 
وهنالك رؤوس مطلة خارج باب فصلهما تبغي متابعة الأحداث ولا 


يستطيعون سماع النقاش الحالي» فبدأ أستاذ محمود باللوم بعد نحنحة 
طويلة المدى ... 
- ينفع يا ولاد اللي عملتوه ده ... كنتوا بتتخانقوا ليه؟ 
رد أحمد بكل ثقة رافعًا عيناه إلى أستاذ محمود: 
- والله يا مستر هو اللي ضربني الأول ... ونفخ الطباشير في 
كان الصمت يربط لسان الصغير المكلوم» حتى سأله أستاذ محمود ... 
- ليه عملت كده ياعمر دنا حتى بقول عليك طالب مجتهد وشاطر. 
رد عمر بصوتًا لا يشوبه خوفًا وبثقة تملأ صدره المرتفع في عزة: 
- هو عارف عمل إيه. 
- ممم» طب قولي عملك إيه ياعمر. 
سكت عمر لوهلات ولا يعرف هل عليه أن يعترف بحبه أمام الأستاذ أم 
يعوض عن ذلك بحجج واهية قد تجري الأمورء لكنه اقتات الإجابة 
الوجيزة ... 
- فتن عليا. 
- على إيه بالظبط؟ 
- كنت قولتله سر ... جيت النهاردة الصبح لقيت كل الفصل عارف 
سري. 
- الكلام ده بجد يا أحمد؟ 
رد أحمد متلجلجًا ... 
- أنا مفتنتش لحد حاجة. 
هرش الأستاذ محمود في لحيته الشمطاء متخلا خصلاتها ونظر نظرة 
لا تفتقر إلى الحكمة ... 
- مممم ... بس شكل كلام عمر صح ... الكدب باين على وشك 
خصوصًا أنا عارفك مشاغب وبتاع مشاكل ... وعمر معروف إنه 
مجتهد ومش بتاع مشاكل على العموم لو حصل أي حاجة منك تاني 


يا أحمد هعملك استدعاء ولي أمر ... والفتنة أشد من القتل وأنت 

عارف كده كويس ... وأنت ياعمر مش كل حاجة تاخد حقك بأيدك؛ 

ولو في مشكلة تعالى قولي أنت عارف أوضة المدرسينء يالا 

ارجعوا على فصلكو. 

3F f f f 

لا يكف عن مراقبتها في الفناء في وقت الفسحةء من الواضح أنها أخذت 
ركنًا خاصًا وهي أيضًا تراقب» تراقب تلك الأقدام المبعثرة للغبارء أقدام 
تركض فتصنع تراب حائلا للرؤية مما يجعل من الصعب على عمر 
ملبدة بحبات لامعة» ابتسامة هادئة شقت طريق الأمل وسط ملامحهاء 
لقد ظن أنها سوف تكون حاقدة تحمل الأسى أطنان على عاتقهاء حاولت 
إخفاء دررها الغاليةء فنكست رأسها إلى الأرضء ولكن الحظ يكتب لها 
رسالة بأمطار السماءء فاختلط المطر بدموعها وصار الأمر محض 
مصادفةء فباتت رافعة وجهها إلى الطرائق»ء تستجدي الأمل وقلبها 
مملوء بالتمني» حتى جاء أمر الناظر بإخلاء الفناء لتلك الأمطار 
الغزيرة» أمسكت العجلات وحاولت أن تحرك الكرسيء ولكن أبت 
عجلات كرسيها أن تتحرك عندها؛ الطين ظل عاتقًا ويداها تلطخت» 
فانطلق عمر والرعشة تسكن ركبتيه الضئيلتان» اقترب أكثر فأكثر 
فأكثر» والخوف تشبث بقدميه محاولًا إبقاءه» فبات الصراع قائمًا مابين 
التمني والفعل» وعندما حاول أن يمد يديه أطبقت الرهبة عليهماء وقبل 
وصول كفوفة المرتعدة» زميلها في الفصل أنهى كل الصراعات بطعنه 
من الإحباط وانطلق بها صوب الفصل» لقد ظن عمر أنها لم تلاحظه 
لأنه كان يقف خائيًا يبعد عنها بضع خطوات» ومع تلك الرياح الباردة 
لاح شعرها يميتا ويسارّاء وفجأة التفتت تلك الرأس مبقية عيونها عليه 
في تأمل» ابتسمت ابتسإمتدا العريضةء فنظر حوله يمينا ويسارًا 
متسائلا: "هي بتبصلي أنا!!"» يبدو أن كل من في الفناء غادروا إلا هوء 


فأشار إليها بالسلام مع ابتسإمتى الرقيقة» فردت عليه يدها الشاحبه 
بإشارة سلام أخرىء أخيرًا تأكد بأنها لاحظته» فصار الأمل عنوانه 
والحب غطاءًا حائلا لصقيع أمطار تخللت خصلات شعره المبتلةه 
"ياهووووووووء ياهووووو" هكذا تنادى صوته بالفرحة بات يقفز 
عاليًا كطفل نجح في الامتحان عقب تفاني واجتهاد» بسط جناحيه وأطلق 
ساقيه فأصبح هنا وهناك ككسر الأسير لكلاليبه» رضي الإله عنه بعد 
سخطهء وما أوقفه سوى صياح ناظر المدرسة: 
- أنت يا ولد أرجع فصلك. 
عاد إلى فصله بروح التفاؤل» يتغنى صوته بأي أغاني يحفظها عن 
E‏ 
- بحلم بيك أنا بحلم بيك ... وبهواك واتمنى لو أنساك وانسي 
روحي وياك ... وأنا لك على طول خليك ليا 
- وديه أغنية جديدة لعبدو الحليم» رايق أنت ومش فاهم» أنت فاكر 
خلاص لما شاورلتلك يبقي بتحبك لا متفرحش أوي کده» يابني دي 
في تالتة إعدادي يعني أكبر مننا بتلت سنين؛ أنت بالنسبلها أخوها 
الصغير» ويدوبك تأكلك المصاصة في بوقك. 
سكت عمر بعض الوقت ليقلب الكلام بداخل جمجته» بات قلبه يكذب 
الأقاويل لينتصر عقله على قلبه بالإقناع» سلبت منه الفرحة من جديد 
ولكنه رد على الماكر قائلا في شدة: 
- قلتلك ملكش دعوة بيا. 
- ياعم أنا بنصحك» دي كلها السنادي والبنت ديه هتسيب المدرسة 
وتروح مدرسة ثانوي» وأنت هتقضيها لوحدك هنا. 
- برضه ملكش فيه ولا نسيت العلقة بتاعت المرة اللي فاتت . 
فاكر الطباشير؟ 
- خلاص ياعم أنت حر. 


د 2F 2f 2F‏ عد 


وبعد انتهاء العام الدراسي لم يرها مجددّاء فظل طوال الوقت على 
سطح البيت» متذكرًا ماضيه؛ متأملا حاله الحزين» حتى مرت الشهور 
ظفل اا ن 01 و كالعادة أمالة يترا :عا حاط تحور يهن 
التفاؤل» استمر في حالته حتى عامه الدراسي الجديد وكالعادة يقف في 
الشباك ملهوف» منتظر صوت الصريرهء ولا أمل فيما هو مأمول؛ ذهب 
إلى مدرسته منكسراء "هي اختفت فين؟!" سؤال ردده قلبه كثيرّاء ولكن 
من أجابه هو الماكر اللئيم ففي يوم استبشر وجه أحمد بشينًا من الشرور 
وما إن سأله عمر عن أسباب سروره الغير مسبوق ... 

- ها مالك كده النهاردة؟ 
فأجابه في صوته البارد الرتيب: 

- فرحان أوي ... جدًا ... فوق متتخيل. 
رد عمر باستهزاء: 

- فوق متخيل!! 

- مش عاوز تعرف ليه؟ 
رد عمر في عزة نفس: 

- مش هيفرق معايا. 
باغته بقولٍ خبيث وعيون أخبث .. 

- لأ هو بصراحه هيفرق معاك. 

- مش عاوز أعرف حاجة واسكت بقى. 
الإلحاح من وسائله المتكررة لنبذ الارتياح لدى عمر. 

- لا لا لازم تعرف ... أصل كنت ماشي الصبح بجيب قلم رصاص 

من عم أيوب فشوفت البنت اللي كانت معانا في المدرسة. 
أول من جالت خاطره هي أينوجت وكان عليه التأكد دون أن يظهر 
لهفته فتصنع المكر قائلا: 


- تقصد مين؟ 


- يعني هيكون مين غيرها ... حبيبة القلب. 
2 
- كنت شايف أبوها کان بيشيل شنط في عربيته» وشكله كده مسافر 
المفاجأة كانت كالصاعقة على أذنيه الصغيرة ... 
- مسافر!! 
- منا سمعت شوية طراطيش كلام وأنا بلمع أوكر ... 
- سمعت إيه؟! 
- طب اتحايل عليا شوية وأنا أقلك. 
بدأ عمر في فقدان أعصابه واتزانه: 
- قول يا أحمد علشان خاطري. 
- وتديني سندوتش الكفته اللي معاك؟ 
- ماشي بس قول ... 
- ياسلام منتا مكنتش طايق تكلمني وعاوز تنقل في ديسك تاني جنب 
محمد ... هقلك بس مش عشان خاطرك ... عشان خاطر 
السندوتش. 
لهفة عمر بدت آثارها على ملامحه 
- هأأأاا 
- مسافرين بره علشان يعالجوا بنتهم. 
تبك مامه الدهشة المفرطة :. 
- ده النهاردة؟! 
- النهاردة الساعة ١١‏ هيركبوا سفينة تقريبًا رايحة أوروبا. 
- أوروبا! ... أنت أكيد بتفتي. 
- يابني ده الكلام اللي سمعته» وأنا مبفتيش» هنشوف بقى أنت 
هتعمل إيه. 


ضحك الماكر وزفر زفيرًا مخرجًا معه ضحكات متتابعة ثم قال في 
سخرية: 

+ أأد شع شوك اك هة ميد اروا اة اشن 

ولو 
سكت قليلا متأملا ساعة يده» ثم نظر لعمر في دهاء: 

الساعة:؟ ايفن إن للك ريه مقن ل الو ود ا 

خلاص يا حلو 
رد عمر في حزن ونبض قلبه نبض المرتعد: 

- أنت متأكد من القصة ديه؟ 

- أكيد يا عمر مش هضحك عليك دنتا صاحبي حبيبي ... أب بقى 

بسندوتش الكفتة 
أخرج عمر سندوتشا غطى رائحته اللذيذة رائحة عرق الأطفال ... 

- بالسم الهاري. 
التفكير السريع دربًا من دروب الارتباك» فما إن جاءت الفسحة» انطلق 
عمر سريعًا نحو سور المدرسة» وبدأ يراقب من هم أكبر منه في العبور 
للخارج في خفة مبتكرة» لذا قرر المحاولة ونظرًا لقصر قامته بدا الأمر 
كالنحت على الصخورء فحاول أن يمسك أول السور وتندرج قدميه في 
الصعود ولكنه سقط سريعًاء فقفزاته بالكاد تجعله يصل إلى أطراف 
السور» فحاول ثم حاول ثم حاول بلا فائدة؟؟ نظر إلى ساعته مذعوراء 
له اة الخاد عر واللميك» هل يلل فا سح کا تمدن 
لو كان لديه قدمان قويتان يستطيعان حمله؛ فيلحق بهاء قعيد الأمانيء 
صاغر لليأس» ولكن هنالك من حول بصيص الأمل إلى نور أقوى من 
لهيب شمسء أحدهم مد يده إليه لمساعدته بعد ملاحظته لإخفاقه 
المتكررء فنادى عليه قائلا: 

- يالا تعالى وأنا هشدك. 

- ربنا يخليك. 


- يالا بسرعة مد إيدك ... جرس الحصة قرب يضرب وهنتقفش. 
ومع تعثره الشديد استطاع أن يجتاز الحاجز أخيرًاء وعندما لمست 
قدميه أرض الشارع» أدرك أنها أقدار اللهء أجنحته الرفرافة جعلته 
أسرع من البرق» يطير ويطيرء مفاديًا كل الحواجزء يملؤه الحب طاقة 
صاروخ» الحق بمن كانت لديك رفيقة عقلك وقلبك» ومع تلك السرعة 
الجنونية ظن الناس من حوله أنه مذعور هارب من المنيةء أصبحت 
الثانية عشر إلا خمس» يزيد من سرعته أكثر فأكثر وأكثرء وهنالك 
صوت بوق سفينة يرهب أوصاله» أصبح سهمًا جامح يجول الشوارع 
والحازاك والعمرات» و امل راخوفي موقف خرچ وابيتحايك أرصاله 
لطلب طفل بائس» والآن أصبح أمام تلك السفينة المغادرة» وبعيون 
الضقر يات يفش عن ميتغاه وبعد معاناة لمح ايتسامة ملاكه البريء 
فقفز عاليًا ملوحًا بيديه» فلاحظته أخيرًا وأشارت له بمثل ما أشار لهاء 
وما هي إلا دقيقة واحدة وبدأت السفينة في المغادرة» خاطفة الدمع من 
عيونه مراقبًا إياها حيث ذهبت» فباتت صورتها تصغر وتصغر حتى 


اختفت عن عينه. َكل لرئّةقتإيلاشي سرا. 


الفصل الثاني 

لم يكن المكوث طويلا في حي السيدة زينب يكسبه التعارف على من 
حوله» إنما ابتغى صديقًا ورفيقًا واحدّاء محمود» صاحب قصة رجل 
الديك» كما يطلق عليها هو» طبيب في مستشفى القصر العيني» جار 
عمر في نفس المجالء مجال الجراحة العامةء يتمتع بخفة الدم التي 
تذيب العيون دمعّاء ويسلب الألسنة طمعًا في ضحكات مديدة» طريقته 
العشوائية في لهجته مع تعليمه العالي يصنعان مزيجًا مختلقاء أفكاره 
المفتوحة للجنس الناعم لا يستهان بهاء فالمرأة المثالية في وجهة نظره 
هي من تحمل أنابيب غازية تحت رقبتهاء ووسادتين هوائيتين لسيارة 
فارهة أسفل ظهرهاء عبث تفكيره يجعل منه مفكرًا يلهث طمعًا في كل 
جسد رهيب» المثير في الأمر أنه لم يتزوج رغم بلوغة الثلاثين» وإذا 
سألته يجيب بسهولة راوي حكايات خيالية في مسلسل إذاعي ممل 
بحجج ليس لديها مدلول» أغلب ما يحكيه عن معرفته بالجنس الآخر 
ربما حكايات أشخاص آخرين ينسبها إليه» أو حكايات قد مرت على 
عقله في أحلامه» مقارنة بعمر فمحمود لا يزال يتمتع بطيش الشباب» 
وشبقهم نحو الفتيات وأغلب أحاديثه على الممرضات اللواتي يقطن في 
العمل معه» حتى في جلسته مع عمر في قهوة سعيد حلاوة» القهوة 
التراثية» علم من أعلام حي السيدة زينب» حيث تجد أناسًا من جميع 
الطوائق» مهندسين» أطباءء تجاريين» حتى أجانب المعهد الفرنسي 
صاحبي البشرة المحمرة والشعر الذهبي الذي يذيب القلب والعقل» 
وحيثما يوجد الأجانب» تستطيع أن تصنع بوصلة تشير إلى اتجاه 
محمود الذي لا يترك لي الشيشة من فمه» ولا يهوى إلا الشيشة القص 
أو السلوم» وإذا ذكرت أمامه الشيشة التفاح يرد عليك بسخرية قائلا: 
"دي بتاعت فرافير". 


كعادة أي يوم يطلب محمود شيشته ويصبح كمدخنة كبابجي بجانب 
عمر يستمع ويرشف بشفتيه بالدخان الكثيف الذي يخنق أنفاس صديقه 
فيباغته بالسب واللعن» فيرد محمود قائلا: 
- عيل فرفور ... 
تعصب عمر لوهلات وكاد أن يلفظ لسانه بالسباب ... 
- يعني من وجهة نظرك المبجلةء اللي مبيشربش شيشة أو سجاير 
يبقي فرفورء مكنتش دكتور يا أخي وعارف البلاوي اللي بتخش 
صدرناء وبعدين تفخ دخانك بعيد عني. 
- إيه رأيك بقى إن الشيشة بطول النفس؟ 
نظر عمر إلى محمود بحدة قائلا في استغراب .. 
- لا ياراجل!! 
ضحك محمود مشاركًا بلي الشيشة في ضحكاته: 
- فوكك فوكك» المهم قولي إيه حكايتك» قافش ليه النهاردة؟ 
ضحك عمر ضحكة هادئة ساخرة ... 
- أقلك إيه بس؟ 
بدت الثقة على محمود حينما يتوقع أمور عمر ليتأمله قائلا: 
- يبقى المدام قرفاك كالعادة ... ميت مرة قلتلك ... هتتجوز يبقى 
لازم تعرف إنك سلمت حريتك عند باب المأذون» واستحمل بقى 
ياريسء واللي يفرط في حريته ممكن يفرط في حاجات كتير بعد 
که 
سكت عمر لوهلات ليتابع قائلا: 
- مبدأيًا كده ... المدام زنانة ... كل شوية تقولي خرجني . 
قرفانة ... والجو ده» دي كده أبسط حاجة. 
- عادي ... خرجها. 
نظر عمر إلى محمود باندهاش شديد ... 


- هو أنت متعرفش احنا بنتنفخ إزاي في الشغل وبنروح مهدودين» 
ولا أنت شغال في حته تانية؟! 


لم تتبدد نظرة الثقة والتفاخر في عيون محمود منذ جلوسهم في القهوة 


- اتكلم عن نفسك» أنا بروح أخدلي شاورء أفوّق وبعد كده أنزل 


الجيم والعب شوية آيروبكس» مليش دعوة بيك. 

- آيروبكس ... الله يرحم ... المهم» أنا بقى ياسيدي بقولها مينفعش 
نروح في حتة النهاردة وكمان مفييش دماغ؛ تروح قالبة وشها 
والبوز يطلع وأجارك الله ... نكد. 

- حقهاء الست في أول الجواز بتقعد بين أربع حيطان؛ فبتتخنق 
وتطق. 

- ماشي حقها بس تقدر إني ساعات بروح خلصان ده غير إنها كل 
يوم عاوزة تخرج وأنت عارف الخروج مصاريف تانية لوحدهاء 
مش مشكله عدي ديه» مشكلة وتتلم» تعالى للتقيلة ألومها على حاجة 
تقعد تقلي أنت عاوز تنكد وتحسسني إني نكدي وهي مبتشوفش 
نفسها وهي مخنوقة بتبقي عاملة إزاي. 


سحب محمود نفسًا عميفًا من شيشته» نفسًا يخبر عن كم الدخان الذي 


يعقبه ليتحدث من جديد بفم مغرق بالدخان الكثيف: 


رد 


كبن خف ها کا فا ده مزج کل جا تحاسها 
عليها. 

- مهو لما ابلع كام حاجة كده بتخنق برضوا؛ الواحد ليه طاقة. 
ای يان ك لما رما ری رن بر مها بطري وتحقية 
زعيق وشخط ونطر 

عمر في حده: 

- مهي بتوصلني لكده يا محمود. 

- معلش بقى إهدا كدا وروق. 


- لا لسا حبة حلوين» أنا مشيلش مسؤولية بيت وعيال» أنا كده عنب 
- 

سكت عمر قليلا متأملا الناس من حوله ليتابع قائلًا في هم: 
- اسمع ديه كمان ... أمها بقى كل شوية تنطلنا وأنا غلطان إن احنا 
سكنا قريب من أهلها أصلاء غير إنها بتحكلها على كل صغيرة 
وكبيرة رغم إني مفهمها إن حياتنا الخاصة محدش ليه دعوة بيها 
... حتى أهلك 

هز محمود رأسه وفي نظرة محلل رد قائلا: 
- روق يا ابني ... وحاول تفهمها وتعرفها إنك بتضايق من إيه ... 
بن بر اخه كده رف سناعة صقا 

باغته عمر سريعًا في رده ... 
- مين قالك إني معملتش كده» دنا مجرد افتلحها السيرة ديه؛ تقلب 
عليا ونتخانق وأنا في الآخر المفروض أهديها واحيلها ومبقاش 
عندي طولة بال للكلام ده. 
- ممم ... ٠‏ 
- وياسلام بقى لو أنا محايلتهاش ... خد عندك ... قمصة ولوية 
بوظ لحد تاني يوم الصبح» وده عبال متبتدي تتفرد شوية» وتقعد 
تقلي سبتني أنام زعلانة والجو الرخيص اللي أنت عارفه. 
اد 

تجهم عمر قائلا: 
+ و الو ااحذ کت على تفده رة ماله ا وة الى كنا 
هنموت على الجواز. 

ضحك محمود وعقب ضحكته تفاعل الدخان مع الرئتين مصدره سعال 

ديكي قوي ... 


- افتكرت دلوقتي لما كنت بتجهز شقتك وهاري نفسك ومبتخرجش 
كل ده عشان تحوش وقعدت أقولك هيتحط عليك حطة الكلاب 
مكنتش بتصدق. 
- مهو مكنتش عاوز أقضيها عط زيك. 
- وماله العط محنا زي الفل أهو. 
ضحك عمر في استهزاء متسائلا: 
وفجأة بدون أي مقدمات عدل محمود جلسته في وضع جدي ثم وضع 
يده على فخذ عمر قائلا في صوت خفيض: 
- ولا ياعمر بمناسبة النجاسة ... نسيت أقولك على حاجة. 
- إيه؟! 
- فاكر الراجل اللي في عنبر تسعة ده اللي اسمه سيد جمعة؟ 
- لا مين ده؟ 
- الراجل الكبير أبو سنة فضة اللي بيقعد يضحك على الفاضي 
والمليان» عقله على أده كده. 
- أه اللي اتحجز من يومين. 
- أيوة عليك نور. 
- ماله بقى؟ 
- كنا قاعدين فجأة لقينا البت سناء الممرضة بتصرخ ... و قاعدة 
تشتمه يا حيوان يا اللي مش متربيء شوية شتايم كيوت زيها كده. 
- ليه عاملها إيه ده؟ 
- مسك رجليها وهي معدية ... قفش في السمانة الوسخ. 
دهش عمر من واقع كلام صديقه ... 


و 


- أستغفر الله العظيم» عالم نجسةء ده الراجل رجليه والقبر» طب هو 
الأهبل ده في حيل للحورات ديه. 
- أصله كان محشش. 
- محشش!!! 
- أه ... كان مسرب حته معاه» وشربها في حمام العنبر بليل ولما 
سناء كانت معدية بتبص على المريض اللي في السرير اللي جنبه؛ 
عنيه زغللت على رجليها. 
- عالم غريبة والله ... وبعدين؟ 
- دكتور أحمد اداله حقنة مهديء خمدته. 
- أحمد نبيل؟ 
- أه ... بس ... قعدت بقى تترعش وتعيط من الخضة. 
رد عمر في شفقة: 
- والله البنت ديه غلبانة. 
رد محمود في استهزاء مشوحًا بيده اليمنى ... 
- غلبانة مين ... أنت اللي طيب بس. 
امتعض عمر ليلوم محمود: 
- هو الوحش كده بيشوف كل الناس زيه. 
- ياااااريت كل الناس زيي. 
- كانت خربت. 
- أسكت ... أسكت إيه فهمك أنت» خليك على نياتك كده» بقلك إيه 
تلت ل 
- ماشي أوك بس هي نصاية وهروح. 
- ماشي» عادة ولا محبوسة. 


تناوبوا لعب الطاولة والزهر بات صداه متحدنًا إلى حديثهم. 

- الواحد قرفان أوي ياعم محمود ... الدنيا بقت غالية أوفر اللي 

باخده بيتصرف كله» ويدوبك بيكفي» ولا عارف أشيلي قرشين 

للزمن ولا أي حاجة. 

- كانو بيقولوا إنهم هيعلو كادر الأطباء. 

مبتتحركش» وأديني اتجوزت ورجلي وقعت في الخية. 

- مهي دي سنة الحياة هنعمل إيه. 
كان لزهرة الطاولة صونًا له صدى بسبب اللاعبين من حولهم. 

- دو يك ... سايس أمورك ياعم عمر ... أنت عشان لسا متجوز 

جديد في حاجات حاسس إنها اختلفت» بكره هتتعود وهتسستم نفسك. 
لم تكن ليلتهم مابين القيل والقال ومابين فلان وعلان ولكن إذا تحدث 
محمود فإن لسانة يسبق أفكار رديدة في عقل عمرء تنهال على مسامعه 
كلمات فوجائية سافلة أو يشوبها أسلوب عربجي لا يجيد قيادة عربة 
بحمارين» لديه أخبار كل من دخل المشفى إلى أخبار فراشي العنابر 
أيضّاء ولا تتأكد من صحة مايقوله فكيف لك التأكد ما دمت لا تسأل» 
ربما يباغتك القول بالتأليف بدلا من الصدق بالقليل» هكذا كان يكسب 
الكثيرين في صفه»ء فأحيانًا ما يستغيث به الأطباء الشباب في معرفة 
الحالة الاجتماعية لصغار الطبيبات» فيبدي رأيه في شخصياتهم فضلا 
عن إجابة السؤال» وأحيانًا ما يرتبك قبل أي تفاصيل كاذبة» ومن لا 
يعرفه جيدًا يقع في شباك خداعة كسمكة لم تلذ فرارًا من شبكة صيادء 
كل ما يفعله عمر آن ذاك يسمع وتتحكم الضحكات في فمه» يعلم متى 
يكذب محمود ومتى يتخذ الصدق سبيلاء عشرة عشر سنين. 

2F 2F 2F f كد‎ f 

يعتبر عمر إن حياته رتيبةء لا ترتقي إلى جو الإثارة أو المغامرةء حياة 
باهته» لا تزور ها النسمات الحانية ولا الطروف» حتى توقف نبضه ولا 


تسمع لقلبه صدی» حتى الأحلام تلاشت بأيدي أعباء الحياةء لا يلوم 
نفسه لومة لائم إنما يتذكر ما قد كان» عندما كان يمتطي قدميه للذهاب 
للكورنيش ويستقبل الهواء البارد القادم من الديب فريزرء يتذكر شريطًا 
مهتريء واندثر وراء الزمان» وقتما كان صغيراء فترة الجامعة حيث 
كان شابًا يافعّاء يخلط كيس جيل فئة الواحد جنيه في خصلات شعره 
ليكسبه لمعانًا براقاء وقتما كان لا يرتضي أن تعارضه أي خصلة في 
إرادته» وقتما كان يرتدي نظارة ريبان هاي كوبي قد اشتراها بمعرفة 
صديقه بعد أن سمسر عليه في عشرين جنيه؛ ولا هذا ولا ذاك قد يفرق 
معه» إنما كان يود أن يظهر بصورة حسنة أمامهاء أمام حبيبته التي لم 
يفصح بما يتواجد في داخله من عشق» يحرق عروقه» تسمى نور وهي 
نور القمر في ليلة سطوع البدرء حيث كانا في كلية طب القصر العيني» 
حيث يتواجد نوعين من الفتايات» إما تبهرك بجمالهاء أو لا تلحظها 
مطلقاء ونور كانت من النوع الأول» قوامًا ممشوق كجيتار أملس 
مصنوع من خشب الجوزء يعتليه شعرها البني الكستنائي الذي يميل إلى 
الاصفرار مع أشعة الشمس» عيونها العسلية اللامعة التي إذا واجهتهما 
تسقط كما يسقط البعض في الهوية» دائمًا ما تضع نظارتها السوداء 
لتعتلي رأسها لتزين جمالا اختمر في قلوب كثير من زملائهاء وأحيانًا 
ما يحاول التقرب إليها معيدي الكلية» الذين لديهم الحق في الكلام معها 
بحجة التدريس» ورغم هذا فهنالك الكثير من الخجلاءء حديثي التخرج 
من الثانوية العامة» لا يستطيعوا التأقلم مع الأوضاع» فصعود الجبال 
بالنسبة لهم أهون من مخاطبة الفتايات» ومن حاول منهم أن يخترق 
الأوضاع تجد كل من حوله يلحظه بعيون باردة» فتتشقق شفاهه خجلاء 
ويتصبب الدم في وجهه» ويتشفى العرق في جبهته. 
ع fF‏ عد 2F 2F 2F 2F‏ 

المحاضرات تعج بالطلاب المتنافسين» أصوات الأقلام دائما تغطي 
على أصوات الهمسات والثرثرات الجانبية حتى قبل دلوف الدكتور إلى 


۲١ 


القاعة» المدرجات تكتظ بطلاب السنة الأولي» تلك الحرارة الخانقة مع 
احتقان القاعة بغاز ثاني اكسيد الكربون لا يفصلان عمر عن هدفه. 
فالبداية كانت رتيبة» تكررت في مئات الجامعات» تكررت في مئات 
ذكريات رجال السبعينات» طلب المحاضرات» اسهل الطرق للتعارف 
وأكثرها حجةء فتيات هذا الجيل يعلمن جيدًا ما وراء المحاضرات» فمن 
البديهي أن يطلب المحاضرات من زميلا له» فلما اختارها هي» ومعظم 
الفتيات حين مكوث هذا الطلب أمامهن جليّاء لا تتجلى الدهشة عليهم» 
فتكرار تلك الفعلة مرات عديدة» وكلما تصبح الفتاة أجمل» كلما زاد 
طلب المحاضرات منها كالأمطار سيلاء تلك الطريقة تدون ضمن لوائح 
الكلية الأساسية» حتى محمود بدا عليه السخرية حينما عاد صديقة بدفتر 
التدوين» ولكن إذا نظر حوله سوف يجد البعض يحملون دفتر تدوين 
نسائي روزي اللون» ولم يفوت محمود فرصة للتشفي من فعلته بمزاحه 
فعندما جلس بجانبه في المدرج همس في أذنه قائلا: 

- خطها حلو. 

- بص كده وراك» شايف الواد أحمد أبو نضارة هتلاقيه قاعد 

بيلاغي البنت» على فكرة ديه أول مرة يكلمهاء شاطر وجاب معاها 

سكة 


- أستاذ يعني. 
امتعض عمر قائلا: 
- صدق أنت قفلتني. 
- ياعم ولا قفلتك ولا نيلة» الفكرة إن طريقتك قديمة وأقدم من الجبنة 
الرومي. 
- وأنت عرفت منين إن أحمد أول مرة يكلمها؟ 


۲ 


- كان قاعد جنبي قبل متيجي وقعد يقولي أنا مليش دعوة» لازم 
أكلمها النهاردة» كان هيتجنن وأديه أهو ربنا فتحها عليه وشرخ. 
- كل واحد وطريقته. 
- طب تقدر تقولي هتعمل إيه بعد لما تاخد المحاضرات؟!! 
تلجلج عمر وهم في تقليب الصفحات يمينًا ويسارًا متأملا جمال 
الحروف المنسوبة للورق الأبيض المسطر ثم قال: 
- معرفش بصراحة. 
- هقولك أنا تعمل إيه ... 
- ...1 
- بسيطة» بعد متصور روح اسألها اسمك إيه؟ سكشن كام؟ إنتي 
خطك حلو ومنظم؛ ممكن أبقى أصور تاني لو معندكيش مانع» سلك 
أمورك يعني. 
- والله فكرة. 
- أصل أنت لو معملتش كده» مش هيبقي عندك حجة تكلمها تاني. 
- أنت عارف يامحمود» أنت دماغك حلوة في حاجة واحدة بس ... 
الحريم. 
ضحك محمود قائلا: 
- أنا دماغي حلوة في كله بس أنت اللي مبتخدش بالك. 
حينئذ لمح عمر كشكولا بجانب يد محمود ملفوف بدعامة سلكية 
حلزونية يتوسط غلافه صورة باربي صاحبة الشعر الذهبي وترتدي 
نظارة لونها بمبي» ويتوسط وجهها ابتسامة عريضة مرتدية زيا 
تفس ب فتك ”فر اخ غ ذلك الكل اذو الما 
الأنثوية فقال: 
- كشكول مين ده يا فالح يا بتاع المواعظ والنصايح» اللي أنت قاعد 
تفتح وتقفل فيه؟ 
- اه ده كشكول هبة. 


2 


- مين هبة ديه؟ 
رد محمود في فخر. 
- واحدة اتحايلت عليا آخد الكشكول بتاعها هدية. 
- ولا يا محمود ... بكره الاشتغالات ... خليك دوغري. 
- ملكش دعوة. 
ضحك عمر في سخرية شديدة قائلا: 
- هي واضحة أصلا ... ديه البنت اللي عاوز تظبطها فقلت تصور 
محاضرتها ... وأنا اللي أقدم من الجبنة الرومي برضو؟!! 
- لا ياعم دي ادتني الكشكول هدية قلتلك ... ليه فاكرني زيك؟ 
قاطعهم صوت رفيع ساحر لفتاة تبعد عنهم مقدار خمسة عشر سنتيمتر 


- ممكن أقعد؟ 
رد محمود قائلا في جنتله غير مسبوقة بعدما أزاح الكشكول عن 
المكان: 


انتزعت مجموعة من الورق الباكي الذي اعتصرته بين يديها وصدرها 


- كنت بصور محاضرة دكتور رؤوف اللي فاتتنا وديه نسختك. 

- ربنا مايحرمني منك. 

- شكرًا 
لم تكن رأس محمود بالنسبة لعمر سوا حائل الرؤية بينه وبين هبة فكان 
يود أن يراها عن كثب» وعن الحوار الدائر بينهم فكل ما رءاه هي فتاه 
ذات بشرة بيضاء يخفي نصف وجهها نظارة عريضة سوداء إستايل 


٤ 


الخمسينات وعدسات زجاجية سميكة ولكن عندما حاول الرؤية أكثر 
وجدها فتاة تحمل من الرقة الكثير مع شحاحة جمالها.ء خصوصا عند 
ضحكها يتضح مقدار أسنانها العريضه. أسنان أرنب مسعورء حينئذ 
وكز عمر ذراع محمود قائلا في استهزاء وفي صوت خفيض: 

- صدق باربي اللي على الكشكول أحلى. 

- هي ديه اللي طلعت بيها من هنا؟ 
امتعض محمود ليقول في خنق ... 

- انت دماغك ضيقةء وأديك شوفت المحاضرات اللي ببلاش. 
همس عمر في أذن صديقه ... 

- صدق أنت واطي» يعني مصاحب البنت عشان محاضرات. 

- ياعم أنت شايفني بحب فيها؟ 

- بس البت شكلها غلبانة وخام وممكن تتعلق. 

مشن کي 
نظر لمحمود نظرة استعطاف قائلا: 

- حرام عليك والله. 

- خلاص هعرفها عليك عشان مايبقاش عرفت واحد بس ويبقي ليها 

حرية الاختيار. 

- أنت بتهزر؟! 
بينما كانت هبة تعبث بما أمامها من محاضرات وترتب أوراقها التي 
تحمل المعاني القويمة للاجتهادء لفت انتباهها محمود قائلا: 

- هبة أعرفك بحبيبي وصديق عمري ... عمر. 
ابتسمت هبة ابتسامة فأر رأى قطعة جبن روميء فقالت في صوتها 
المبحوح: 

- أهلا وسهلا. 
رد عمر في شيء من الضيق: 


Yo 


- أهلا بيكي. 
أخيرًا يأتي الدكتور ليلقي محاضرته ليقطع حديتًا غير مرغوب فيه 
وعمر مازال يداوم التسبيل لحبيبته التي تلقى قدرًا كبير من أفكاره. 
Rf f‏ 

انقطع شريط ذكرياته مجدداء ليرجع إلى زمانه الرتيب» وسط جدران 
ذات لون أبيض في غرفته في ذلك الجو المكتوم والرائحة العطنة» لم 
يفتح شباك غرفته منذ أقرب صباح» يتأمل ذلك الكرسي ذو الكسوة 
القطيفة» يقطن كرسي مكتبه الخشبي ويجاور يده فنجان قهوة بارد لا 
يتذكر تاريخ إنتاجه ولا يعلم تاريخ نهاية صلاحيته» دس يده بين الهواء 
الفاصل بين الدرج ومقبضه كي يتسني له فتح معالم الذكريات الأثرية» 
أخرج علبة كرتونية سميكة القوام ومزينة ببضعة قلوب حمراءء لا بد 
أنها تنتمي لعصر الحب الجميل» عصر ماقبل الزواج» فزجاجة برفيوم 
كيلفن كلاين فارغة؛ ما زالت تحتفظ برزاز عطرها الفواح بعدما أزال 
الغطاء عن بخاختهاء فاندهش لما يبدوء فالحب لم يدم كالرائحة العطرة 
تلك» العشق ولى مسرعًا خارج حياتهم» وأثناء تفحصه للعلبه لاحظ 
ورقه تتوارى خلف الزجاجة» ورقة تحوي إحدى الذكريات» ورقة 
مطوية منذ عقد كامل» تناساها لدرجة أنه كان يقرأها لأول مرة» في 
ذلك الوقت الهادئ من صباح يوم الجمعة» صوت الباب أفقده تركيزه. 
عادت حبيبته السابقة» يرتسم على وجهها الامتعاضء أنزلت الحقيبة من 
يدها قصرًا دون أن تنحني» أصدرت صونًا اقتحم ذلك الهدوء 
الصباحيء فانتبه عمر ليوبخها: 

- مابراحه يا هانم. 
نظرت إليه نظرة كئيبة وسكتتء فباغتها بالقول ... 

- مدام أنتي لسا أعصابك مهديتش جيتي ليه؟!! 
اتجهت إلى غرفة النوم كي تبدل ملابسها دون أن تنطق بنصف كلمة 
ليقف عمر عند فوهة الباب .. 


75 


- إيه مبترديش ليه؟ نسيتي لسانك عند أمك؟ 

ردت نور بعصبية مفرطة ... 
- هرد أقول إيه» وبعدين بعد إذنك عاوزة أغير. 

قال عمر في برود شديد ... 

لم ترد نور لتتابع تغيير ملابسها ... 
- ماشي يا نور برحتك. 
- عمر أنت عارف ياعمر إنك ظالمني وأنا مليش نفس أتكلم. 
- ظالمك في إيه نفسي أعرف؟! 
- شوف تصرفاتك المستفزة معايا ... أنت أصلا مبتحسش بنفسك. 
- فهميني ... جيت عليكي في إيه؟ 
- بسيطة حابسني بين أربع حيطان» دي أقل حاجة أنت بتعملهاء ده 
غير معاملتك لماما آخر مرة لما جتلناء وعصبيتك على أخويا لما 
قال رأيه بصراحه» مبقتش تطيق أي حد من أهلي. 
- مش هرد عليكي. 

أخرجت مشطها من درج التسريحة وتابعت تمشيط شعرها بسرعة في 
- أنا عاوزاك كده ياعمر متردشء منتا متجوزني عشان تعذبني. 
EBT SSE‏ 

نظرت نور بحدة وأوقفت تمشيط شعرها لوهلات فقالت في صوت عال 
- نفسي أعرف أنت اتغيرت كده ليه» أنت مبقتش عمر بتاع زمان» 
كإنك واحد تاني معرفوش. 

نظن إلبهاانظرة با دة بصا ادا انقو يه هون ان كل 


۷ 


- لا أصل مبقاش فيا دماغ نقعد نتخانق زي الديوك. 
اتجه عمر إلى الكنبة مريحًا لنصف جسده وممسكًا الريموت ليعبث بين 
غضبت نور كثيرًا وبدأ صوتها في العلو أكثرء ووقفت أمامه لتحجب 
عنه رؤية التلفاز ... 

- ولا على بالك ... سايبني أغلي وخلاص. 

- لو سمحت صوتك ميعلاش أكتر من كده يأما هيبقى ليا تصرف 
لم تستطيع نور حبس دموعها فتسللت دمعتين من قاع عيونهاء تلك 
الدمعتين تستغيث من واقع النكد المستفعل ... 

- ماشي يا عمر ... شكرًا أوي. 
اتجهت نور إلى حجرتها وأغلقت الباب بعنف. 

- أستغفر الله العظيم ... طب أعملها إيه ديه؟! 
استمرت نور في المكوث في حجرتها لما يقرب من ساعة مما جعل 
القلق يتسلل لعقل عمرء قام من موضعه كمن شلت قدميه» يسحب ساقيه 
كجثتين هامدتين» وصل إلى باب الحجرة بدأ في الطرق المتواصل 
محاولًا في أن يشق صدره بسكين حاد كي تنبثق منه الكلمات اللطيفة 


- نور إفتحي الباب يا حبيبتي. 

ردت نور بصوت مبحوح ... 
- لا يا حبيبتي متضقيش نفسك» وأوعدك إني هرجع عمر بتاع 
زمان. 


۸ 


قالها وهو واثقَا أنه لن يتغير أصلا. 
- سبني شوية مع نفسي. 
- إفتحي بجد ... كده هتنرفز ياروحي .. 
- إفتحي ... عاوزك في موضوع. 


وماهي إلا ثواني وفتحت نور الباب ولكنها كانت ترتدي زيها الذي 
خلعته منذ حوالي ساعتين» حملت نفس الحقيبة التي لم تفرغها منذ 
عودتها ... 

- يالا أنا هقعد مع ماما شوية. 
استوقفها عمر ممسكًا يدها قائلا في صوت هادئ ... 

- إستني رايحة فين؟؟ 
حاولت نور أن تستخلص يدها منه ... 

- مش هتروحي في حته. 

- سبني ياعمر أرجوك ... أنت أصلا كنت سايبني وبتتفرج على 

الماتش ... روح الحق بقيت الشوط التاني» يالا أنا ماشية. 
أمسك يدها بقوة أكبر ولاح شعرها بعدما أخرجه من تحت الحجاب وبدأ 
في إفلات الحقيبة من يدها بفعل تمرد الحب على السجيةء حينئذ انبعثت 
أنفاسًا هادئة من الفم الباكي وقالت في هدوء أكثر ... 

- سبني ياعمر قولتلك. 
تفقد عمر ملامحها بأصابعه فجفف كل ما تبقى من دموعهاء تشبث في 
النهاية بشفتها السفلية قائلا بصوت عاشق: 


>35 


- فكي بقى المية واحداشر دول ... وتعالي نقعد مع بعض. 
وانحنى كي يوجه لها قبلة فرنسية تعلمها منذ أن كان في المهدء أبعدت 
عمر عنها بكلتا يديها رغم اختمار وجنتيها بالشبق» أطبق عمر يده على 
كتفيها بقوة» بدأ في تقبيلها مجددًا ولكن بضراوة أكبر من سابقتهاء في 
باديء الأمر حاولت مقاومته» وماهي إلا دقائق ولم تتمكن نور من 
الإفلات من تأثير ذلك السحرء تجولا الشقة كلها تقبيلاء حتى استقبلت 
الكنبة المنسية في الركن في إحدي الغرف جسديهما بالحب» وبما أنها 
منسية فقد كان أزيزها يإن في كل أرجاء الشقة إثر احتمال ثقل 
الجسدين. 

- نفسي ترجع زي زمان ياعمر ... قالتها بصوت رتع الشبق. 
قبلها عمر تقبيل الحرمان مرة بعد مرة .. 

- وأنا كمان نفسي ترجعي زي زمان» نور اللي كانت مبتفارقنيش 

لحظة دلوفتي لما نتخائق تخدي ديلك في ستانك على أمك. 
ردت بغنج طفلة لم تتجاوز العشر سنوات .. 

- عشان بقيت عصبي» تاخد كل حاجة على صدرك» مبقتش تاخدني 

في حضنك الدافي وتقعد تفهمني غلطي بهدوءء إنما دلوقتي شخط 

ونطر وزعيقء ليه اتغيرت 

- الدنيا بتغير يا نورء بتشيلنا هموم فوق طاقتناء ده بيخليني 

7 ؛ رغم إني كنت طول حياتي «3ا6]. 

- على فكرة أنا ضعيفة قدامك: ممكن تخطفني بكلمة واحدة منك 

عاوزة أحس بحنيتك ورومانسيتك اللي دايمًا كنت بقول إنهم أهم 
ابتسم مقبلا يدها ... 

- أوعدك إني أتغيرء وأحاول أبقى هادي» بس أنت اوعديني إنك 

تستحمليني وتحاولي ترجعيني في المود لما أكون متضايق» مش 

تزعلي أنتي كمان و تزودي البلة طين. 


كده؟! 

- بحبك ... 
لم يكن عمر هذا الشخص الكئيب» صاحب الروتين ولكن أعباء الحياة 
تعكر الذهن الصافي. 


۲١ 


الفصل الثالث 


في إحدي الأيام كان يقطن عيادة الاستقبال في القصر العيني» يحتسي 
فنجان قهوة مع محمود ويتحدثون عن مؤتمر لندن المنعقد في شهر 
سبتمبر المقبل أي بعد ثلاث شهور ... 

- إيه يا بوب» إن شاء الله فاضل تلت شهور ونسافر نظيط في لندن. 
رد عمر في جدية: 

- أعمل حسابك إنه شغل. 

- قشطة ممكن كده نزوغ شوية. 

- فاهم دماغك أناء بتحب المليطة» بس أنا راجل لسا متجوز جديدء 

دنا حتى متضايق؛ كده هسيب المدام لوحدها أسبوع ولا أسبوعين» 

صحيح احنا هنقعد أد إيه هناك؟ 

- والله معرفش بس ... 
فجأة يقطع سمرهم هذا صوتًا منحور قدم إلى مسامعهم؛ أطلق عمر 
قدميه صر عا ليتفقد ما يحدث» عيناه تجوب الممرات باحتًا هنا وهناك» 
وما خلع قلبه تلك الدماء المتناثرة على قماش ذلك القميص الأبيض الذي 
يرتديه الرجل حامل الفتاة الصغيرة» صوته المرتعش الحزين أثقل 
رعبه وأفرض عليه الخوف» "حد يلحقني يا جماعة"؛ أسرعت يدا عمر 
لحملها على الترولي» وبجانبه أبَا حزين تزدحم الدموع في عيونه 
ازدحام السيارت في شوارع يوم الخميس» الطفلة مغمضة العينين تقبع 
في عالم أخر لا يعلم تفاصيله إلا خالقهاء انتفض عمر مسرعًا نحو 
غرفة العمليات هو وصديقةء أرتدى ثوبًا أخضر اللون واغنُصب فمه 
بكمامة بيضاء» وطفلة وجهها أبيض ملطخ بلون أحمر» صارت يديه 
للدماء زائلة» يعتليهم ذلك الكشاف المضيءء ورائحة التعقيم تتسلل إلى 
أنوفهم» اهتزت ساقيه رغم اعتياده على مثل تلك الأمورء فحركت لديه 
مشاعر أبوة مخفية بداخله» تصبب عرقه وتهدج صوته طالبًا لأدوات 


۲۲ 


جراحة من صديقه» مشرط مقص» خيطه تنافرت أعصابه متقلبًا في 
حزنه خائقًا بشدة» ترائت لديه الشكوك فتوقف قلب البراءة» فلم يعد 
النبض يسريء ولا الدماء تجري» فأحضر صدمات كهربية إلى يده 
توالت يداه مسرعة بكهرباء تسري في جسد الصغيرة» حاول رفيقه 
منعه عن فعل متكرر ممسكًا يداه لتكف عن ذلك بعدما حاول كثيرًا ... 

- خلاص ياعمر ... وقف اللي بتعمله ... خلاص. 
صرخ محمود في أذن عمر ... 

- خلاص ياعمر قلتلك. 
كأنه أصم» ليكمل تلك الصدمات الكهربائية» يتلوى جسد الطفلة انحناءًا 
لأعلى» وهبطت المعجزة بأمطارها لتغرق أرض أمل جافة بعد سماع 
كلمة يا رب» عاد الدم يسري في عروقهاء مد يد العون ممسكًا بأطرافها 
خوفًا عليها أن تسقط في قاع مجهول» تحول من شاب عادي إلى أب في 
لحظات أرتوى بها صدره» وبعدما رتع جسد الفتاة عينات الدم تحول 
جسدها من لونه الأزرق إلى الأبيض من جديدء ليعي للحياة معنى. 
"بنتك دلوقتي في العناية المركزة وحالتها مستقرة والحمد لله " قالها 
ببريق ابتسامه» فأسكن في أبيها الاطمئنان» وما أعلى لديه الفخر انتقال 
سكون والدها إلى سجوده شكرًا لله. 
طلب الأب رقم هاتف عمرء ليكون صديق ممتنًا لذلك» لم يجد الرفض 
لديه سبيلاء يشغل بال عمر تلك الحالة الغريبة التي جاءت عليها تلك 
الفتاة الصغيرة» كل ما أخبرته أذناه هو مجرد حادثة فقط أثناء عبورها 
شارعهم» ما أبدى الرعب في عينيه هو الكذب» فهنالك آثار جرح عميق 
نتج من سكين عانق جدار المعدة المبتور. 

- أنت ممكن تستريح وأنا مخلي بالي منهاء جملة نطقها عمر في 

إشفاق ... 
رد الوالد بابتسامة خافتة رافعًا عيونه إليه. 

- أنا بس قلقان عليها. 


۳۳ 


- لا حالتها بقت مستقرة» وإن شاء الله هتبقى تحت عنيا. 

سكت عمر قليلا ثم أردف قائلا: 
- قولي يا أستاذ حسام ... بنتك اتصابت كده إزاي؟ واضح إن كان 
في آثار آلة حادة اخترقت جدار المعدة» وكمان في طعنة في نحية 
الكتف اليمين قرب رقبتها. 

بدا الارتباك على وجهه فواجه صعوبة بلع ريقه كأنه يبلع الصخر وسط 
- بما أن حضرتك عرفت أنا مش هلف وادور ... منة كانت 
- مخطوفة ؟!! 
- كانوا طالبين فدية مليون جنية ... 

نطق فم عمر مذهولًا 
- مليون!!!..طب واتصرفت إزاي؟ 
- سلمتهم المبلغ؛ بس سلموني منة في الحالة ديه زي منته شوفت. 
- وتعرف اللي عملوا كده؟؟ 
- معرفش» بس أنا راجل أعمال ناجح وليا أعداء في السوق. 
- أعداء ... لا لا دول كلاب ... ميتقالش عليهم أعداء ... يحاولوا 
يقتلوا طفلة ملهاش ذنب ... مش فاهم بصراحة. 
- أنا لو عرفت مين عمل كده مش هيستنى على وجه الأرض ساعة 
كمان» قالها معتصرًا قبضتهء مرتكرًا على الحائط وكاظمًا غيظه 
رغم ظهور فكيه يلمعان شرًا. 
- أنا لازم أصعد الموضوع للشرطة وهمه يخدوا الإجراءات. 
- لأ بلاش. 
- أنا متأسف جدًا مش هينفع» انا لازم أعمل محضرء دي مسؤولية 
عليا 


e 


ترجى حسام عمر قائلا: 


۲٤ 


اش غاون قو رة ازنعرك 
- بس أنت كده بتضيع حقك. 
بينما كانا يتحدثان جاءت الممرضة - منة تستلقي في نوم كامل وتحمل 
الأسى على وجهها. 
أردف عمر قائلًا للممرضة: 
- ولاء» علقلها جلوكوز .5٠6٠‏ وحطلها سيبروفار١‏ جرام ومعاه 
فولتارين. 
- حاضر يادكتور. 
وفي نفس الوقت كانت منة تهزي ببعض الكلام الغير مفهوم» فاتجه 
حدنان ا فقان. فى ق 
فى انها السايق» فقا حسام في ليفة: 
- هي كويسة يا دكتور؟ 
- هي بس نامت وحالتها مستقرة» خلاص مفيش قلق. 
- أنا ممكن أنقلها من هناء الفكرة إن دي كانت أقرب مستشفى ليا 
AEA‏ 
- لا لا هي هتبقى زي الفل» متقلقش يا أستاذ حسام. 
د 
- يالا هروح أشوف شغلي أنا بقى» وهبقى أعدي عليكوا من وقت 
- ربنا يخليك يا دكتور. 
- ده واجبي يا أستاذ حسام. 


ارت عر کن متاك ا كوول قن وله رك ران ينك 
للعناكب» طريقة حسام تقول أنه يعي الفاعل ومع ذلك لا يريد الإبلاغ 
عنه» فطاو عه عمر دون أن يخشي شيئًا. 
أخيرًا فتحت عيني الطفلة بالشفاء» مشرقة بابتسامة خافتة تحمل للقلق 
معنى» حدقات تميل نحو أركان الغرفة» تبحث وتبحث» ترتعد 
فرائصهاء تهم بتحريك فاها صراخًاء وأب مد كفيه للرعب عنها مبعدء 
تنفست الصعداءء والتساؤل يفيض بعلاماته» يبدو أن هنالك أمور في 
سماء الإبهام» لا تنوي بإنزال التفسير مطرّاء صرخة» عيون» رعب»› 
اندهاش» كل تلك الأمور تشغل بال عمر كثيرًا يحاربها في نزال حامي 
الوطيس» يصرفها منتصرًا حتى عادت عيناه في مراقبة يد ابنة تلتحم 
بأصابع أبيهاء ماهي إلا أيام يظهر فوارق حجم أثناء سيرهما نحو بوابة 
المغادرة» كم من أشياء مريبة امتزجت بالعقل والقلب» صاغت بداخله 
إحساس مختلف» لا يعرف مصدره. أبعيد أم قريب إجابة عن درب في 
الأفكار اتضح حينما رأى تلك الطفلة. 

2F 2F 2F FR f 
"أيوة يا أستاذ حسام ازيك ... تمام ربنا يكرمك ... لا أكيد جي يا باشا‎ 
... تمام ... خلاص جي‎ ١٠٠١ ... متقلقش ... العنوان بقى ... تمام‎ 
" وأخبار منة إيه ... طب الحمد لله‎ 
وبعد انتهاء المكالمة تساءلت نور التي جاورته على نفس السرير ذو‎ 
الأغطية القطنية‎ 
... تتعلق عيونه بعيونها‎ 
يعني إنتي سايبة الحوار كله وقفشتي في منة؟!!‎ - 
أه» مين منة ديه بقى؟‎ - 
... دي ياستي تبقى بنوتة صغيرة عملتلها عملية من كام يوم‎ - 
فأبوها بيكلمني عازمني على الغداء تيجي معايا؟‎ 


ونا 


- إمتى؟ 
- دلوقتي. 
- والغدا اللي محضراهولك؟؟ 
- في اختراع اسمه التلاجة ... تعالي معايا عشان متقوليش 
- همه ساكنين فين؟ 
- المعادي. 
ابتسمت لأنها سوف تكسر روتيتًا قد غرقت فيه ... 
- ماشي» هقوم أغير. 
انطلق عمر ليركب سيارته ال/١7١‏ البيضاء وكعادته عندما يكون لديه 
بالا رائق» يذهب ليفتح الباب لزوجته وبنظرة رومانسية يطلب إليها 
التواضع وركوب تلك السيارة الأنتيكة» وفي خلال طريقهما دار 
الحديث حول حادثة الطفلة» فباغتته بأسئلتها ... 
- أكيد حسام متورط في حاجة مع حد عشان كده عملوا في بنته اللي 
عملوه ده. 
رد عمر في هدوء: 
- معرفش بصراحة هو حوار يحير. 
سكت قليلا لتتابع قائلة 
- ممم» بس أنا متأكدة إن الحوار مش خطف وفدية والجو ده . 
الحوار أكبر من كده بكتير. 
- الله أعلم. 
قالت بفم لائم: 
- الراجل ده المفروض إننا منخطلتش بيه أصلا ياعمر. 
رد عمر بجدية هزلية: 
- المفروض عند المكوجي على فكرة. 
- ياعمر بكلمك جد. 


۳۷ 


- يعني ألف وارجع تاني عادي أعملها. 
سكنت قليلا فقالت: 

- أنت حر. 

- على فكرة إحنا رايحين فيلا. 

- إيه المشكلة؟! 

- يعني يعتبر خروجة جامدة ... والراجل عزمني على الغدا ... 

قدر وقفتي جنب بنته ... فمتخفيش يعني 
نظرت له بحب قائلة: 

- أنا معاك يا حبيبي بس أنت عارف الناس ديه ممكن تدخلنا في 

مشاكل إحنا في غنى عنها. 
ابتسم لها بقلب راضي ... 

- ربنا يستر ياستي» وبعدين عاوزك النهاردة تفكك من القلق ده 

وتتبسطي. 
ردت في حب فائض: 

- ماشي ياعمر ... أنا هتبسط طول منته مبسوط ياروحي. 

- أهم حاجة متفتحيش الموضوع ده قدامه ... أوك ؟؟ 

ارك 
كان الانبهار يقتحم قلوبهم حينما دخلو الفيلاء كيف كانت عربتهم التي 
سكنت المدخل منبوذة بجانب البي أم دابليو الفئة السابعة الفارهة» بريق 
لمعان إكصدامها يكفي لأن يخفي الوجود من حوله» وكم كان اللون 
الأزرق لحمام السباحة القريب من البصر يلمع كلمعان الشمس في كبد 
السماء» وفي الانتظار امرأة تجاوزت الأربعين من عمرها جاءت 
لترافقهم حتى باب المنزل» ترتدي فستانًا أبيض قصير نسبيًا لايكشف 
عن ركبتيها إنما يظهر سمانتها البيضاءء قوامها المشدود ينوي أن 
يخبرك بأنها مازالت في الفورمة» وشعر أشقر يكشف بأنها ليست 
مصرية الأصلء بينما هي تطلب إليهم مرافقتها فكانت تسبقهم بحوالي 


۳۸ 


تق ت جعلت :تلك المستافة لخير: ١‏ القدوة بعلن ماح رامعا 
والغرق في ساقيها النحيلاتان فكم يعشق القوام الفرنسي الذي كان تعهده 
زوجته قبل الزواج» قبل أكل المحشي والاتكاء على الكنبة أمام التلفازء 
وما شتت تركيزه سوا کوعا بدا كسهما خرق جدار معدته في لحظة 
فوجائية» فقال عمر في امتعاض: 

- في إيه؟ 

- عنيك رايحة فين؟ 

- ياستي ولا رايحة ولا جاية أنت دماغك غريبة. 
قطع مناكفتهما حسام الذي كان يقف أمام باب المنزل» يرتدي بدلة 
سوداء وقميصًا أبيض من دون كرفاته»معدول القامه على عكس 
انكساره يوم الحادثة» يرتدي نظارة سوداء ماركة بوليس كافيه لحشد 
الحقد داخل قلوب من يراهاء تخفي آثار تورم تحت العين جراء إرهاقا 
طويلاء والأرض تحت قدميه تلمع لتلقي تحية للقادمين ... 

- أهلا وسهلا ... اتفضلوا. 
طلب مرافقتهما إلى المكتب» دخلا الزوجين حتى شاهدا مالا عين رأت 
ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الطبقة المتوسطة أو تحت 
المتوسطةء فالانبهار يتحكم بدوره في عيون تصطكء منذ أن دخلا 
خطف بصرهما تلك النجفة صاحبة الكرستالات البراقة» التي تزن 
أطنان» ومحملة تحميلا محكمًا بسلاسل كثيفة لحمل ذلك الثقل» وما هي 
إلا لحظات حتى كانت اللوحات التي تبدو لفنانين مشهورين تتحكم في 
جفونهم» الإضاءة الهادئة تشعرك بجو رومانسي خاص» حينئذ جاءت 
منة الصغيرة ومن حولها التماثيل التي تزين الممر المؤدي للمكتب 
تنحني لها بالترحيب على الأميرة التي ولدت محشور في فمها ملعقة 
آلماس» حينئذ ابتسم حسام قائلا: 
فأحتضنها بعطف الأبوة وجعلت من ساقيه مقعدًا لها أردف قائلا: 


۳۹ 


- دي بقى كانت هتروح مني لولا ربنا وبعد كده جوزك يا مدام. 
ردت نور بابتهاج ... 
عم الصمت بحكم أنهم ليسوا أصدقاء فقاطع الصمت طلب حسام قائلا: 
- منة ... روحي سلمي على عمو عمر. 
مدت منه يدها قائلة: 
رد عمر مبتسمًا 
- أزيك يامنة عاملة إيه؟ 
- كويسة. 
مدت نور يدها ... 
- أزيك ياحبيبتي؟ 
- كويسة. 
قال عمر: 
- عندك كام سنة بقى؟ 
- خمسة. 
ردت نور قائلة: 
- أنت لسه صغنونة أوي. 
- لا أنا كبيرة على فكرة. 
قالت نور ممازحة: 
- كبيرة إزاي يعني؟ 
فتحت منه ذراعيها لتشير بكبرها. 
- آاااد كده ... أكبر من الدبدوب اللي بيجي في التلفزيون. 


رد عمر قائلا: 
-ما شاء الله عسولة. 
نادى حسام الخادمة لكي تأخذ منة إلى حجرتها كي ترتاح. 
-يالا يامنة يا حبيبتي اطلعي ريحي شوية. 
قالت نور باستغراب .. 
- مش هتتغدي معانا ولا إيه؟! 
ابتسم حسام قائلا: 
- لا هي سبقتكو ... يالا سلمي على عمو وطنط. 
- مع السلامة ياعمووو مع السلامة يا طنططط, 
وعندما انصرفت الصغيرة فتح حسام الخزانة التي د تعج بالأموال 
فأخرج ظرفًا وأعطاه لعمر» ثم أدلف قائلا: 


5 أت ۰ ا ١‏ 
- إيه ده. 
- ده أقل حاجة ممكن أقدمهالك. 


تغيرت ملامح عمر عندما فتح الظرف ثم سكت لبرهه فقال: 
- لا لا إيه اللي حضرتك بتعمله ده ... أنا معملتش غير اللي يمليه 
- أوك بس ديه هدية بسيطة. 
- لا حضرتك مش هقدرء قالها وترك الظرف على المكتب. 
بينما نور تلمح الموقف ولا تخطو شفاهها كلامّاء حتى قدمت الخادمة 
لتشير إليه من فتحة باب المكتب» حتى نطق حسام قائلا: 
- أوك على راحتك» يالا الغدا جاهز. 
أصناف الأكل كانت مجهولة لدى عمر ونورء لمح عمر وجود البيتزا 
في وسط السفرة»ء الأكلة الوحيدة يعلم هويتهاء وما قطع الصمت غير 
جملة تبعثرت في فراغ الغرفة من حسام .. 
- شكلكم لايق على بعض. 


٤١ 


ردت نور في استحياء: 
- ربنا يخليك. 
- متجوزين بقالكوا أد إيه ... عرسان جداد ولا ظني مش في محله؟ 
رد عمر مبتسمًا: 
- مش جداد أوي ... داخلين على السنة. 
رد حسام رافعًا حاجبيه ومحركًا رأسه بالرضى 
أهاء تماد تماد عمق 
- نعم. 
- الواحد بيفكر يعمل مشروع خيري. 
- زي؟ 
علش سقفي ي ل ف ار ن الي فا حح اناو ال 
ممكن أي إنسان يعشها لما ابنه أو بنته يبقى في خطرء إحساس 
صعب أوي. 
- بس مشروع مستشفى محتاج فلوس كتير. 
- لا من:ناحية الفلوس. اطمن» أنا يهمتي اختيار الذكاترة اللي يوراغوا 
ضمايرهم» ياريت تساعدني في حاجة زي كده. 
- إن شاء الله. 
عم السكون بعض الشيء حتى نطق عمر .. 
- حضرتك بتشتغل إيه؟ 
- أنا عندي مصانع لإنتاج آلات الرفع والجر. 
رد عمر في هدوء: 
- شيء جميل. 
- الحمد لله فاتح كذا فرع هنا في مصرء فرع بديره بنفسيء إنما 
الفروع التانية سواء جوا أو برا مصرء معين ناس ثقة يديروها وأنا 
من وقت للتاني بتابع البزنس بتاعي؛ فبسافر واجي ... يعني حياة 
متعبة شوية» وبعدين مهم أوي الناس الثقة. 


A 


- طبعًا. 
- وخلاص أنت بقيت حد ثقة عندي. 
- ربنا يخليك. 
الع حسام كمه ها برق ر قات مر الور الفتكللة اة 
- عاوز الفترة الجاية أشوف الأرض والمكان اللي هنبني فيه 
المستشفى ... وأنت كل اللي عليك إنك تساعدني في شوية حاجات 
بين اده تاهاب قد :كبيت القت نظرك امرك 
- أوك مفيش مانع. 
وما إن انتهت الزيارة حتى كان الذهول بات بداخلهما إثر الانبهار لما 
كانو فيه» وركب عمر سيارته المهترئة» عيناه تبصقان عليها بعدما 
شاهد البي أم دبي الفارهة التي تغار منها سيارتة: الروقان الذي يقتن 
ادب يدا في ا د روحته فى خت ابه بالق ال 
وبينما يراقب صوت موتور سيارته أثناء سيره» فقال في استهزاء. 
عقت كار و 
ضحكت نور حتى ظهرت أسنانها. 
- أه والله كارتة كارتة يعني» أنت شوفت العربية البي أم اللي كانت 
جوا تهبل» أنا كان نفسي اتصور جنبيها بس قلت الراجل هيقول 
علينا إيه ... محرومين ... تخيل أنا والبي أم بروفايل بيكتشر على 
الفيس» ساعتها مريم هيجلها ساكتة قلبية. 
- أنت شوفتي الفيلا عاملة إزاي ... الناس ديه بتعرق فلوس ولا 
إيه؟! 
ضحكت نور لترد ممازحة: 
- أتصل واطمن عليه عشان بعد القر ده زمانه بيقابل وجه كريم. 
ضحك عمر ثم قال 
- بس عارفه يا نور رغم كده تحسي إن حسام شايل هم كبيرء وده 
اللي بيخليني أقول مش كل حاجة الفلوس. 


ل 


- عندك حق بس الفلوس مهمة برضه. 
- أهم حاجة ربنا يخليكي ليا ويرضيكي عليا يا أميرة يابنت الأمرا. 
- أنت لما بتكون كويس معايا الدنيا بتبقى حلوة ... صح .... بس 
أنت عجبتني لما مخدتش الظرف ... كان فيه كام؟! 
أجاب عمر بينما تجحظ عيناه .. 
- روزم» بتاع خماشر ألف جند. 
- جند» سواق میکروباص» بس برضه تستاهل ديه. 
قبلت عمر في خده الأيمن» ضحك عمر فأردف ممازحًا 
- لا لا مش قد الحركات ديه وبعدين احنا على طريق عيب . 
بوسة زي ديه بتغير فيا حاجات فسيولوجية. 
- يعني إيه. 
- يعني هاتي واحدة تانية عشان الأولى مكنتش بضمير. 
ابتسمت نور ابتسامة محمله بعشق تسرب من قلبها ثم ردت في غنج: 
- لا هي واحدة بسسسسسس وكل لما تخرجني ليك واحدة زيها. 
- خلاص أنت حره ... مش عاوز حاجة منك. 
- قولي بحبك وأنا أديك واحدة تاني. 
- مش هقول. 
- خلاص مش هديك. 
ولم يحصل عمر على قبلته الثانية فقاطعه استفراغ نور المفاجيء› 
توقف عمر عن القيادة» بات يتفحصها في قلق يلتهم حدقتا عيونه» ظل 
يدلك ظهرها في حب وخوف في أن واحد. 
- مالك ياحبيبتي؟!! ۰ 
- معرفش» تعبت فجأة. 
- حاسه بأيه طيب؟ 


أمسك عمر يدها متفحصًا نبضها وبات يتفحصها لدقائق» لترتع الفرحة 
عيونه ... 
- لا كده بقى بكره أخدك معايا المستشفى واعملك تحاليل ونتأكد إن 

الوحش هيشرف. 

- وحش مين؟ 

- أكيد هيطلع وحش زي أبوه. 

- أنت بتكلم جد!!! 

- خير إن شاء الله. 
كانت مثلما اصاب عمر حامل في ثلاث شهورء فعم الفرح بيتهما 
وشاءت الأقدار أن تحمل لهم مولودًا يسكن رحم أمه. 


° 


الفصل الرابع 


يدا مرتعشة للملابس معدة» ترفع كل لباس فتستنشق منه عبير زوجها 
إثر زجاجة عطر تركيب ارتوت به معظم قمصانه» تفيض عينًا تشفق 
على نفسهاء ستترك وحدها بين أربع عوازل» حزنًا يصنع حيرة الأمر 
بكاءًا التمست كتفيها يدا حانية» بكل ما كتب على الأرض من شوق 
تقابل جسدين بدفئ جاني» يقتل كل معاني الخوف» أصابع تجول 
خصلات شعر وكلمات تسقي من العشق نهور» بنفس مرتعش أضفى 
ارتعادًا لدى الزوج» فاحتضنها بكل قوة الغرام لدرجة انعدام فراغ؛ 
ليردف عمر قائلا 

- هتوحشيني أوي. 
وبعدما فرغ من حضنها ... 

- مش هتأخر هناك» ليه بقى الدموع اللي في عنيكي ديه؟ 

- لالا أنا عاوز اشوف ابتسامتك الحلوة» مش هعرف أسافر وأنتي 

كده, 
لتصنع ابتسإمتدا جوا دافيء .. 

- أيوة كده ... بتبقي أجمل بكتير. 

- وأنتي كمان أوي أوي ياحبيبتي ... يالا أجهزي أنتي کمان» كده 

هتأخر على الطيارة. أوك؟؟! 
السكوت يقتلها ... 

- متخفيش مش هسيبك لوحدك»› هكلمك كل يومء وبعدين احنا كده 

هناخد بريك من بعض ... تجديد ... مش كده ولا أيه؟ 

- اه انت مبتصدق...اوعي يا عمر تبص هنا ولا هنا .. 


5 


يبدأ نفاق الزوجية الرتيب 

- انت عارفة ان محدش بيملي عيني غيرك 

- خلي بالك من نفسك وكل كويس ونام كويس ومترهقش نفسك ..و 

متنساش تطمني عليك لما توصل 

2F 2F 2F f 2F ع ع‎ 

يرتاح ظهره في ذلك الكرسي المبطن بالقطن الكثيف» يتأمل صفوف 
الشبابيك المصفوفة في صفوف بجانب المقاعد» يروق له اللون الأبيض 
المنير بالشمس الخارجيةء شارد الذهن يجول وسط حقول أفكاره» وكزه 
محمود وكزة ضعيفة في صدره. يعلم رد فعل عمر فأخذ وضع 
الاستعداد» رفيق إفاقه من درب الأحزان الكئيب تحول الآن متنبها 
لحديثه» وسرعان ما تعالت الضحكات وتحرك فكيهما كلامًا »سافرت 
الثرثرة بجوارهم» ورغم ما كان فهناك عينان تراقب جمال الابتعاد عن 
الأرض والخوض في سير السماءء إبداع خالق فماذا بشأن الجنانء 
تصفح معالم أماكن لم يكن متوقعًا بحال ابتعاد عنهاء ومحمود بجانبه 
يلاحظ سيقان المضيفات في تلهف» عيناه صقرًا يلتذذ التحليق في 
الأركان» فقال في فم مشبوق ... 

- إيه الحلاوة ديه ياعمرء أنا مشفتش كده قبل كده ياعمر. 

- أرحم أنت حيحان على نفسك كده على طولء أومال لما ننزل لندن 

هتعمل إيه؟!!! 
عيون محمود تجول أرجاء المكان ... 

- المني جيب مجنن أمي» وبعدين منته كنت بتهزر مع المضيفة من 

خمس دقايق ومحدش قالك حاجة» هي جت عليا أنا. 

- مكنتش كلمة يعني» أنت هتحاسبني على كلمة ولا إيه» ميبقاش 

قلبك أسود. 

ول رانك 
رد عمر في ثقة مبالغ فيها: 


۷ 


- قولها هو أنا هخاف» في الآخر هتحرج نفسك ومش هتصدقك» 
وشكلك هيبقى وحش. 
أشار محمود برأسه فقال في صوت خفيض: 
- بقلك إيه شايف الفرسة اللي واقفة هناك؟ 
ان 
- المضيفة اللي جنب الراجل الأصلع اللي لابس أسود. 
بدأت عينا عمر تبحثان عنها ... 
- أه شوفتها. 
كز ات باي اح عفان أكلمها. 
- مليش دعوة بيك مش ناقصة فضايح. 
- أهدى أنت ملكش دعوة. 
وعندما اقتربت المضيفة من كرسي محمود ناداها بصوت هادئ ... 
ل ت 
- أفندم؟ 
- هو فاضل أد إيه على لندن؟ 
اك ا ا 
- إحنا مبقلناش خمس دقايق يافندم. 
و عمن يصوت عبن مون 
رد محمود على المضيفة: 
- معلش بقى أول مرة أركب طيارة» وبصراحة مش عارف 
المسافة بين القاهرة ولندن. 
ردت المضيفة بابتسامة توضح لمعان وصغر أسنانها الأمامية ... 
- المسافة بين القاهرة ولندن حوالي تلات آلاف وخمسميت كيلو 
حضرتك» والرحلة بتبقى حوالي خمس ساعات. 
رد محمود مادحًا: 


A 


- ما شاء الله» بحترم أنا أوي الست الجميلة اللي تفهم في شغلها 

كويس» شكلك ذكية 5۳2۲ء بجد هايلة مش كده ياعمر؟! 
قابل عمر الموقف بابتسامة عريضة:» ليتابع محمود قائلا: 

-هو الحزام ده معرفش ماله» حاسه محشور ممكن حضرتك 

تشوفيه. 
وعندما انحنت المضيفة لتتفقد الحزام» بات محمود يتأمل أجزاءها 
المنتفخة في شبق واضح» وعمر يتفحص الموقف كاتمًا لضحكاته. 

- مفيهوش حاجة يافندم. 

- طب تمام» أصل حاسه قافش شوية» بطني هتفرقع» وسعيه أكتر. 
انحنت المضيفة لتُصنع فوهة في ملابسها مما جعل محمود يتطلع على 
معظم أجزاء صدرها. 

- أهوه كده تمام يافندم؟ 

- ضيقيه درجة واحدة بس» مش أكتر من كده. 

- كده كويس؟؟! 

- تسلم إديكي» بجد ميرسي أوي أوي أوي ليكي. 

- تحت أمرك يافندم. 
وعندما غادرت أردف عمر قائلا: 

- استفدت إيه والنبي؟ 


- أنت مجنون والله. 

- مشفتش اللي شوفته وهم» أنت فكرك إني هنزل من الطيارة إلا لما 
يكون معايا رقمها؟!! 

- مليش في السكة ديه. 


۹۹ 


قال محمود في ثقة: 

- ممُخلص الزوجية» بكره تمل وتتخنق وتدور على واحدة تانية 
مازحه عمر بقوله: 

- طب وأدور ليه لما اتخنق هقلك» مش أنت فلانتينو أوي؟! 

- لا سوري بس مش أريل؛ مبعرفش حريم على رجاله» فاكرني 

قواد ولا إيه!! 

- سبني بقى عاوز أريح عبال منوصل. 

2F 2F 2F عد‎ f 

ذكرياته شاء أن يدونها في أجندة مذكراته بينما يقبع وسط الهدوء في 
شرفة الغرفة» لا يوتره صخب فيتأمل تلك الأشجار الكثيفة والمتشابكة 
ن سن وا هلى :لول الغا ك :ا اكه ره ا 
اللامع يزيد نور الشوارع انعكسًاء الناس يسيرون والأمال لا تنقطع عن 
ملامحهم النورديةء جدًا يبعت الطمأنينة الداخليه ليطالع عمر ذكرياته 
من الأوراق السابقة ويتأثر بها وينهمك بقلمه ويعلم سحر القلم» يكتب 
تكهناته عن أحداث قريبة ويسجل أحداث حياته ببالٍ رائق» كرواية 
ككقصةء ككتاب نفسي» ينقل فيه حالته السيكلوجيةء لم يشأ أن يتوقف 
عن كتابة مذكراته بينما يحتسي الشاي في تذوق وتمعنء قبل استيقاظ 
محمود فهو لا يبتغي أن يعلم بما يدون وما قصة تلك الأجندة التي يدون 
عليها تاريخ من عصور الجاهلية» قاطع أفكاره المنسابة محمود بصوته 
العال 

- عمررررررررر. 

- عاوز إيه؟ 
تعصب محمود قائلًا: 

- مصحتنيش ليه إنت مش عارف إن فاضل ساعتين على المؤتمر. 

- يعني هتجهز في أد إيه. 


°١ 


- منته عارف إني بحب أظبط نفسي على راحتي أنت كده خلتني 
- طب يالا إنجز وبطل رغي كتير. 


الف كا 


وجاء الميعاد المنتظرء مع اقترابه من موقع المؤتمر كانت تخالطه 
امتزاجات أشواق غريبة» أصوات من صدى تحت أقدام حاضري 
المؤتمر تذيبه شوقاء الهدف ما سعى إليه وتحمس» دراسة المشاكل 
الصحية للعالم النامي» أمر هام بالنسبة لبلده» يسعى أن يكون من 
الأساس الراسخ للتطويرء وما كان يشغله هو الوهلة الأولى بعد أن 
ينقضي الممر الذي يجوبه في صمت وحيرة» هواء الممر الطويل 
يخدش وجنتيه في صراع» فتح الباب المؤدي إلى قاعة المؤتمرات 
كان ر هة اف فة شت د جا لے لاع العاف اة 
دامت جلية وقلبه يحنجل داخله» المقاعد تذكره بأيام الجامعة في التفافها 
وتألق دورانهاء أمام كل مقعد يتدلل مايك لكل متحدث كي يسهل على 
الجميع المشاركة بسهولة في الآراءء لم ينسوا المعدين زجاجة المياة 
التي سوف تشفي تحجر الحناجر عطشاء وإذا نظرت إلى شبابيك المكان 
تكد : الجكاكر" لتا المسدولة اتخ خر كدر امن أشعة الشمنين 
الهاربة عبر الزجاجء الانتظار مرهوتًا بقدوم رئيس المؤتمرء فجأه 
هبطت الأصوات العاليةء لقد انقرع الباب الخلفي الموازي لعرش 
الرئيس المنتظرء تنبه الجميع بحضوره العاصف لكل تركيز مشتت» 
امتدت يد العامل ليفتح باب السدود» صوت صرير بات صداه مخترقا 
أذنا عمرء علا الاندهاش ملامح وجهه لقد تذكر حرقًا من حروف 
الماضي» نفس صوت الكرسي القديم بات صداه أرجاء القاعةء أيعاود 
كتابة عنوان سحيق» ها هي قدمت رئيسة المؤتمرء لترتكز بمكانهاء 
الرابضة في كرسيها وتتجمع عيون المحملقين حولهاء تفانت في عدم 
الانحناء للرهبة رغم الجمع الكبير الذي احتشد أمامهاء هي من صنع 
تلك المبادرة» فلا خوف موجود ولا رهبة تضفي على وجهها الشاحب» 
إنما الثقة ما تجمعت بداخلهاء تعانق أطراف أصابعها المايك المرتجف 


o 


أمامها وتقتل ما بداخله من رهبةء يفوق حدسها عجزها على ذلك 
الكرسيء لم تنزعج لتباين الحاضرين» فمنهم من يطل ببصره بطريقة 
المشفقين ومنهم من كان لديه جراءة المستهترين» ثباتها يفوق وصقاء 
كي لا تكون لقمة سائغة» نظرت إلى الجمع من خلال بصيرتهاء لتبدو 
الرؤية أوضح» في تلك اللحظات بعدت خصلات شعرها عن أذنها 
اليسرى لكي تستقر سماعة بيضاء بجوف صوانهاء السلك المنسدل بات 
مشدودًا على كتفهاء بدلتها الضيقة تسدل الستار عن أذرعها النحيلة 
خصلاتها الطويلة تخفي رقبتها فلديها شعرًا طويلا يصل إلى ركبتيها 
قعودّاء لم تقص منه شيء منذ عهد طفولتهاء وعمر يقبض يد كرسيه منذ 
أن رأى وجههاء ذاق للمفاجأة قشعرة» محملقًا بلا جدال» أصارت تلك 
اليوم مصادفةء بعد قرابة العشرون عامًا تتجمع صورتها أمامه؛ أتلك 
هي من ذاقت مر اقبته» ملوحة الأيدي مبتسمة الفاه» علت شفاهه صعودًا 
وهبوطًا باسمها "أينوجت", ذاك الوجه تلك العينين لم يتغيرا كثيرًاء 
تطرب أذناه لسماع صوتها يجول أركان المكان. 

"أرحب بجميع الحاضرين ... معكم آية صدقي رئيسة ذلك المؤتمر 
ودكتورة في جامعة كامبردج ... جئت اليوم لنناقش قضية غالية علينا 
... لنبدأ في وضع حلول تساعد عالمنا النامي في الحصول على حياة 
أفضل وبصحة أفضل ولا يضفو المرض على أطفال لا زالو يتفتحتون 
كورود البساتين ... إنني اليوم نظمت ذلك المؤتمر ليكون شرارة البدء 
في نظام جديد ... نظام عالمي في مجال الطب يخدم مرضي العالم 
الدامي ,+ العالغ الذي يحفة الأويئة من كل وت بوحدب ي ليكون 
الفجر الجديد مشرقًا على نقيض سابقة ... وفي بداية المؤتمر أحب أن 
ألقي التحية الطيبة لقدوم بعض الوزراء من عدة دول فأبدأ بتحية السيد 
الدكتور محمود الطيب وزير الصحة بمصرء وأشكر السيد الدكتور فهد 
بن يزيد وزير صحة المملكة العربية السعودية» وأشكر وزير صحة 
السودان السيد الدكتور عثمان محمود. وأشكر وزير صحة البحرين 


or 


السيد رشيد بن عمروء وأشكر أيضًا الأطباء من جميع المنطقة العربية 
وکل من ساعد ليكون جزءًا لا يتجزء من هذا المؤتمر"نطق فم أينوجت 
باسمها الحقيقي» ارتعش عمر ارتعاشا غريبًا ليذوق من الذهول صاعًاء 
أتلك من كنت ملهوفًا لمعرفة حقيقة من حقائب أسرارها. 
عد عاد 2F 2F‏ 

ساكنًا ويراقب» ممسك قبضته المرتعشة توترّاء وأوراق أشجار تغدو 
حوله بنسمات حانية» ما إن استنشق الهواء وجد انبعاث رائحة زهور 
معبنّاء مالت الأغصان للتعبير عن مراسم احتفالية للجميلة الهادئة 
تحركت قدماه معبرة عن ما هو مكتوم» تنظر إلى النافورة التي تتوسط 
الحديقة» لا يشغل بالها هجوم رزاز المياة على وجهها الأملس» المنظر 
دام الأفضل هناك» أسوار حديدية تحيط بالمكان ويعانقها الورد الملفوف 
بأغصانه» في عيونها كلمات تتراقص الكلمة خلف أخرياتهاء لا تستطيع 
قراءة ما بداخلها فالعمق يقودك إلى الغياهب» لن تعلم ما يصير من 
جدال بداخل نفس ساكنة» لأول مرة سوف يفعلها ويكسر صمت صخر 
غير بالي» اقترب واقترب أكثر فأكثر حتي لاحظت ورفعت وجهها 
تسائ بعينيهاء فلينفي واقع كان في السابق مكتوب ولكن كما اعتاد نطق 
باسم غير معروف. 
- أينوجت ... قالها بارتباك ملحوظ. 
علت الدهشة تعابير وجههاء ونطقت بكلماتها الأولى معه بابتسامة 
الساحرة. 

- حضرتك بتكلمني أنا؟ 
اضطرب عمر قائلا: 

- أه. 
حملقت آية في وجهه محاولة التعرف عليه ولكن بلاجدوي تذكر ... 

- حضرتك تعرفني؟ 


6: 


- أه أكيد أعرفك ... وأحب أشكرك الأول على كل كلمة قلتيها في 

المؤتمر ... بجد كنتي هايلة. 

- ميرسي. 

- أنتي بقى مش فكراني. 

- لا متأسفه مش واخدة بالي. 

- ممم ... شكلي اتغير أوي كده ... طب استني كان معايا صورة 

قديمة ليا. 
أخرج محفظته وباتت أصابعه تعبث باحثة عن صورتهء حتى لاذت تلك 
الور في اقرا فن دك النسكق مت رات يضح لها ماعطا 
لها اة الخالضة تخت الور لتظين مانا فة فيكذا 
تسرق الدهشة ملامح السكون؛ فابتسمت قائلة: 

- أنت عمر» صح؟ 

- أه عمر ... افتكرتيني!! وكمان فاكرة اسمي ... مش معقول ... 

ده حظي حلو أوي. 
نظرت له بأستغراب قائلة: 

- حظك حلو!! ... ليه يعني؟ 

د وة حظى حل إنك. تفطضي قار ة اسي لحد ذاو فكي ويد كن 

السنين ديه يا دكتورة أية 
نظرت إلى الصورة وإلى وجه عمر فقالت: 

- شكلك متغيرش كتير عن وانت صغير ياعمر. 

- ممم ... شوية. 

- أنت كنت حاضر المؤتمر!! 

قار 
نظرت له مبتسمة تلك الابتسامة التي عشقها منذ أن كان صغيرًاء منذ 
أول نبض حب انتاب قلبه» حبه الأول الذي رفرف ببرائته أرجاء شقته 
وأرجاء مدرسته. 


oo 


- عشان كده بيقولوا الدنيا صغيرة. 
كانت الفرحة تبدو واضحة على وجهه 
- بجد صدفة حلوة أوي. 
- طبعًا. 
- وأنتي عاملة إيه وأخبار حياتك ودنيتك وعملتي إيه لما سافرتي 
لندن بجد نفسي أعرف كل حاجة عنك. 
بدا اليأس يمتزج بنظرتها ... 
- لا لندن خلاص ... أنا بفكر أستقر في مصرء أكمني محققتش اللي 
كنت عاوزاه؛ فملهاش لازمة الغربة. 
- كل ده ومحققتيش اللي أنتي عاوزاه أكيد بتهزريء يكفي إنك 
رئيسة مؤتمر كبير زي ده. 
- في طموحات أهم من كده. 
في ذلك الحين رن هاتفهاء ليبدو التوتر عليها من أول وهلة في 
المكالمة» وحينما فرغت من حديثها في الهاتف .. 
- معلش أنا مضطرة أمشي. 
- ماشي بس هشوفك إزاي تاني. 
- أنا نازلة مصر إن شاء الله كمان يومين؟ 
لم يتردد في قوله: 
- ممكن رقمك طيب لو مفيش مشكلة؟ 
أخرجت من الحقيبة التي تستريح على فخذيها كارت به رقم هاتفها 
وعنوان عيادتها في القاهرة .. 
- ده رقمي الشخصيء والعنوان ده عنوان العيادة. 
- ميرسي ليكي» هكلمك إن شاء الله. 
- باي باي. 


2 2F 2F 2F 2F f 


الرجوع إلى الوطن ... 


كه 


وكما أسماه من باب الفضول اتصل بها لأطمئن عليها. 

- ألو إزيك عاملة إيه؟؟ 
ردت آية بصوت مخطوف: 

- الحمد لله تمام» مين معايا؟ 

- أنا عمر. 
تغير منهاج صوتها وبدت البهجة على ذلك الصوت: 

- إزيك يا عمر عامل إيه؟ 

- الحمد لله» رجعتي مصر؟ 

- أه رجعت بقالي يومين أهوه. 

خمد الله حل السلامة 

الوك 
سكت قليلا محاولًا التعرف على جملته التالية 

- كنت عاوز نتقابل نتكلم شوية» بقالي زمن مشفتكيش أنتي عارفة. 

- أوك نتقابل في العيادة. 

- ماشي أوك ممكن بكرة؟؟ 

- أنا موجودة من الساعة ” العصر لحد ٩‏ بليل. 

- خلاص آوك» ميرسي ليكي. 

bye bye ... you are welcome - 

- مع السلامة. 
إحساس موهوم يتغمده فحنينه إلى الماضي قد يقتل رتابة حالية» شيء 
أشبه بمغامرة في عمره عند العقد الأول البالي» وأناشيد الصباح التي لم 
يطقها أحدء وترديدات من تنهيداته عندما كان لم يبلغ الحلم» عندما كان 
لا يعي للجنس شبقًاء عندما كانت الطهارة عنوان حياته» ماذا عن الأن 
بعدما تعمق في معنى العالم» فتنبه للواقع الأليم» الحياة المملة» الضيق 
الذي يقبض بيديه على عنق فرائسه» كل تلك الأمور تجعل له حق 
التجربةء لذا قرر أن يخوض شيئًا جديدّاء يرتدي بدلته السوداء» وكرفتته 


/اه 


الى ا بزو کا حتفي ر الخال انبرقي كلل کا 
بياض قميصه تستحق أن تنال عليه نور تقبيلة يدء لكنه غادرها في 
صمت مريرء دون عنوان المقصدء فعندما سألته إلى أين سوف يذهب 
أجابها "ميتنج شغل". وما هو إلا اتباع الهوى» ركب سيارته ذات 
الموتور ٠٠١‏ سي سي» تحشرجت ونطقت باللسان أبكم» فعلم بأنها لن 
تذهب إلى أي مكان» الغضب يسرق عيون عمرء وبعد عناء المحاولة 
ارقف تاكسي: إلى مصين. الحديدة مك العداد الى بات 'محيلت 
ويحسب دون توقف أو تثائب» حتى وصل إلى ميدان تريومف» وصل 
العداد إلى خمسة وخمسون جنيها دفعهم حمًا لتلك التجربةء للفضول 
المحكم» وحيث رست أقدامه أمام عيادتها كان الباب مغلق» موشوم عليه 
اسمها بخط أسود يتوسط سبيكة ذهبيةء فتأكد وطرق الباب لينفتح» فبتسم 
عمر في هدوء قائلا كلمات التحية» طلبت إليه الدخول» فتوجهت إلى 
مكشها وهو قبع ,كل لكي المواعة کت ين اف كلما احؤلة الم 
تكن 'العياذة تشم بيؤخ:الذيكور إنما'اتسمت بالبساطة» كحتوئ على كثير 
من اكز اى والكنن ذو خطاء خي ك الزن ات اق كا 
اص الات بعلي الو اة كاك ردو ا 
شحيحة التفاصيل» وأضاف السكوت ديكورًا آخر للعيادة للحظات» 
بعدها سألها عمر قائلا: 

- أنتي قافلة العيادة يعني؟!! 

- أه مهو محدش عارف إني رجعت ... بايته هنا ومروحتش البيت. 
نظر إليها بتمعن قائلا: 

ف فك تكن الاجا من آي قري :اا قاتطة من 

الساعة تلاتة لتسعة؟!! 

- كنت ناوية أفتح النهاردة بس حسيت إني عاوزة أقعد لوحدي شوية 

أكتر. 

- ليه كده؟ 


مه 


ابتسمت بوجهها الرائق. 
- عاوزة أرتاح شوية من السفرء من شوية لخبطة عندي» يعني» من 
حبة حاجات مضيقاني. 

نظر إليها نظرة مرضية لأعماقه ... 
- مممم ... أنتي عارفة من ساعة مسافرتي زمان وأنا مازلت عاوز 
- إشمعنا؟!! 
- فضولء والفضول هو اللي جابني هنا. 
- ممم ... أنت فضولي يعني؟ 
- أحياتا» ومش مع كل الناس» أكيد اللي يهموني بس. 
.nice -‏ 

سكت للحظات ثم أردف قائلا: 
- المهم إنتي راكبة أنهي عربية في القطر دلوقتي؟ 
- قطر إيه؟! 
- قطر الحياة ... حياتك عاملة إزاي يعني؟ 

ردت ممازحة مزاحًا يكشف عن هم متأصل في أعماقها ... 
- مفيش» زي أي حد ... الدنيا ساعات بتخدني في حضنهاء 
وساعات بتديني دهرهاء وأنت؟ 
- زيك تمام» هي الدنيا كده غدارة» ممكن تقلب في أي وقت»› 
معندهاش واسطة» ميهمهاش نسب أو محسوبية. 
- أكيد. 

باغتها بقوله ... 
- نغير الموضوع بدل جو التراجيديا اللي دخلاناه ده ... هقلك 
حاجة ... أنتي عارفة إني ساعات بقرأ مذكراتي أصل أنا من النوع 
اللي بيكتب حياته على ورق ... فراغ بقي... وأول خمسين صفحة 


4 


تقريبًا كلها عن ذكريات قديمة وهتلاقي اسمك مكتوب ... لا لا . 
هو مش اسمك بالظبط؛ ده اسم كنت مسميهولك 


- أينوجت؛ مممم إشمعنا يعني؟! 
- لا منا مسميكي كده من زمان ... مكنتش أعرف اسمك الحقيقي. 
قام من مكانه وتوجه إلى كولدير المياة وابتسم إليها قائلا: 
- أكيد طبعًا العيادة عيادتك. 
أمسك كوب المياه مسترشفا رشفة رشفة قائلا: 
- أينوجت ... مش فاكرة الاسم ده ... ولا مكنتيش بتتفرجي على 
تلفزيون؟ 
- هو أنا ممكن أكون سمعته قبل كده بس مش فاكرة. 
- لا ده كان اسم بطلة مسلسل كارتون قديم كنت بتفرج عليه زمان 
- مفيش حكاية ... كله ملل. 
الاندهاش تعلق بملامحه لتجحظ عينيه. 
- ملل!!! ... دكتورة في جامعة كامبردج ... عارفة يعني إيه 
جامعة كامبردج ولا عشان عايشة هناك مش واخدة بالك. 
- المظاهر بتخدع أحيانًا ... في حاجات كتير بتبقى في حياة الإنسان 
بتنغص عليه حياته كلها. 
- بس مش غريبة شوية إنك توصلي لل |ه/او| ده وتقولي ملل ... 
أومال أنا أقول إيه؟!! 


ردت في هدوء ... 


- منا قلتلك الفكرة في راحة البال ... الملل منهج حياة» بيرافقنا من 
واحنا صغيرين. 
- على رأيك» أنتي عارفة فعلا كان نفسي أقابل حد أعرفه من زمان 
نحكي لحد الصبح» أهو نقتل الملل اللي مسوحنا معاه. 
جال خاطرها للحظات بالذكريات الماضية. 
- هو إحساس حلوء نرجع بيه أيام زمان» أيام إسكندرية. 
- هو في أحلى من أيام إسكندرية؛ يا على ديه أيام. 
ابتسمت آية وكان للكلام وقعًا على ملامحها فقالت: 
- كنت لسا صغير لما كنت بستناكي كل يوم في الشباك ... كنتي 
بتاخدي بالك ؟!! 
قالت في قهقهة خفيضة: 
- أه ... أكيد كنت باخد بالي» ده كان /[03 6۷6۲۷. 
- عارف كنت لازقة وغلس. 
- أكيد. 
- أكيد؟! بقي كده؟ 
- مليش دعوة أنت اللي بتقول ... أنا مقلتش حاجة. 
ضحكت آية واكتفت بالصمت متذكرة أشياءًا مبهمة على عقل عمر 
الذي لا يعلم الكثير عنها فقاطع صمتها قائلا ... 
- ليه من زمان وأنا بحس إن عيونك مليانة حزن ... ملاينة 
غموض ... في شيء مش قادر أفهمه. 
- ودلوقتي حاسس بكده؟ 
اقترب عمر منها بعدما كان يقف بجانب كولدير المياة كي يستقي أكوابًا 
تشفي عطشه لينظر إلى عينيها في سكون ... 
- بقيتي مهمومة أكتر. 


1١ 


- واضح أوي كده؟! 
- جدًا ... وعلى فكرة تقدري تثقي فيا وتفضفضي بكل اللي جواكي. 
- لا مش عاوزة أفضفض آنا كده أحسن. 
- ليه؟ أكيد هتستريحي لما تطلعي همومك. 
عبرت عن رفضها برأسها وشعرها الذي لاح يمينا ويسارًا في تمرد ثم 
نطق لسانها المهموم: 
- معرفش بس حاسه إني عاوزة أبتدي صفحة جديدة ... أعوض 
كل اللي راح» أسيب الجامعة واعيش هنا في مصر ... أرجع 
عشرين سنة وراء عاوزة أحس إني رجعت طفلة تاني. 
آنا برض قول الؤاحد كل لما يكين سنة يخس اللى قبْلها كانت 
أحلى. 
- أه فعلا. 
ابتسم ابتسامة حانية تخلى فيها عن جمود وجهه ... 
- أنتي برج إيه؟ 
- القوس. 
- يعني نقدر نقول ... شخصية متفاتلة» متسرعة أحياتاء ذكية 
ولماحة» كتومة» وده فعلا حاسه ينطبق عليكي بالملي. 
ردت ممازحة ... 
- أنت دجال مش كده؟!! مبقتنعش بالأبراج. 
ي 
- إزاي. 
- بسيطة أنتي وراكي حاجة؟ 
- لا خالص. 
- هي الساعة كام دلوقتي؟ 
نكلوك ايه إل سراعة الحاقط كانت قد ات اة ا 


1 


10 

- ممم يعني ممكن نقول قدمنا ساعتين نرجع فيهم أطفال تاني. 

- دنتي فاضية بقي؟! 
علت قهقهة انتزعت من قلبها ... 
انقضى أكثر من ساعتين نسوا فيها بعضهم وتناسوا بعضًا من الهموم» 
وما أفاقوا إلا على اتصال نورء فلاذ بضغطة على الزر ليبقيه أصمًا 
أبكم» فقال عمر في ارتباك. 

- يااا دي الساعة بقت عشرة ونص بالسرعة ديه» ملحقناش نتكلم 

وأنا لازم أمشي. 

- الأيام جايه كتير. 

- أوك ... وعلى فكرة لازم نتقابل تاني. 

- أكيد. 

2F 2F 2F 2F عد‎ 2F f 

اتصالًا هاتفيًا من أستاذ حسام» الصديق الجديدء يود أن يأخذ إجراءات 
جدية لتأسيس المستشفى الخيري» فعل أب ذاق من المر صاعاء أخيرًا 
كان بينهم ميعادًا في القهوة المعتادة» تجمع عمر ومحمود لملاقاة حسام» 
أحضر محمود شيشته القص وكوتشينة لامعة تبدو أنها تخلت عن كيس 
احتفاظها منذ وهلات» عمر يحتسي كوبًا من الشاي ويراقب المارة في 
دخانًا كثيقًا كفيلا أن يسقط العديد من ضحايا الناموس» لحظات واقتربت 
سيارة بي أم دبليو الفئة السابعة» زجاجها معتم لتخفي وجه صاحبهاء 
تقف أمام الكراسي ليرمقها كل من في المكان بحسدٍ مهيب» حتى نزل 


1۳ 


- اتفضل يا أستاذ حسام ... قالها عمر بعدما قام من موضعه وأشار 
إلى الكرسي المحجوز 
نزع محمود اللي من فمه مسلمًا على حسام في هدوء دون أن يتفوه 
بكلمه إنما اكتفى بالابتسام» فقال حسام بينما كانت يديه تعانق يداه .. 
- إزيك يا دكتور محمود؟ 
- الحمد لله تمام. 
قال عمر في رتابة القول ... 
- منور المكان كله. 
- ده نورك. 
قال عمر في يقين 
- طبعًا أنت مش متعود تقعد على قهوة بلدي؟ 
- هو آنا بقالي زمن فعلا مقعدتش على قهوة بلدي؛ عشان كده 
أصريت إني آجي أقعد معاكو. 
نطق محمود بكلام معبأ بالدخان ... 
- إيه أخبار منة؟ 
- والله كويسة الحمد لله نشكر ربنا. 
سأل عمر في صوت هادئ ... 
- وأخبار حضرتك إيه؟ 
- أهو الحمد لله» عاوز بقى آخد خطوات عشان المستشفىء أنا كنت 
كلمت عمر في الموضوع ده قبل کده» وده اللي آنا جايلكو فيه. 
رمق محمود حسام وقال: 
- أأمرنا. 
- بصو ياجماعة أنا كل اللي محتاجكو فيه إنكم تجمعولي ]آلاأة 
دكاترة زمايلكو وطبعًا الناس الكفاءة واللي بتثقوا فيهم, 
وکمان 81۴۴ ممرضات والوضع هيكون كالآتي ... إن الناس اللي 
هتختاروهم ممكن يشتغلوا معاناع|/اا1 PART‏ أو FULL TIME‏ 


1٤ 


والموضوع هيبقى مفتوح بحيث اللي عاوز يشتغل معايا ويسيب 
القصر أوك واللي عاوز يفضل ويشتغل فترة مسائية أوك برضوء 
أنتو اللي هتديروا الموضوع ده وهتبقوا مديرين جوا مش مجرد 
دكاترة عادية وأنتو برضو ليكم حرية الاختيار بالنسبة ۴۸۴7 
IME‏ أوtime‏ ۴ ... ها إيه رأيكم؟ 


رد عمر في رزانة ... 


كلام جميل بس ده هيتوقف على المرتب» يعني على أساسه الناس 
ممكن تختار .PART TIMEgÎ FULL TIME‏ 


دعم محمود رأي عمر ... 


رد 


- أه كلام عمر تمام. 

- أنتو معاكو حق بس أنا لسا بحسب الميزانية وبظبت الموضوع» 
هو المرتب هيبقى كويسء عامة أنتو ممكن تختاروا الدكاترة بينكو 
وبين بعضكو لحد لما أعرف نظام المرتبات وأقولكم تبدأوا تكلموا 
الناس» هو الموضوع طبعًا هياخد شوية وقت بس إن شاء الله في 
خلال السنادي هنفتتح المستشفى وأنا فعلّا خلاص اشتريت الأرض 
اللي هبني عليهاء واتفقت مع شركة مقاولات كبيرة وهنبتدي الشغل 
على أول الشهر. 

عمر باستعجاب: 

- ياه دنت دوست جامد أهوه؛ ربنا يجعله في ميزان حسناتك. 

- يارب» خلاص أقدر أعتمد عليكو؟ 

محمود في ثقة غير معتادة: 

- إن شاء الله. 


- تصدقوا الجو هنا حلوء بحب الجو الشعبيء أنتو عارفين أنا في 
رمضان لازم أفطر يوم على الأقل في مكان شعبي» مرة فطرت في 
الحُسين» وقبل كده فطرت في السيدة زينب. 


رد عمر: 

- طبعا جو الأحياء الشعبية ملوش حل في المواسم. 
فجأة تغيرت ملامح حسام وأصبحت أكثر مرحًا فقال: 

- بالمناسبة حد فيكو بيعرف يلعب ضومنة؟ 
نزع محمود اللي من فمه وقال في تفاخر ... 

- إحنا أساتذة يا باشا. 
نادى محمود سيد القهوجي الذي كان يحمل صنية مليئة بمرطبات 
الحنجرة ... 

- بقلك إيه عاوزين ضومنة الله يكرمك. 
انقضت معظم الليلة في لعب الضومنة حتى أصاب التثائب ملامح حسام 
الهادئة فاستأذن بعدما فرجت الدعابات مابين حاجبيهء وانقشعت المرارة 
عن قلبه بعض الشيء» وتنبه أن الحياة البسيطة قد تكون أسعد من حياة 
مكنوزة بالكنوزء وبعدما التفى كرسي سيارته وغادر» قررا محمود 
وعمر أن يكملا سهرتهم في حوار مفتوح بعدما سأل محمود عمر عن 
أمر ما مما جعل الليلة تطول لبضع دقائق. 

دفي موا كاعم هاوق أنالات هده يكن 4ق لما اهن نالك فزن 


- ها؟ 

- يوم المؤتمر فجأة اختفيت ... أنت كنت فين؟ 
تأمله محمود ثم رد في ثقة: 

- يبقى كنت بتعط وخايف تقول. 

- وهخاف ليه ... أنت فاكرني زيك!! 

- لا أصل مش عاويدك الغموض ده. 

- ولا غموض ولا حاجة ده حوار كده. 

- اللي هو؟؟؟ 


15 


امتعض عمر 
- هقلك وأمري لله أصل عارفك مش هتسيب نافوخي في حاله ... 
بص ياسيدي فاكر رئيسة المؤتمر. 
- أنهي مؤتمر؟! 
- يا دي النيلة» هو في غيره يابني ... بتاع لندن ... متركز معايا 
بقى في ليلتك ديه. 
- ها؟ 
- رئيسة المؤتمر» طلعت معرفة. 
تعجب محمود ليكذب ما قاله عمر ... 
- إزاي !! ... دي دكتورة في جامعة كامبردج» يعني وش متعرفش 
الأشكال دي» أنت هتشتغلني» متكلم جد. 
- وهشتغلك ليه!!! الحكاية إن أنت عارف إني كنت عايش في 
اسكندرية قبل ماجي هناء صح؟ 
اا 
- البنت ديه بقى كانت ساكنة في نفس الشارع اللي أنا كنت فيهء 
وكنت تقريبًا عندي حوالي إتناشر سنة. 
جحظت عينا محمود ليرد قائلا: 
- ياديني ... ولسا فاكرها؛ دنته دماغك سم. 
- شوفت بقي» فسبتك وكنت بدور عليها. 
- ياراجل! 
- وخد عندك ديه» إيه رأيك إني كنت بحبها وأنا صغير. 
- بجد ... لا بتهزر ... قول كلام غير ده. 
- أنا مش بكدب يا محمود. 
- يا على الدنيا!! 


1۷ 


- اضيق من خرم الإبرة. 
- أنا كنت معاها على فكرة أول امبارح في عيادتها. 
- هي رجعت مصر؟! 
- أه ياعم. 
ابتسم محمود منوهًا عن شيء هام ... 
- مممممم ... قولتلي ... عيادة؛ وابتدينا مشوار الخيانة. 
- خيانة إيه ياعم انت هتلبسني مصيبة. 
ابتسم محمود ناظرًا إلى عمر بعيون نصف مغلقة ... 
- أصلها بتبدأ كده ... صدفة فميعادء فالقاء» فعيادة» فحب فجواز» 
التطور الطبيعي يعني. 
- لا هو صدفة فميعاد وكفاية على كده. 
- ياخوفي يا بدران ... على كده بقى مراتك عارفة. 
قال عمر في حدة: 
- أنت عبيط!!! لا طبعًا عارفة إيه» هي العملية ناقصة نكد وفكك 
بقى» يالا نحاسب ونمشي خلاص اتأخرت. 


1۸ 


الفضيل اشاق 


طريقة كلامها تدوم في الذهن ولا تنجلي عنه» كلمة عمر تخرج في 
غنج من شفتيها دون تصنع» عينيها تشف بريق قلبهاء أناقتها تشير بفنها 
الملهم» لم يكن عمر يدرك نعومة أطراف يدها إلا عندما لمسهما دون 
قصد فهو ليس ممن يسلمون بالأيدي» كان ذلك في أولى الأيام التي 
يتقابلا فيها خارج عيادتهاء يعزمها على العشاء ليصحبها في هدوء 
ويطلب إلى مارتينا خادمتها أن تذهب إلى بيتها وهو سوف يتكفل 
بوجودها معه» كان ذلك في حوالي الساعة الثامنة مساءًا حيث كان يدفع 
بكرسيها المتحرك إلى الأمام دون تكلف» وتختمر عاطفتها بهذا العطف 
الجلي» تلك المعاملة الرقيقة لم تنلها سوى من أبيها المرحوم» وحيثما 
دلفت إلى مقصدهم» تلحظها عيون البعض في إشفاق كالعادة» لكنها 
تجاهلت من يرمقهاء بل كانت تحتفظ بأنفها الأنوف» ليس تكبرًا داخليًا 
إنما ردا لمن يظن أن حالتها يرثى لهاء ليصحبها عمر إلى المنضدة 
الخشبية التي يرص عليها الكؤووس البراقة العاكسة للنور الهادئ الذي 
يصحبه المكان» تلك المنضدة المستديرة التي ارتدت مفرشًا قطني 
أبيض يعلوه مفرشًا آخر صغير بلاستيكيًا وسميك» ومع الموسيقي 
الهادئة كان هنالك بعضًا من صفاء الذهن لديهم» فيلج حالهم من حال 
إلى حال آخر إثر الألحان الحانيةء كان مجلسهم في أخر المكان في 
أهدى وأبعد بقعة عن الناس» حيث الستائر المسدلة تستفيض بقماشها 
أرضًا خلفهم» لتوارب نور الشباك المنسدل للأسفل جراء الأنوار 
الخارجية» وأنفس تتمايل مع عازف الكمان الذي يرتدي البدلة السوداء 
ويهيم شوقًا مع ألحانه الدافته» يقطن في مكانه الخاص بجانب عازف 
البيانو يؤدي معزوفة "1/1313 ۸۷۴" بطريقته الخاصة:» ليتبادل الأدوار 
في احتراف متقن مع جاره» ليناشدوا الحاضرين بالتخلي عن مشاعر 
الغضب ويذوبون في مشاعر أجمل» وما إن وصلت آية إلى المجلس 


18 


تنوي الجلوس على كرسي عادي» حاول عمر مساعدتها ولكنها أشارت 
أليه بيدها للرفض» لتحمل جسمها النحيف على ذراعيها كلاعبة 
أكروبات» فلم تلاقي المعناة مطلقاء فتنقل نفسها في خفة من كرسي إلى 
كرسي لتبتسم وتقول: 
- مساعدتك هتحسسني إني عاجزة بجد. 
- ليه بتقولي كده؟! 
- أنت عارف مارتينا ديه بترافقني في أي مكان من زمان بأمر من 
بابا اله يرحمه» موصيها علياء بس أنا بعرف اتعامل أهوه الحمد لله. 
ابتسمت وسكنت للحظات ثم قالت: 
- عمري م اقتنعت إني عاجزة:؛ دايمًا بعمل كل اللي نفسي فيه 
وبعتمد على نفسي في معظم الحاجات» وبعدين إيه يا دكتور الشياكة 
ديه. 
رد متصنعًا الغرور ... 
- شياكة ! ... دي أقل حاجة عندي. 
- وهنبتدي الغرور بقى. 
- مش غرورء بس أنا كل لبسي بجيبه من باريس. 
- والله! 
لاحظ عمر شيئًا مختلفًا عن سجيتها المطلقة. 
- فوكك» بس أنتي شكلك في المود النهاردة. 
- يعني إيه فوكك؟ 
- أنتي عشان عايشة في لندن هتتعبيبني معاكي ... على العموم 
فوكك يعني (فكر للحظات) أه يعني عديها. 
- أعدي إيه. 
- قوليلي بس أنتي مالك كده» مودك عالي النهاردة. 
AAA‏ 


- بالظبط مزجانجيةء قولي ياعمر هو أنت شايفني كئيبة. 
لا غاي انما 
- فاطمة أختي بتقلي أنتي بقيتي كئيبة. 
- لا لا متخديش في بالك» أصل موضوع كئيبة أو مش كئيبه على 
حسب الظروف. 
قالت ممازحة: 
- مهي الفكرة في الظرووووفء قولي طيب أعمل إيه؟ 
لبس رداء الجدية مع ابتسامة خفيفة ... 
- أقفي قدام المراية وقولي أنا مش كثيبة عشر مرات قبل كل واجبة 
... وصفة بقلها لأي مريض بيجلي ويسألني نفس سؤالك. 
- أنت كده بقى رہہںا۔. 
Yes -‏ . 
غير عمر من جلسته ليسند رأسه بين كفيه ويقول: 
مغرف ليه يحاسين إلى ا نشدي أعرفك کر 
الكت خصلات شعرها تدويز| بين سباتها و اعا ت الك قال 
- قطعًا لكلامك في سؤال عاوز أسألهولك بما إننا بقينا 116005 ... 
- أنت مرتبطش قبل كده؟ 
رد ممازحًا: 
- أنا عارف إني جامد وشيك بس مش بالسرعة ديه برضو. 
- لا أتكلم جد يا عمر. 
ارتبك عمر للحظة واحدة ولكنه استجمع اتزانه سريعًا بعدما هرش في 
فروة رأسه ... 
دافى لأ كنت 
- يعني؟؟! ! 


7 


- اتجوزت وطلقت. 


- وبعدين؟ 


رد مهمومًا وظل شارد النظر لا ينظر صوب عيونها مباشرة. 


- كان عندي وقتها ستة وعشرين سنة ... قضيت معاها سنة» أول 
ست شهور كان حلوينء مليانين رومانسية» دلع وحب مشفتهومش 
غير في السينما ومكنتش متوقع إني أعيشهم؛ لحد لما ابتدت حماتي 
تتدخل في حياتنا بشكل مش مفهوم» باقي السنة» بقت مشاكل وهم 
لدرجة إني خلاص أخدت قرار الانفصال»ء كان صعب في الأول 
إني آخد القرار ده» بس ممكن كلمة أنتي طالق تطلع مع العصبية 


كان عمر يتخلي عن دبلته نظرًا للعمليات الجراحية التي يجريها حتي لا 
تخضب بالدماء وتفقد بريقها الفضيء أو تنسل داخل المريض دون أن 
يدري» فتقطن الدرج في مكتب بيته دائمًا وقلما يرتديها. 


. may be - 

- إيه مش مصدقاني ولا إيه؟ 

-أصل أنا عارفة الرجاله كلهم صنف واحد. 

- أفهم من كده إنك ارتبطي وعرفتي الصنف؟ 
-لا مرتبطش ومش عاوزة. 


تأملها للحظات» ينظر في عيونها بجراءة. 


۷۲ 


- شكل في حاجة حصلتلك في حياتك وجعتك أوي» حياتك تعب 
ومرمطه»ء هموم كتيرة مريتي بيهاء كل ده قادر أشوفه من غير ما 
- سكوتك هو اللي بيأكد كلامي» رقتك مبتخبيش حاجة» دي بتفضح 
أسرارك اللي جواكيء» عشان كده لازم تحكيلي. 

- أحكيلك إيه؟ 


- من اول ما سافرتي من إسكندرية روحتي فين» حياتك مشيت 

إزاي؟ بقيتي كده إزاي؟ أرغي أرغي يعني. 

- هي الساعة كام؟ 

الماع ا ونم 

- لسا بدري» طرطأ ودانك بقى. 

- أديني مطرطا. 
فجأة قاطعهم صوت رسالة هاتفية» قرأتها عيونها فنبذت معالم 
الاطمئنان» لعنت أحاسيس السعادة» تحكمت مشاعر التوتر على وجهها 
غصبًاء ارتعدت فرائصهاء حتى باتت أطراف أصابعها ترتعش في 
عنف» في ذلك الوقت طلبت إلى عمر في أن يمسك لها الكرسي 
المتحرك لتنتقل إليه ولا تتوغل عجلاته إلى الأمام» أجرت اتصالًا 
بأصابع مسرعة» وتحشرجت الكلمات في حلقها قائلة: 

- مارتينا تعالي بسرعة أنتي فين» طب كويسء تعالي خديني. 
قال عمر في تعجب ... 

- في إيه؟ 
ردت أيه بصوت يتلهف للمغادرة السريعة 

- مفيش وقت أشرحلك. 
جاءت مارتينا تصحب معها سيارة جيب عيون» سوداءء تشبث الإستبن 
في ظهرها بقوة» كشفاتها فاقت ضعف شدة الإضاءة الخارجية للشارع؛ 
ماهي إلا دقائق حتى طوت الكرسي بعدما أدخلت آية إلى السيارةء في 
تلك اللحظات لاحظ عمر شيئًا يباغت عيونهاء شينًا تشهد له أعماقهاء 
شيا دفعه إلا يتفوه بشيء أثناء رحيلهاء إنما راقب الموقف حتى غدت 
ملوحة له بالسلام» لم يكن بوسعه أن يخر ج هاتفه كي يطمئن على شيء 
ولكنه بدا ملثم الفاه» متواطيء مع برود أعصابه. 


2 2F 2F 2f 2F 2f 2f 


YY 


وفي صباح يوم جديد» تناشده أشعة الشمس الحارة الهاربة من النافذة 
في أن يستيقظ فتفيقه قسرّاء يمد يده أمام وجهه ليضع حائلا يحميه من 
لهيبهاء لاحظ أن ظهره ارتاح نوما على كنبة صالون منزله» طقطق 
رقبته وفك خمول كتفيه» وسرعان ما أفاقه اتصال فحاول أن يستجمع 
شتات بصره بعد نومة غير مريحة» لينظر إلى الهاتف فيجد مكتوب 
أينوجت تلمع حروف اسمها على غير المعتاد» رد في صوت مشبع 
بالنعاس. 

د 
ردا لا ينقطع منه اللهفة ... 

- إزيك ياعمر. 

- إزيك. 

- صحيتك من النوم؟ 

- لا لا ... أنا لساصاحي. 

- تحب أكلمك وقت تاني؟ 
رد بامتعاض غير محسوب مقداره. 

ل عادي. 

- أنا بس كنت بعتذرلك علشان مشيت على طول بدون مقلك في إيه 

وكده. 

دشاء كوا شكلة 

- على فكرة احتمال أسافر كمان يومين. 

- لندن؟؟!! 
ارتبك صوتها ليتردد ترددًا ملحوظا. 

- أه ... معلش أنا هقفل دلوقتي» في حد بيخبط على الباب ... أوك. 

- أوك بائ باي. 

ا 

2F 2F عد‎ f f f 


N٤ 


ومنذ تلك المكالمة مر شهر انقطعت فيه أخبار آية» بعد اتصالات مديدة 
لا يوجد أي رد ولا يوجد أي رسائل» تفرقت السبل وهدأت أحوال قلبهء 
وأخيرًا وضعت زوجته طفلاً جديداء أبَا شابًا يقف بقربه قدر أنمله 
يتأمل ملامح وجهه» اللون الأبيض يشب في جبهته اشتعالا وراثة أمه 
مع حمرة الخدين صيغة أبيه» تناول من حنان الأبوة أطنان» نسي تلك 
الصديقة الجديدة لساعات بل لأيام» انشغالا بدور جديد يشغله» وعطف 
جديد يعطيه» حتى جاور عقله الباطن حلمًا مريبّاء تعرف حسًا عن من 
كان يحتاجه وكأنه وحي تخاطر تنبه به» لقد كان مشهدًا مربك» آية 
تبكي» تأخذ وضع القرفصاء وتحتضن ركبتيهاء وتستند إلى جدار في 
أقصى ركن لغرفتهاء شعرها يتصبب على جبينها وأرجلهاء مما يجعل 
رؤية عينها أصعبء حقا غيب لا يقدر معرفته إلا الإله» بحسه يبغي 
توقعًاء ولا يظن نبوغا. 
f‏ عد عد 2F 2F 2F‏ 

في ليلة من الندم» استندت رؤوس أزواج وسائد سرائرهم» فتشبث الحب 
بصدور أحدهماء وطعم الخيانة مازال له مذاق بالآخر فلا ينسى أنه 
انكر زواجه بنور» فالتمست نور مؤخرة رأسه بيدها لتهبط بأطرافها 
حتى رقبته وإلى صدره ثم تريح رأسها عليه» وتخبره عن أحزان 
صدرها. 

لنت بها كاله متك انيه 
رد عمر في هدوء . 

- عندي ضغط شغل الأيام اللي فاتت» دماغي كل يوم مصدعة؛. 

البنادول بقى مالي درج مكتبي 
ابتسمت الزوجة» وامتدت يدها إلى وجه زوجها ملامسة لوجنتيه 
وقالت: 

- وأنا جنبك يا حبيبي ... فضفض وقولي. 


لم يشأ عمر حينئذ إلا أن يحتضن حبيبته وأم ابنه حينئذ تمتم ببضع 
كلمات ... 

د معن لو انشغلث 'الفتزة اللي فاتك عنكم بس ... 
قاطعته بقبلة انسابت على شفتيه بطعم مختلف» جعلته ينسى جميع 
همومه وتعبه وضغطه. 

- ليه حاسة إن في حاجة مخبيها علياء كل لما ابص في عنيك بحس 

إن في حاجة محشورة في قلبك ومش عارف تطلعها. 

- ولا محشورة ولا مزنوقةء أنا عمري ما بخبي حاجة عليكي. 
قبلته قبلة أخرى لها وقع أقوى على عمرء فقالت نور في غنج ... 

- طب بوسة زي ديه مش تخليك تقولي إيه اللي أنت مخبيه عليا. 

- لو كان في حاجة أكيد كنت قلتهاء مش معقول هخبي حاجة على 
اقتربت نور من رقبته لتقبلها» لتنطق في غنج يذيب قلوب من لم يعرف 
الحب من قبل ... 

- وكده برضو مش هتقول يا بيبي؟ 

- بجد مفيش حاجة» أنتي عنيدة على فكرة. 
انتزع الغطاء عنهء ليلبي نداء الهواء في الشرفة» غضبت نور كثيرًا 
حتى أنه لم يستأذن في تركها إنما غادر فراشهما يحتضن برودًا كاملاء 
فيقف يراقب السماء الصافيه» سماء الصباح» احتضنت ظهره قائلة في 
صوت هادئ ... 

- مالك ياعمر؟! 

- والله مفيش حاجة أنا بس مخنوق لوحدي. 

- طب ما تيجي نعمل حاجة جديدة بدل ما نروح لماما النهاردة. 

- زي؟ 

- مش عارفة ... بس أي حاجة جديدة. 
سكت قليلا ليقول في حدس خاص: 


۷٦ 


- إيه أخبار مريم؟ 

- إيه اللي فكرك بيها دلوقتي» قلبك حاسس ولا إيه؟! 

- اطلقت؟! 

- بالتلاتة ... صعبانة عليا بجدء كلمتني امبارح بليل بس نسيت 

أقولك» جوزها بهدلها شتايم وتهزيق» فرج عليها العمارة كلهاء 

عشان ملهاش دهر. 

- اضربت على بطنها. 

- وعلى وشها كمان» ربنا يكون في عونها. 

- وعملت إيه؟ 

- لمت هدومها وروحت على بيت أمهاء يعني هتروح فين! 

- بس عاوزة الحق هي اللي تستاهل» دايسة في الخرة» فري زيادة 

عن اللزوم» وهو دماغه صعيدي» محسوش إن التركيبة ديه 

هتفشل! ! 

- الحب ياعمرء الست مننا ضعيفة قدام الحب. 
كان عمر يفكر في فعل مغامرة جديدة» شغلت تلك المغامرة باله 
لساعات عديدة» حتى أنسته حضتا دافيء من زوجته. 

- على فكرة أنا احتمال أسافر اسكندرية كمان يومين. 

- إيه ده فجأة کده» ليه بقى؟ 

- حاجة كده زي مؤتمر لندن. 

- تاني!!! 

- متخفيش همه يومين وجاي فاعملي حسابك بقى عشان تباتي عند 
عقبت على كلامه في حنق ... 

- دنتا لسا راجع من لندن. 


- لسا راجع» دي شهور حضرتك. 
تساءلت بهم: 


اا 


- ومحمود جي معاك؟ 

الا 

تمغ 

- همه رشحوني أنا بس. 

- ماشي يا عمرء رغم إني متضايقة وهطق» بس لازم أدعيلك؛ 

تروج وترجع بالملامة داعس 
قبل عمر يدي زوجته قائلا في هدوء: 

- هتوحشيني يا نور ... 

- وأنت كمان. 

- مش عارف حاسس إني جعان. 

- في بقيت الفرخة والسلطة في التلاجة هسخنهملك في الميكرويف. 

- أوك ماشي وأنا هاروح المكتب أكتب شوية تقارير. 

2F 2F 2F عد‎ f 

يجلس في مكانه يضع يده اليسرى على خده مريحًا رأسه عليها واليد 
الأخرى يلف قلمه على المنضدة بأطرافه المتقولة همّاء لبس أن يسرح 
في خياله العميق» اهتزت طاولته وعلا صوت جرس هاتفه. 

- إيه أنت حاطت إيدك على الزورار. 

- لا كنت بلعب جيم كده على الموبايل» لقيتك رنيتي. 
ردت بصوت مبحوح كأنها كانت تبكي منذ دقائق. 

- أنا أسفة إني مكنتش برد والله غصب عني. 

- شهر وتقوليلي غصب عني!! 

- معلش يا عمر أنا والله متأسفة أوي. 

- بجد أنت متعرفيش أنا كنت قلقان عليكي أد إيه. 

| am really sorry - 


- المهم إنتي بخير. 
- أه الحمد لله. 


YA 


- أنت فين دلوقتي؟؟!! في القاهرة ؟؟!! 
- لا مش في القاهرة. 
- أومال. 
- أنا في اسكندرية. 
- وبتعملي إيه هناك. 
- بقعد قدام البحر من الصبح لبليل. 
- على شط شهرزاد؟ 
- أه أنت لسه فاكره؟ 
- عمر مالذكريات الحلوة بتتنسي. 
- عندك حق. 
قاطعهما نداء نور القادم من الصالة فقال عمر في ارتباك. 
- ثواني كده وجيلك. 
.ok -‏ 
ذهب عمر ليطل برأسه خارج باب الغرفة قائلا في صوت خفيض ... 
- معايا تلفون هخلصه وهاجي. 
- ماشي يا حبيبي بس إنجز ... الأكل هيبرد. 
- أولك, 
رجع عمر إلى هاتفه فوجد أن الخط قد أغلق» فحاول الاتصال ودون رد 
يذكر ... 
- والله البنت ديه هتجنني. 


۷۹ 


الفصل السابع 


السفر إلى الإسكندرية... 
كانت صامتة تتابع تلاطم الأمواج» تهيم مع الهواء العليل وتغلق 
عيونهاء فتقشعر أكتافهاء فتارة تبتسم وتارة تتجهم ويبدو عليها بوادر 
النحيب» في تلك اللحظات كان يراقبها عمر في هدوء ويقترب خطوة 
بخطوة» يشاهد أشعة الشمس التي تحيطها فهي تكلل نفسها بقبعة دائرية 
تحميها من حرارتهاء ترتدي فستانًا أبيض مرسوم عليه ورودًا حمراءء 
يتجلي منه لون جلدها الأبيض المختمر من أشعة شمس الإسكندرية» 
ومع اندماجها بأفكار عبثية لم تنتبه لاقتراب عمر المتلاحق» حتي وصل 
إليها ليلفت انتباها بصوته الهادئ قائلا: 

- صباح الخير. 
اكز اسه إلى البمية اة باطز افيا ب 

- عمر! ... إيه ده أنت جيت هنا أمتى! 

- لقيت نفسي زهقان قلت آجي أقضي يومين هنا. 
ردت على كلامه الغير مقنع بنظرة اندهاش ممتزجة بالجدية ... 

وا 
اتكأ عمر بجانبها على الرمال ليضم ركبتيه وسط ذراعيه 

- إيه حكايتك بقى جننتيني! ! 
باغتته في القول ... 

- أنت إيه حكايتك؟! جي اسكندرية يومين ... زهقان ... مش 

مقتنعة باللي بتقوله. 

- بصراحة جيت اطمن وعاوز أعرف إيه اللي حصل تقدري تقولي 

فص 


قاطعته: 
- إحنا مش بقينا أصحاب. 
- أه بس ... 
لم تعرف ماذا سوف تقول ليقاطعها عمر ... 
- يعني يهمني أمرك ... وبعدين أفهم من كلامك إنك متضايقة إني 
جيت؟ 
- لا مش كده بس تسيب شغلك وحالك وتجيلي هنا!! 
- مش مشكلة ... المهم ... قوليلي حكايتك. 
سكتت أية للحظات وبرمت شفاها في توتر ملحوظ وقالت: 
- أنا هنا جايا اهرب من مشاكلي ومنفسيش اتكلم فيها ... ”ج | 
really sorry‏ . 
تعجب عمر لحال كلماتها وضاق مابين حاجبيه ثم سكت للحظات . . 
- أوك مش هضغط عليكي المهم إيه أخبارك» أحوالك؟ 
- لاعادي ... الحمد لله أنا كويسة زي ما انت شايف قاعدة رايقة 
وبتشمس. 
- هتفضلي هربانة كتير؟! 
قالت في همس مسموع ... 
- لحد لما أوصل لي اللي في دماغي. 
- وإيه اللي في دماغك؟! 
هدأت قليلا لتتكلم في صوت شابه الألم وتنظر إلى تلك الأمواج التي 
تتصارع الواحدة مع أخرياتها. 
- أنت عارف يا عمر اللي قدامك ديه ... الزمن عمال يلاعبهاء مرة 
أبتسم وعشرة أزعل ... الدنيا ملخبطاني ... فساعات بفضل إني 
أبقى لواحدي. 


۸۱١ 


ابتسم عمر فقال ممازحًا 
- يعني أقوم أمشي أنا بقي ولا إيه؟!! 
شردت عيونها لتقول في هدوء .. 
- لا مقصدش طبعًا ... أنت عارف جو البحر وريحة اليود اللي 
طالعة بتخليني أفوق a.‏ أنتعش 53 وانسى .. الجو ده كنت 
محرومة منه وأنا في لندن. 
- في حاجات في مصر مش هتلاقيها هناك!! 
عيونها تحكي عن داخلها بكلمات أبلغ من كلام اللسان. 
- حاجات كتير ... الجو هناك في انعزال ... وحدة ... صوتي كان 
ابتسم لها ابتسامة هادئة ... 
- وأنا هنا جنبك ... فمش هتلاقي الوحدة. 
ترد له بابتسامة رقيقة» ليسكت عمر قليلا ثم قال: 
_ 5 تغنيلي؟ 
- أنت لسا فاكر ... صوتي بقى وحش. 
- مظنش ... غنيلي يالا. 
- أغنيلك إيه؟ 
- أي حاجة على ذوقك. 
و ا 
شوفتي بقى أغنية ماشية على المود أهوه ميبقاش عندك حجة. 
- خلاص أوك ... بس مش عاوزة تريقة. 
- لا لا متقلقيش ... يالا ابدئي يا فنانة. 


AY 


اک لخم رن قط کر ا ف ری رخا ابكدرية 
رمانا الهوى ... يا دنيا هانية وليالي رضية ... أحملها بعينية شط 
اسكندرية ... شط اسكندرية يا شط الهوى (إلى آخر الأغنية). 

- إيه الحلاوة ديه!! 


000 

سادت أصوات أمواج البحر للحظات .. 
a‏ د ل ا 
- نمت وأنا صاحية! 


لأف و للا مش مط ذا مكدو ف أنت! 
شعي ىل مان E‏ 

حملقت في عيونه قائلة في اندهاش .. 
- أنت عايز إيه بالظبط! 
- غمضي وأنتي تفهمي. 
- ماشي لما نشوف أخرتها معاك. 

أغمضت عيناها ... 
- أهوه. 

همس بالقرب من أذنها ... 
- خدي نفس عميق ... أيوة كده ... أنسي كل حاجة . 5 
الضغوط ... أنسي الألم . لت ور 
ركلف كار a‏ رج ست د كدر عن RES‏ ور 
بالهوا اللي بيلمس وشك .. 


AY 


- ها كده أحسن؟ 
- أكيد. 
تأملها لثواني .. 
- ملامحك بترتعشء ياااا دنتي تعبانة من جوا أوي» ضغوط الحياة 
كتيرة عليكي» الدنيا مش مسعداكي ... كأنك غرقانة ومحتاجة قشاية 
ومش لاقياها. 
- أفهم من كده إنك جراح ولا دكتور نفسي! 
- مش شرط أبقى دكتور نفسي عشان أفهم اللي قدامي» بس دايمًا 
اللي مش مرتاح في الدنيا بيحس بهموم اللي حوليه أكتر. 
فتحت آية عيونها فقال عمر: 
- ليه فتحتي دلوقتي ... أنا قلت فتحي؟؟؟ 
- لما بغمض بشوف ماضي مش عاوزة أشوفه ... عاوزة أنساه. 
- هو واقع ولا ماضي. 
- الاتنين. 
- يبقى النسيان زي المسكن ... طالما إنك جوا الواقع يبقى بتتناسي 
- اممم ... عندك حق. 
وسرعان ما ابتسم عمر كثيرًا وأخبرها بفعل ماهو مجنون فساعده ذلك 
أن الشاظىء. كان لا سيكنه اکن الم يكن موس :في بوادن: الشتاء ب 
- بقلك إيه تيجي نجري سوا؟ 
قام عمر من موضعه؛ فك خمول طبر افج هنيما رارم محتويات 
جيبه فيهاء خلع تيشرتهء فنظرت إليه نظرة تعني "هل جن جنونك", 
فجأة حملها ذراعيه دون مشقه. ليلاطم ضحكاته تلاطم الأمواج 
وتصرخ قائلة "يامجنون نزلني" لتوخزه يدها وخزات بالكاد مايشعر 


A٤ 


بهاء هفت قدميه بها ركضًا هنا وهناك على شاطيء البحرء توالت 
صرخة الفرحة تتعقب ألسنتهماء تفجر إحساس سائب» يخطو فوق 
أمواج بحر هائج» تناوبت الأفكار لديهم فأخذها ليجول مياه زرقاءء 
توغلوا إلى عمق حتى نالت المياه ملابسهم» يرتضي لقلبه عشقا ولنفسها 
رضاء وتنفس غرامًا بطعم الخيانة مجددًا. 

- عمر أنت مجنون!! 
نظر عمر في وجهها نظرة حانية أذابتها للحظات» كان ذلك وسط المياة 
المالحة ... 

- لا أنا بحبك. 
كان لذلك أثرًا مختلفًا على وجهها المبتل» شعرها أصبح داكنًا ولامعًا 
أكثر من ذي قبل بفعل المياه المتشبثة بخصلاتهاء حلمًا ارتوت به 
وفاضت الأماني بداخلها مجددّاء ليقطع عمر بكلامه سحرًا جعل من 
جميع أنحاء جسدها تمثالا لا ينطق» فأردف عمر قائلا: 

- بجد هي ديه الحقيقة وهو ده اللي جبني هنا. 
أحمرت وجنتيها قائلة: 

- يلا نمشي من هنا. 

- زي متحبي. 
أوصلها إلى بيتها مبللة» لحسن الحظ كان البيت بقرب شارعين من 
الشاطيء؛ طلب إليها أن ترتاح ليخرجوا سويًا بالمساء. 

2F 2F 2F f f f 

بعد صمت دام لدقائق بدأت مبتسمة في الحديث من جديد بعد برمها 
لشفاهها على بعضهما محدقة به حتى نطقت ... 

- ساعات بخاف من الحب اللي بيجي بسرعة. 

- ليه متقوليش أنه حب كان جوايا من زمان؟ 

- قصدك واحنا اطفال؟! 


- أه. 


تحركت كتفيها مع كلامها معبرة عن مقصدها ... 


- لا ده حب مراهقة» ملوش وزن على ميزان الحب. 
- ميزان الحب ! ... ده كلام كبير عليا ... لندن خليتك فليسوفة! 


- مش فليسوفة بس ده منطق. 


- طب يا بتاعت المنطق ... ليه متقوليش أنه حب كبر معايا وبقى 
- مش عارفة. 


ذاق للموسيقى طعمًا داخل فمه ليقول بعذب ما روي عن قلبه ... 


- بس ديه الحقيقةء فعلا انا حسيت ناحيتك بمشاعر مختلفة» من أول 
لحظة دخولك المؤتمر» حسيت إن الزمن وقف ورجعت صغير من 
مكنتش عارف أصله ... بس النهاردة فهمت الإحساس ده. 


ابتسمت ابتسامة لها رونق محسوس ليتابع حديثه ... 


- خرجتيني من ملل كان كل يوم بيقتلني ... من زهق كان مرافقني 
طول حياتي ... وأخدتيني من دنيا معرفتش أحقق اللي أنا عاوزه 
فيها لدنيتك أنتي ... اللي دايمًا بكتشف كل يوم فيها حاجة جديدة. 


أغمضت عيونها نصف غمضة:؛ وشفاهها لها ابتسامة رائقة» لتتحدث 
بعد ثواني من الهدوء .. 


۸٦ 


- أنت عارف إنك الوحيد اللي مكنش بيبصلي بنظرة شفقة ... كل 
الأطفال في المدرسة ليهم نظرة مستخبية» محدش يفهما غيري» 
كانت بتوجعني أوي ... ساعتها كنت صغيرة ... وقلبي كان رقيق 
3 فأول لما أشوف أو أحس بالنظرة ديه ... كانت الدموع تملأ 
عيني على طول ... الوحيد في المدرسة اللي كان يبصلي بنظرة 
مختلفة كان أنت ... نظرةع]لام كده مشفتهاش في حد لحد دلوقتي. 


- ولسا بتشوفي ده فيا؟ 
ابتسإمتدا الرائقة اختلطت بكلامها الرقيق؟ 
- لسه عندك نفس الروح» الروح اللي متحرجش ولا تكسف طبيعة 
حد» ممكن أطلب طلب؟ 
كأنها تستجمع قوتها قبل البدء بحديثها مجددًا 
- عاوزة أكون معاك إنسانة تانية» عاوزة كده أنسى نفسي» أنسى 
إني دكتورة» أنسى كل حياتي اللي فاتت» أنا قررت إني أحكيلك كل 
حاجة عني ... بعدها هقفل الصفح القديمة كلهاء وأبدأ حياة جديدة 
هفضفضلك وهقلك كل اللي في قلبي؛ لإنك أنت الشخص الوحيد 
اللي حاسة معاه براحة» وده طبعًا بغض النظر عن الجنون اللي 
عملته من شوية» بس بصراحة بقالي زمن نفسي أنزل البحر. 
- أنت كنت مسميني إيه يا عمر؟ 
- أينوجت. 
- يعني إيه؟ 
- ولا أعرف. 
ضحكت فتابع عمر قائلا: 
- اسم غریب ... مش كده؟؟! ! 
- هو ۷6۲۵ 50 ... بس مختلف 
وجد يده تنازلت عن صفات الوفاءء اندمجت إمساكًا بيديها بعدما تسللت 
لكفيهاء وتحسسها عشقاء فطابت لذة غريبة بأعماقه» الآن على يقين 
مشهودء الآن اعترف بغرامه أمام حبًا قديم» لتلمح داخله بعيونها 
وتغمض عيونها لثانية واحدة تستشعر فيها جمالا مبهجًا للجو الهادئ 
والدفئ المختلف ... 


AY 


- دلوقتي عاوز اسمع كل حاجة عنك ... قالها عمر بشوق مبالعًا 
فيه 
- يلا طرطأ ودانك. 
- مبلاش الجملة ديه ... مبتفائلش بيها المرة اللي فاتت قولتيها من 
هنا وحصل اللي حصل ... 
علت الضحكة من فمها فأردفت قائلة: 
- خلاص ..012 106 10 listen‏ 
فقال عمر ممازحاء لينظر إليها بتمعن ... 
OK ,I'M READY -‏ 


A۸ 


الفصل الثامن 


كانت طفلة هادئة تميل إلى الفن ميلا عظيمّاء ولكنها لا تجيد أي نوع 
من الفنون إلا رقص البالية» موهبة فطرية تشاركها عطقاء فتشغل 
اسطوانات السوداء العريضة المهترئة» لتتخللها أبرة التشغيل ويبدأ أزيز 
البداية» فيغمرها السعادة حينما تتسلل الألحان إلى أذنيهاء فتملئ المكان 
بهجة بتمايلها هنا وهناك في خفة وتحررء كفراشة أبت أن تترك الورود 
تمايلاء فعندما يسمع أباها صوت دقدقة حذاءها على أرضية الباركيه 
الخشبية» يذهب ليستند على الحائط ويشاهدها دون علم منها فدائمًا ما 
تغمض عينيها وتستشعر جمال الموسيقي بحواسها الأخرى» فتنساب 
الألحان بداخل عروقها وتصير دما يكمل دورتها الدموية» فلا تلحظ 
وجود والدها إلا بعد هنيهة من بدأ تصفيقه لهاء فكم كان يكيل تلك 
الموهبة الرائعة» فلم تتعلم الرقص إلا من جراء نفسهاء بعدما كان 
يأخذها أباها إلى المسرح فترى العروض الرائعة» فتلفظ منها أنفاس 
وقشعريرة اندماج مع موسيقي وحس غريب ينتاب من أول أصابع 
قدميها حتى أعلى رأسهاء لذا حاب الوالد على جوهرته الثمينة وجمال 
الفن وأصوله. 
2F f f f‏ 

تتفانى في الإتقان ثابتة الخطى حتى حان الوقت بعد عامين من التمرين 
أن تنطلق لأول مرة في حفل كان يقام في الثالث والعشرين من نوفمبر 
الأمورء لم يكن في وسع أي أحد تخيل مدى الفرحة الطائشة التي تتجلى 
على وجهها البريء» وكأنها تعيش رغد الجنة» فتنازلت عن معاني 
الخوف للحظات واندمجت سريعًا مع بروفات الحفلء» في بادئ الأمرء 
كانت مذهولة عند دلوفها للتدريب على مسرح الحفل»ء هذا المكان الذي 


۸۹ 


الحمراء المبطنة قطتاء وإذا رفعت رأسها لأعلى تتضح الرؤية على 
بلكون لكبار العائلات في المدينة» وما كان يشغل بالها وقت ارتفاع 
الستائر عن ما خلفها من جماهير عريضة نوت التصفيق إعجابّاء أو 
الصياح بتوبيخ» كل تلك الأمور تشغل مبتدأة المسرح» وهنالك أثر 
التعليمات لا يبدو أن عقلها شاغر منها إنما امتلأت بها كان أهمها 
"اندمجي مع الموسيقى وانسي من حولك فسوف تتحولين حين إذ إلى 
أجمل زهرة متفتحة على خشبة المسرح"» كان الموضوع يشتد غرابةء 
في أن تأتي فتاة مبتدأه في مثل عمرها وتجول أرض ذلك المسرح 
بأطراف أصابعهاء فيبدو أنها مبالغة غير مقبولة لدى أعضاء الفريق» 
خصوصا أنها وكلت لأن تكون في منتصف العرض بما أنها أصغرهمء 
فعدل السيناريو حيث دخولها المتعمدء الذي سوف يلفت الأنظار وتبدو 
وكأنها هي بطلة العرضء فجاء أحدهم يدعى فريد أحد الأعضاء 
الفحول في فريق العرض ليلوم المعلمة بامتعاض على فعلتها ... 

- دي لسه عيلة صغيرة ومع ذلك مدياها دور كبير عليها!! 
ردت المعلمة في حزم كبير: 

- أنت أصلا ملكش دخل بحاجة زي كده. 

- أنتي مش شايفه إن آخرها فريق البراعم ... ولو هنتكلم على الحق 

فشادية أولى بالدور ده. 

- اللي مش عجباك دي عندها أربعتاشر سنة ... وموهوبة ... وأي 

كلام تاني مش عاوزة. 
شوح فريد بيده اليمنى تاركًا المعلمة خلف ظهره فقال في حدة: 

- بكره تكسفنا وتقولي فريد قال. 
كان الحوار يشعلها ارتباگاء يجعل قشعريرة الرهبة تتحكم في ساقيها 
جزعًاء ولكن الثقة مازالت راسخة في داخلهاء الغضب غير مسار 
أفعالهاء وفي ذلك الوقت كانت ترتدي ترينج أسود داكن» لا يتخلله أي 


رسومات أو نقشات تشوب من عتمته؛ وأصابعها باتت تتحس السوستة 
التي تحول بين لبسها الآخرء فانتفضت يدها بغتةء لتظهر بملابس البالية 
وتكشف عن جزء يجعلها أكثر نضوجًاء لتتحرر من لقب طفلة وتتجلي 
أنوثتهاء تعي وعيًا كاملا أن لولا موهبتها فلن تكون في مثل هذا المكان 
أبدَاء فهذا احتفال يشهده كبار البلدة لذا عليهم أن يقدموا شيء مشرفا 
يليق بوطئة أقدام الأشراف إلى هناك عليها أن تثبت لذلك المتعجرف 
ولكل من ظن أنها لا تستطيع؛ أنها قد تكون صائغة المعجزات» فتنبهت 
يديها إلى مشغل الموسيقي لتمرر الإبرة على الاسطوانة مجهولة 
الصدىء» فلا تعلم فحواهاء وإلى أن تأكدت أن ذلك المتعجرف يرمقهاء 
وقفت وقفتها الاستعدادية» تنتظر من الألحان أداءًاء ورغم انها صغيرة 
فمع أول تحرك وخفته كانت تبدو كالطائر الذي يختال الحقول تفرغاء 
فسكت من شاؤوا مشاكسة»ء وتابعوا تحركها السريع والغريب مع 
الموسيقى» حتى من لام أصبح الآن مهللا بصيحات تشجيعية» فضغطت 
المعلمة على يده وهمست له بأن لا يفقدها التركيز» لقد لمحت آية ذهول 
من حولها بأطراف عينها رغم اندماجها الكامل» وطاب قلب الحاقدين 
وعلم كل متدرب أنها تستحق أن تلقى مكانها المشرف» لتنهي رقصتها 
أمام الجميع ليعلو تصفيق المتدربين أرجاء المسرح. 
2F f f f‏ 

واستعدت لذلك اليوم استعداد الأميرات» فقامت متخصصة الميكب 
برسم شفتيها وسط بياضهاء أحمر الشفاه جعلها كدمية محبكة الصنع؛ 
وشعرها الأسود يشير أن لديها أصولًا أسيوية» وهدوءها يدل على كبر 
عقلهاء فانتزعها من وسط أفكارها صوت المعلمة التي تطمئن على 
استعدادهاء لتقترب منها وتستند على كتفها وتهبط بنصف جسدها 
العلوي لتقترب من أذنها. 

-عارفة إنك هتشرفيني النهاردة ... ودي أكبر فرصة ليكي إنك 


1١ 


وهبط عليها وحي الكلام تحرگاء فلمست أحاسيسها أطرافها وسيطرت 
على فرائسها حتى تبدد ارتعادهم» فها هي تنتظر خلف الستار قبل 
انسداله» والرعشة تلحق ركبتيهاء وقبل العرض باللحظات جاء أبيها 
خلف الستار ليساندهاء فربت على كتفيها وقبل خدها وأخبرها أنها 
تستطيع فعل ما تبغي بموهبتهاء فغاولت خوفهاء وانطلق الأب لمكانه 
في الصفوف الأولى ليراقب ابنته ويدعمها بنظراته» لتنتظر الستائر 
الحائلة لما خلفهاء والتوتر يسرق خاطرهاء مشدوهة على أهبة 
الاستعدادء وأخيرًا ينجلي الستار عن العرضء فيتسلل الضوء شيئًا فشينًا 
إلى عيونها حتى شتت بصرها وما هي إلا لحظات حتي تجمع شتات 
رؤيتها كي ترى والدها الذي جلس في أول صف فما تبغ إلا شعاع 
الأمل المنبتق من أحاسيس الأبوة وحنانه الذي عوضها عن حنان أم 
متوفاه» وعن حنية أختها المهاجرة إلى أوربا مع زوجها. 

وما إن وصلت إلى مبتغاها من ابتسامة ونظرة ثقة حتى استنطت أذناها 
إلى معزوفة بصوت مؤدية أوبرا يتخلل الألحان» تلك المغنية التي 
مكثت في الركن الأقصى من المسرح» ويتلألاً أمامها المايك الذي لم 
يلوذ من بين يديها فرارًاء تلك المرأة ذات الصوت الرقيق تعطي رونقًا 
خاصاء فتواجه آية اندماجًا مع الأحاسيس المتدفقةء فتتحرك أطرافها 
بليونة غريبة» فتلك هي عندما تشتعل حماسة»ء قلبًا فارغا انغمر ودق 
على غدق» فتفجرت حيلولة الرهبة» واشتعل المكان تصفيقًا حارًا في 
كل خطوة» فيبدو الهواء من بين كفوف الحاضرين تائب» فتواكب 
مصير النجاح» حتى البعض تسائل عن من تكون وابنة من تلك الفنانة 


بأطراف أصابعها وثبًا هنا وهناك كريشة تحملها الرياح» ويرمقها 
زميلاتها بغضب وحقد بدورهم في الأداء التمثيلي» كانت قصة العرض 
عن أميرة تجمع حولها الحاشية والأمراء في حب ملهم» تغار منها جميع 
ارا ار ر وفع یرن عليه و کون ا 


۹۲ 


كأس شربهاء بفعل إحدى خدمهاء فتتلوى الأميرة ألما حتى جاء فريد 
وصديقه أحد عشاقها ليحملاها في وقت احتضارها الراقص من أقدامها 
لتبدو انفراجة أرجلها بزاوية مئة وثمانون درجةء يحملوها إلى أركان 
المكان وهي تقوم بدورها بتحريك جميع أجزاء جسدها العلوي بفعل 
الألحان» تموت في آخر العرض محملة على الأعناق» ميتة الضعفاءء 
بعدما أظهرت وجها باكي» يغمره الكمد» وحتى انسدل الستار كانت هي 
نجمة الحفل ومحط أنظار الجميع» فتحول أباها من أب قلق إلى أب 
فخورء وأطلق ساقاه نحوها ليغمرها بأحضانه فرحًا بتشريف جبهته 
أمام كل من حوله؛ فما إن احتضنها حتى دار بها سروراء فلن تنسى 
أجمل لحظات حياتها. 

كان من حاضري الحفل أحد كبار التجار في المدينة يدعى الحاج سال 
المعروف في أوساط مجاله في تجارة الأخشابء فلقد كان من معارف 
أبيهاء ولكنها معرفة سطحية بعد الشيء» نظرًا للأشاعات المتكومة 
حول ذلك الرجل» من انحطاط أخلاقه» وخبول عقله؛ فمن المعروف أنه 
يحضر ذلك الحفل ليراقب سيقان الفتايات العاريات في فقرة الباليه 
وليس لينال جرعة من فن راقي» فيتضح ذوقه البلدي في ملابسه فيبدو 
منبوذ وسط طبيعة متحضره؛ يفضل أن ينزوي في أقصى اليمين أو 
أقصى اليسار كي يتاح له الفرصة في إثارة لعاب شهوته أثناء الفرجة» 
وبعد انتهاء الحفل يذهب ليلقي التحية على طاقم العمل» ليكون قريبًا 
أكثر من تلك الأرجل الناعمة» ورغم صغر سن آية آن ذاك فلم تسلم من 
نظراته المخذيه» ولكنها أقصى ما تستطيع فعله هو الضغط على يد أبيها 
خوفاء حتي ترك يديها ليسلم على الحاج المخبول؛ فينوه عن جمال ابنته 
الصغيرة قائلا: 

- بنتك الأمورة شرفتك النهاردة. 
رد الأب بافتخار ... 
- أه الحمد لله ... كنتي هايلة يا حبيبتي. 


۹۳ 


وعلي الرغم من اقتراب الحاج سالم منها فلا تعد عينيه محدقة في 
ملامح أنوثتها الصغيرة الغير مكتمله» فلاحظ والدها أمره فسحب ابنته 
البلوغ لديها أصبحت واضحةء وفي نظره هذا تهديد كي يبلغ حذره» 
ويحيط بابنته. 
FF f f‏ 

وفي اليوم التالي قابل الحاج سالم أباها في مكتبه» يرتدي جلبابه 
واجاهة» وفي يده اليمنى نبوته السميك يصدر صدى لخطواته؛ يتأمل 
المكتب الخشبي الذي ارتاحت عليه الزهرية التي تحمل وردًا بلاستيكيًا 
لا يبث منه العطرء ينظر إلى الحوائط التي ينتصف كل ركن فيها 
بروازًا يحمل آيات قرآنية» وسورة الفلق تعلو رأس الوالد» وشباك 
الهواء يطل على بحر الإسكندرية» حيث رائحة اليود المتجولة بين 
الكراسي السوداء المبطنة بالإسنفج عالي الكثافةء ليشير الأب لواحد من 
المقاعد التي تجاور مكتبه ... 

- اتفضل استريح هنا نورتني. 
ليبدأ حوار بصوته الأجش بعدما جلس أمام الأب على الكرسي الجلدي 
المبطن» أمام المكتب العريض. 

- إزيك يا صدقي عامل إيه؟ 

- تمام الحمد لله» وأنت عامل إيه؟ 

- نحمده ... كنا جاينلك في موضوع مهم. 


- بص يا سيدي إحنا طالبين أيد المحروسة. 
- محروسة! 


1: 


- أه الأمورة بتاعت الباليه. 
تعجب صدقي وحملق في وجهه. 
- تقصد آية!!! 
- أه يا صدقي. 
- أنا بنتي صغيرة على الجواز يا سالم. 
- أسمعني أنت بس ... 
قاطعه قائلا: 


- ميبقاش مخك ضلم ... خطوبة في الأول لحد لما تخلص 
الإعدادية. 

رد في استهزاء .. 
- لمين من ولادك بقي؟ سيد ولا ماهر ... ولا ميكنش سعيد؟ 
- ومين قالك لحد من ولادي!! 
- أومال مين إن شاء الله. 
- ليا يا صدقي» بصراحة البت عجباني وقلت أدخل البيت من بابه 
ودي أصول عندينا. 

امتعض صدقي فعنفه قائلا: 
- يظهر إنك اتجننت ... أنت مش شايف فرق السن ولا إيه 

غضب الحاج سالم فقال: 
- وليه بقى النغمة ديه ... مش معايا أنا ... أهدى كده وعلى العموم 
مش هنعتبرو ده ردك ... نسيبوك يومين تحسبها. 
- أحسب إيه مش فاهم أنت بتفكر إزاي؟!! 

البرود لا يتخلى عن ملامح الحاج للحظات ... 
- أيؤه عليك يا صدقي ... أنا طلبت منك حاجة غلط لا سمح الله ... 
أعملي احترام دنا جايلك مكانك ... وبعدين المهر اللي هكتبهلها 


مش شسوية. 


ه145 


- أنت عندك كام سنة يا حاج؟ 
- ماشي في الخامسة وأربعين» وبصحتي على الآخر والحمد لله. 
- أنت عارف بنتي كام سنة؟!! 
- كام يا صدقي؟ 
- أربعتاشر سنة. 
- وإيه يعني؟!!! 
- إيه يعني ... لا حول ولا قوة إلا بالله. 
تغير أسلوب كلام الحاج سالم ليظهر الوجه الآخر. 
- بقلك إيه البت عجباني ... ومتعودتش يعجبني حاجة ومخدهاش يا 
صدقي. 
عنفه صدقي ... 
- يعني إيه اللي أنت بتقوله ده؟!! 
- زي ماسمعت ... أنت هتذلنا ياعم!! 
قام الوالد من مكانه مشيرًا إلى الباب قائلا في عنف وانفلات أعصاب 


ضفن هنا يا اجنو امن 

E‏ موسع بل OE‏ مسا ى ناف ماقي 

وديني لهندموك. 1 
خرج الحاج سالم بعدما نظر إلى أبيها نظرة وعيد مغلقا الباب في عنف 
فعلى صوت ارتطام الباب ليدوي أرجاء المكتب» حقا كما يقولون رجلا 
مخبول» ألم يرى فارق السن بينهم» أثلاثون عامًا لم يغلقوا فمه عن 
طلب أهوج» فتاة لم يشأ البلوغ أن يصيبها إلا من شهور معدودة» وهو 
يسير وراء غرائزة» ليكون هذا منهاج حياته» فلم يكن في وسع الحاج 
إلا إن يساومه بمهر كبيرء وكأب وحيد لم يعرف إلا عنواتًا واحدًا هو 
ابنته» تبعًا لاحتياجه بكونها بجانبه أمرًا لا بد منه خصوصا بعد رحيل 
زوجته من ثلاث سنوات» ورحيل فاطمة ابنته الكبرى إلى الخارج» 


415 


وأساس الرفض يجانبه حبه لابنته الذي رابط أوصاله؛ والحاج لم يهدأ 
فبدا يناشد الوالد مرات عدة في طلب يد ابنته» وفوق كل هذا وذاك بدأ 
يراقبها ويحاول أن يتحدث إليها في طريق عودتها إلى بيتهاء فأساس 
توييقها أنيا لآ تحانت لر اة كفو د ينا صابة تار |متصتيحة أمها 
الغالية» وكل ما كانت تفعله هو أن تنظر إليه نظرة استغراب ثم تسير 
في خطى ثابته رامية بطرف عينها لتختلس النظر إليه دون أن يلحظ 
ذلك» فتجده يسترق النظر إليها عبر شباك سيارته من أسفل قدميها حتى 
خصل شعرها الناعمةء مما يملئها ذلك رعبّاء و لم تشأ أن تخبر أباها 
لسبب غير واضح في أعماقها المتلوية» فلا تريد أن تشب المشاجرات 
في كنف العائلة المتماسكة. 
f‏ عد عد عد 2F 2F‏ 

وفي أحد الأيام دق جرس الانصراف مبكرًا ليخبر الجميع بطلب 
الانصراف» ولا يلح في طلبه لأنه أمل مرجو في نفس كل طالب 
مصريء يومًا رياضيًا كانوا يسمونه» ليهب التراب من تحت أرجل 
الصغار فرحًا في انقضاء فترة الحبس سريعًاء مفاجأة أذابت القلوب بأن 
ذلك اليوم هو نصف يوم دراسي» وفي طريق عودتها قلة الناس في 
الشوارع بدا متعمداء فالمحلات نصفها منغلق عنوة» إجازة يوم الأحدء 
وبينما تتجول وحيدة أمسكت يد صغيرة تنورتها المدرسية المسدلة على 
ساقيها فسحبتها برفق» انتبهت آية لذلك» فتعجبت من عيون تلك 
الصغيرة قصيرة القامةء شعرها الملبد من قلة التمشيط يدل على عدم 
الاهتمام» وكذلك بشرتها المتسخة تشير أن المياة غادرتها منذ زمن 
سحيقء لم تبلغ العاشرة من عمرها بعدء فطلبت منها مساعدة مجديةء 
لتتعرف سبيلهاء بعد ضلال قريب» فهفا قلب الابنة الرقيق غير مبالي 
إلا بطيبة المساعدة» فسحبتها الطفلة من يدها وطلبت أن تتفحص معها 
بعض الطرقاتء أملا أن تصل إلى بيتها أو تلمح أمها التي سوف تولول 
باكية لفقدانها ابنتها الصغيرة» وتذهب إلى الساكن من الأماكن» فبعض 


۹۷ 


الأحياء تتسم بالهدوء في تلك المنطقة» الركام يتجمع يمينا ويسارًاء 
وسذاجة آية كانت الاتباع دون تلميح» ففي زقاق إحدى الأحياء السكنية 
بدء شبح التوتر يسكن نفسها الفارغةء فانتفضت انتباهًا لما حولها كان 
الهدوء المقبض يحيط بالفتاتين» الرياح تحمل بعض الأتربة التي ترهق 
العيون المنفرجة» فطلبت من الطفلة الضئيلة أن تخرج من هذا الشارعء 
بدأت في المشي مسرعة ساحبة لتلك الفتاة ورائهاء ولكن فجأة سحبتها 
الصغيرة في اتجاه مخالف لتوقفها فصرخت بكلمة أمي» ويبدو أنه 
تَخَيْلء فكمم فم آية من كان منتظرًا وأطبق إحكامه عليها وسحبها إلى 
مدخل عمارة شاغرة» وهربت تلك المعاونة الماكرة بعد أن أقبضت 
كفها على تلك العملة الفضية اللامعة التي ساومت بها الحاج» في باديء 
الأمر لم تتوقف آية عن الصراخ المكتوم بيده الجافة التي تحيط بفمهاء 
فلم تكف عن الصياح حتي أسند نصل السكين إلى ظهرهاء فصمتت 
كليّاه وبدأت يده النجسه تتجول على شفاههاء فأدخل أطراف أصابعه 
إلى فمها ليتلمس لعابهاء فنظر بعيون جاحظة إلى ما بين سبابته 
ووسطاه» فنطق بلسان خسيس ... 

- إيه ده إنتي ريقك ناشف أوي ... متخفيش مني ... مهو العيب 

على أبوكي كنا عاوزين الحلال وهو رفض. 
كان ارتعاشا مترددّاء حيث أصاب كل أجزاء جسدها النحيف» بدا لها 
صوت نفس مسموع وارتفع صدرها وهبط بشكل ملحوظ حتى ناحت 
اة هته أن ر كا و انها فكل ما قالة نكل واضاعة: 

- متخفيش مش هأذيكي بس اللي هعمله دلوقتي لو أبوكي عرف بيه؛ 

هنقتلوكم أنتم الاتنين بالسكينة ديه فاهمة ولا لأ ... 
فأشار بالسلاح الذي يقطن في يده» وأومأت الفتاة برأسها بالموافقة 
خوفا منه. 
بدأ يتحسس ساقيها رافعًا تلك التنورة الرمادية التي يتخفي بياض الثلج 
ورائهاء رفست بقدميها لتبعد كفيه عنهاء فأقبض يده على عنقها كي 


۹۸ 


يخمد مقاومتها له» حاولت يديه أن تتطاول لفعل ما هو أقبح» ولكن يشاء 
القدر أن يجعل لها ملاذَاء بواسطة ابنه الكبير ماهرء الذي أطبق يده 
على يد أبيه وسحبه للخلف كي يبعد الفتاة عنه» والذي كان يشك في 
نوبات جنون احتدمت مع عقله المسنء ابنه كان يتعقبه منذ أن خرج من 
بيته بعدما لمحه يخفي السكين بداخل ملابسه قبل نزوله للشارع» حتى 
وکل إلى كان فان تجافتة و أئقة لك الفا ها واكر كتفت أبيه 
بعنف ثم نهر في وجهه قائلا: 

- أنت اتجننت يابا حرام عليك دي طفلة ... هتجبلنا النصايب 

وتخلي راسنا في الوحل ... 
وكل ما استطاع فعله؛ أنه عانقها وربت على كتفها برفق وحنية» ومسح 
من دموعها الكثير بيده حتى بدا لديها الفارق بينه وبين أبيه» فرق 
الضحى والعشي» فخفف عنها حيث كان الانهيار النفسي قاتلهاء فلم تكن 
تستطيع التقاط أنفاسها المتقطعة حتى هون عليها ماهر ابن الحاج» ثم 
أوصلها إلى ناصية شارع بيتهاء بعد أن غسلت وجهها لتخفي آثار البكاء 
وبعد أن اتخذ عليها وعدًا ارتضت به وهو ألا تخبر أحدًا بالأمر. 

Rf f 

لم يكن الأسى سوا مسلسل قلبها التلفزيوني يعرض في الواحدة ظهرًاء 
والبكاء تتر البداية والنهاية» فالخزي عقد من الصبار يلتف حول عنقهاء 
فما ذنب فتاة صغيرة مثلها أن تحمل هم جراء فعلا رديد من مختل مثلهء 
يثقل الحزن عليها صعودًا على الدرج» فمع كل درجة كانت تتذكر فعلته 
المشينة» أجنحتها أصبحت مطويةء تتحسر على فنا أثار شهوة مخبول؛ 
ولكن يبدو أنها استطردت في النواح» حاولت مسح دموعهاء حيث أن 
أباها في طريق عودته إلى المنزل» مسحت دموعها بيدها وتابعت 
صعود السلم» وتلك كانت أول مرة تشعر بطول المسافة حيث أرهقت 
وصولًا إلى مبتغاهاء فقبل دنوها من مقصدها نالت من الحظ العاثر 
قسطاء فالتوى كاحلها الأيمن» فسقطت على ذلك السلم الحجري 


۹۹ 


فأرتطمت ركبتها بالدرجة» فجرها البكاء إلى وسط السلمء فنبتت دموع 
الألم واضحة المعالم» لم تكن تبكي لجرح ساقيهاء رغم اعتكامها على 
حجارة صلدة» فتبادلت الكذب على أبيها عندما فوجيء بتكومها أمام 
باب المنزل» حجة وجاءت في وقتها تلك المرة» فأشغلت أباها بأمر 
ظاهري لتخفي باطنها الكئيب» وما إن جاء أبيها حتى حملها قسرًاء 
وقبل جبينها ثم أراحها على سرير غرفتهاء وما إن هدأت قليلاء أردف 
أباها قائلا: 

- ده جرح صغير يا حبيبتي متعيطيش أهدي بقي ... أنا مش فاهم 

لازمته إيه العياط ده كله 
تلجلجت آية في توضيحها قائلة: 

- أصل الأسبوع الجاي في حفلة بالية في المدرسة ... كده رجلي 

هتبقى شكلها وحش ومتعورة. 
ضحك الأب مقلبًا كف على كف ... 

- يابنتي ده خربوش مش هياخدله يومين. 

- بجد يا بابا ٠...‏ قالتها مفتعلة الدهشة ممزوجة بالفرحة. 

- أه يا حبيبة بابا. 
فتح ذراعيه ليستقبل ابنته في أحضانه» مالت إلى أبيها مطلقة كل 
مشاعرها المحتقنة بداخل عروقها وأراحت جسدها خدرًا بداخله. 

2F f 2F عد‎ 2f 2F 

اتصال هاتفي غير حال آية فقادها إلى الجنون» في باديء الأمر كانت 
نظرته لها أثناء حديثها في هاتفها نظرة هيام» ولكن مع ظهور الجدية 
على ملامحهاء التحام حاجبيهاء صوتها المذهول هب بداخله العاصف 
من الرياح لتقتلع إحساس الاطمئنان» حالة التوترء أحادثة وفاة اقتضصت 
عليها تلك الملامح المتغيرة» أم هو جرح غائر افتعل الارتعاد سبيله» 
لتحركتهاء لارتباكهاء لخوفهاء فما هي إلا ثوان حتى مسكت خصلات 
شعرها بعنف غریب كأنه تأنيب قلب ارتوى من الرعب ارتواءًا فهبطت 


معاني الارتعاش على أطرافها ككل وما إن فرغت من المكالمة الهاتفية 
حتى طلبت منه أن تنصرف فعندما سأل عمر عن السبب» عنفته قائلة: 

- معلش ياعمر أنا لازم أمشي ... مارتينا مستنياني بالعربية بره 
سرقت الحيطة وقتًا من العشق الثائر» وعندما حاول أن يوقفها ليفهم 
فأمسك يدها فنفضتها بعيدًا عنهاء صرخت في وجهه قائلة: 

- أرجوك سبني أمشي دلوقتي هبقى أشرحلك كل حاجة بعدين. 
هلل عمر في وجهها محدتًا ضجة وممسكًا بالكرسي المتحرك ... 

- أنا عاوز أفهم كل حاجة دلوقتي. 
وفجأة لمست بكفها البارد دفئ يديه ممتصة بعضًا من ذلك الدفئ 
ونظرت في عينيه نظرة حزن بعيد 

- أرجوك ... متخفش عليا ... هحكيلك كل حاجة في وقتها. 
انصرفت بلهوجة محركة عجلات الكرسي والصرير بات يعلو علوًا 
غريبًا حتى احتدم بالأرضية محدنئًا صوت احتكاك» لحق بعمر معاناة 
البقاء وعدم التدخل في الأمر دون فهم» يعنف نفسه» فكيف له ألا 
يساعدها وهي هكذاء قرع ناقوس الخطر في غيباته فيثار لديه فضوله 
الأعظم» تركته غاطسًا بين شقي الرحيء لا يفارقها بناظريه حتي 
اختفت وسط غياهب الطريق الخارجي بعدما ركبت سيارتها. 

2F 2F 2F كد عد‎ f 

وفي صباح اليوم التالي» حيث تنقله الرتيب بين ممرات العيادات في 
المستشفى ليصل لعيادته» زملائه يتثائبون» النوم لم يسقط عن عيونهم 
في صباح باكر» والممرضات سكارىء ينتشلون أرجلهم من الأرض 
شينًا فشيتًاء وتلك الملامح ظلت تتشبث بوجهه» كيف كان التغيير بعدما 
كان هدوءه به مرموزء تجلط الحزن بعروقه وأوردته لتفصل سريان 
الدم عن عقله» اتصال بعد اتصال دون ردء ولا يملك أحد الحق في 
السؤال عن أسباب تجهمه سوى صديقه العزيز محمود» أو تدخل هبة 


الممرضة التي تلاحقه بعيونها رغم معرفتها المسبقة بوجود دبلة في يده 
اليسرى أحياتاء بريقها يبصر الأعمى» فتتطلع بفضولها بما ليس حق لها 
مما يثير غضبه أحيانًا أو يطاوعها ليريح رأسه من صداع فمها 
شخصية متغنجة» فمضغها للعلكة بطريقتها تلك تذكره بأفلام قديمة عن 
ساقطات يأخذون الجنس مهنتهم» خصو صًا مع لمعان أحمر الشفاة 
المتجلي ردائته بين غيره المرسوم على شفاه زميلاته الأرفع ذوقاء 
فمنظرها أخذ له تعبيرًا خاص في مذكراته» "المرأة التي يتلوى أمعائي 
فور رؤيتها", فأحيانًا ما كانت تنظف عيادته مخصوصء رغم أن هذا 
من اختصاص عامل النظافة ولكنها حجة بالية لا تنطوي عليه» يكسف 
سجيتها المصطنعة في الاهتمام» ويخبرها بمكر ما تفعل فتبادله الكلام 
بضحكات صاخبة:؛ مما كان يقلقه ذلك كثيرّاء خوفًا من تصورًا يخطو 
عقولا تعشق توهم ذلات للآخرين» والحق عندهم فماذا يفعل طبيب 
للممرضة في عيادته الخاصة ليجعلها تقهقه هكذا دون هوادة» محركة 
ذرات الهواء في المستشفى كلها ناقلة لموجاتها الصوتية» طولها 
الموجي كبير وترددها أكبر فتححق معادلة فزيائية فتزيد السرعة. 


الفصل التاسع 


إلى "633لا" في شارع أبو الفدا بالزمالك» والنحس القهري يود أن 
يتملك أقداره» صادفته الصدفة الحمقاء بصفعة نارية» فواجها مشكلة 
رفع السيارة بالكريك كي يستبدلا العجلة المتكاسلة بالأخرى الاحتياطية 
مما أثار غضبه» موقف جعله عبوث الوجه للحظاتء يغلق باب سيارته 
بقوة» وكأنها ليست ملكه فيعاملها تلك المعاملة الهوجاء» وسرعان ما 
عدل عن جنونه» واسترد اتزانه» وما إن وصل إلى ذلك المكان المقترح 
من قبل صديقه» حتى استراحا في مكان أرضاهم وأرحوا ظهورهم 
وطلب محمود شيشة توت على غير عادته وبدأ الكلام يأخذهم شيئًا 
فشيئًا فقال عمر في هدوء .. 

- حلو التجديد بدل كل مرة على القهوة ... 

- بس هنكع ... أنت كان أخرك في القهوة بكبيره أوي ستة جنيه» ده 

لو كنت طالبلك زبادي خلاط فواكه؛ إنما هنا يالا مش مشكلةء المهم 

سيبك أنت مالك شكلك مش عاجبني. 

- أنا الحمد لله تمام بس في حوارات كتيرة كده عاوز أحكيلك عليها. 

- أحكي يا باشا. 
نظر إلى الأرض ثم نظر إلى صديقه المنتظر بعدما هرش في فروة 
رأسه متابعًا الهرش حتى ذقنه ... 

- بدون أي مقدمات كلامك كان صح. 

- تقصد إيه؟!!!! 

- لما قلتلى صدفة فلقاء فميعاد ... 

- خنت مراتك؟؟؟!! 


- أ 
قرون .. 


- إيه اللي حصل حكي احكي ... كلي آذان صاغية. 
- حبينا بعض ومقلتلهاش إني متجوز. 
حملقت عيون محمود صائحًا بصوته ... 
- أوبااا ... هو الموضوع اتطور بقى وأنت ندل مبتحكليش حاجة 
بقالك مدة. 
- منا جيت أهوه أحكيلك. 
- وصلتوا لإيه ... إتجوزتها ولا إيه مش فاهمك؟؟ 
هدوء عمر يسبق لسانه ... 
- لالا مش للدرجادي. 
- عرفي طيب؟! 
- لا 
GR a N E EN AE‏ 
تعصب عمر قائلا: 
- أم دماغك ديه هتوديك في داهية» مفيش حاجة حصلت من ديهء 
وسبني أكمل كلامي. 
- ياعم أنت مش بتقول خيانة؟!! 
- أيوه خيانة ... كوني إن أقول لواحدة غير مراتي بحبك ... يبقى 
خيانة. 
تعجب محمود من كلام صديقه ... 
- قلت بس!!! مفيش حتى بوسة كده؟ حضن جامد كده؟ حاجات من 
ديه!! 
- لا 
- بتضحك على إيه دلوقتي؟!! 
- يابني والله فكرتني بأمي» مرة كنت بشرب سجاير في الأوضة 
وقفشتني قعدت تقلي إيه النجاسة اللي بتعملها ديه» حسستني إنها 


قفشتني مع نسوان ... أفورة بعيد عنك» أهو أنت بتأفور زيها ... 
تقولي خيانة. 
رأسه بعيدًا عن النظر إليه ومشوحًا بيده. 
- ياعم أهدا بس متخدش كل حاجة على صدرك كده» قولي بس أنت 
وصلت معاها لحد فين؟ 
- أنا مقلتلهاش غير بحبك» وهي كمان قالتلي بحبك» وبس ... فأم 
دماغك الوسخة ديه متروحش بعيد؛ أنت عارفني مليش في العط. 
بمعسل بطعم التوت» فجربها محمود وسحب الأنفاس ليطمئن على 
جودتها ووضع اللي بداخل فمه كعادته وبدأ في السؤال ... 
- أنت خلاص 31630 بقيت /©/اوياعم عمرء وعلى فكرة مفهاش 
حاجة إنك تحب حد تاني غير نورء أومال إحنا ليه الشرع محللنا 
أربعة. 
- ماشي بس أنت متعرفش» حاسس إني ملبوخ وزي ميكون عامل 
عاملة» وبقينا نتخانق كتير أوي وأغلب الخناقات بسبب حاجات 
تافهة. 
- طبيعي ... قلبك بقى مشغول بحد تاني. 
- آية ديه أعرفها من وأنا صغير ... حاسس إن في حاجة هتجنن 
وأعرفها عنهاء كذا مرة تظهر وتختفي ... 
- عفريت يعني؟!! 
رد عمر في خنق: 
- عفريت إيه الله يخربيتك» على فكرة أنا شكلي هقوم أمشي لو 


- لا أنت مش في المود خااالص ... كمل كمل. 

- هي ساعات متردش على التلفون بالأسابيع والأيام ومرة قعدت 
حوالي شهرين مبتردش خالص. 

- شهرين وأنت صابر عليها كده ليه؟ 

- حاسس إن عندها مشكلة كبيرة ... وعاوز أفهمها. 

- عاوز رأيي؟ 

- أكيد. 

- إفكس يابني وريح دماغك» أنت مش ناقص مشاكلء قلبي بيقلي 
البنت ديه مش هيجي من وراها غير البلاوي» أنت وراك بيت 
وطفل لازم يعيش وسط أبوه وأمه عشان يتربى كويس. 

- بس أنا حبتها يا محمود!! 

- هي قصة الحب اللي بينكو ديه بقالها أد إيه؟ 

- بتاع سبع تمن شهور. 

- مممم ... تمام ... طب هي لما بتغيب كده وبتكلمك بيبقى إيه 
السبب؟ 

- مبتقولش حاجة ... بس بحس إن في حد بيراقبهاء بيطاردهاء 
o‏ 3 1 

- وإيه خلاك تقول كده. 

- بص يا سيدي» ممكن نبقى قاعدين قاعدة حلوة كده» فجأة يجيها 
تلفون يقلب كيانهاء ووشها يجيب ألوان» وتقلي لازم أمشي حالا. 

- حاجة غريبة فعلا!! 

- بس انا لازم اعرف الموضوع 

- أعرف يا عم روميو..بس خلي بالك لتدخلك في مشاكل معاها 

- لا متقلقش ..انت عارفني مش متهور ولا مجنون زي حلاتك 


اختلط كلامه بدخانه متسائلا 
- مفيش كوتشينة هنا..ولا ضومنة ..نتسلي شوية 
- ممم... ماعلينا...وانت دلوقتي متخانق مع نور 
- انا ونور الفترة ديه زي ناقر ونقير..ده اخر مرة اتخنقت معاها 
ختاقة كبيزة اوی .وسابكلي انیٹ 
- لاوالله للدرجادي.. ليه كده 
- فكك ياعم والله الستات دول هم 
بلا انت الل فك مدل ال ,رامل الما کت بهن عبرا 
هتقعد تتبطر عليها وتنكد وهي ملهاش ذنب 
- لا مش للدرجادي ... 

رد محمود بثقة متناهيه 
- هو أنا يعني مش عارفك ... أكيد بتحط الشخصيتين في مقارنة 
مع نفسك دلوقتي. 
- مقارنة ... هو بصراحة مفيش وجه مقارنة» أنا ونور من أول 
متجوزنا وأنا حاسس إني في فروق كبيرة بيناء وكنت ساعات 
بحسها من أيام الخطوبة ... كنت بعدي وأقول يمكن بعد الجواز كل 
حاجة هتبقى 6/601(بس الحياة مشيت عكس ما كنت حاسبهاء 
قدري بقى أعمل إيه» طب أقولك حاجة ... أنا وآية» حاجة تانية 
تاه أن هن ل مکی که لوس يدل 
e‏ 

أشار عمر بيده ليعبر عن كلمة ميكس. 
- بنبقى حاجة واحدة في كل حاجة» هو مش معنى كلامي إن نور 
شخصيتها وحشة» لا بس نكدية أوي» حساسة جِدَّاء والنوع ده 
عاوزك دايمًا تطبطب. 


- أنت من حوراتك ديه بتخليني مفكرش في الجواز أصللاء طب 
هقلك» تعالي نحسبها... أصل أنت كان ممكن تقابل آية الأول 
وتتجوزهاء وبعد كده تحس إنها نكديه وحساسة» وتصادف إنك 
تعرف نور بعدها وتلاقي عيوبها مميزات. 
- لا يا راجل!!! فيلم عربي ده ولا إيه؟! 
- بالظبط ... هو كده. 
- دماغك مريحالك. 
- أنا برضو مش شايف سبب واضح إنك تعلق نفسك بواحدة» 
سوري يعني أنت فاهمني ... 
قاطع همهمته التي ليس لها مرميء ليقول بإحساس ملهم: 
- مختلفة جدّاء ساعات بحس إنها طفلة» ضحكتها بريئةء دايمًا هي 
اللي بتاخدني لدنيتهاء هي غامضة بس طيبتها هي اللي مريحاني» 
عشان كده مبخافش منهاء أنت رأيك إيه في البني آدم الغامض. 
تعجب لكلام عمر قائلا في اندهاش ... 
- إزاي علاقة حب ويبقى في حد غامض فيهاء هو مش في الحب 
بترمي حمولك على الطرف التاني وبتحكيله أسرار الأسرارء ولا ده 
حب مودرن؟!! 
- بتقدر تهرب بطريقتهاء زي سمكة هربانة من شبكة صياد. 
عقب محمود ممازحًا ... 
- مش شايف إن الحب خلاك أفلاطون بتاع فلسفة ثانوي ... 
- بقلك إيه أنا هطلب حاجة أكلها. 
- قشطة هتطلب إيه؟ 
- بيتزا سوبريم. 
- خلاص ممكن أجيب زيك. 
فكاع ا ج ر 
عينيه اندهاشاء وارتجف رجفة المشتاق» ثم ابتلع لعابه قبل أن يطلب من 


صديقة الهدوء» حدج محمود بعيونه إلى عمر فظن أنه يعلم حقيقة 
الاضطراب الفرحي المختلط به رعشة الخوف المرجفة والمتنادية بين 
ثناياه» ينقبع الصديق الحائر فزكمت الكلمات وسط حلقه؛ كل ما يفعله 
هو مشاهدة فيلمًا رومانسيًا يحكي قصة حزينة فيتكلم البطل في صدق 
الحنو قائلا: 

- كده برضو؟! 
فيبدو أن البطلة تخبره أنها لا تود الحديث بالهاتف إنما تود مقابلته. 
فيخبرها البطل: 

-"أقابلك فين وأمتي ؟" ... "خلاص ماشي أوك" ... "يوم 

الاتنين" ... "ماشي أوك" ... "سلام سلام" 
وانتهت المكالمة وانتهى فيلم تخيله محمود باعتناء حميمي. 

- أيوه بقى ولعانة ... 
عجبًا تغير حال عمر من حال إلى حال. 

أخيرا یا عم ب 

- ماشي يا عم روميو. 
امتعض عمر ... 

- فكك بقى من كلمة روميو ديه؛ ما تظبط بقى. 

- أنت مش شايف نفسك كده ولا إيه!! 

- خلاص فكك من الموضوع ده ... المهم» حسام طلب مني أشوفله 

آأناأة الدكاترة اللي طلبه قشطة ولا إيه؟ 

- بيس ... هو الراجل ده إيه قصته ... معاه قرش ومحيره! 

- الراجل بيسعي في الخيرء بطل قر على البشر بقى» أرحم. 

KORK RR f 

يذهب ليلاقيها وتلك المرة حشر في قعر القاهرة»ء الازدحام مستعمرة من 
النمل» وصوت الأقدام مع ثرثرة البعض يصنع ضجيجًاء شجار أهوج 
التف بكل شبر في شوارعهاء والكلاكسات تمليء الطرق والسب يلازم 


أصحاب السيارات» ويبقى عمر في ناقوس زجاجي من صناعة 
"قبنوري"٠‏ وما إن وصل حتى خالطته الرهبة قسرًاء أردف إلى الداخل 
فسايرته تقطعات أنفاسه» عيناه تبحثان عن معشوقته. فتلك المرة لم 
ينتزع من قبل المكان كعادته» إنما ما ينتزعه هو أن تتحجر مقلتاه 
لصورتها القابعة في إحدى الأركان» تعطلت أذناه عن العمل» فلا يسمع 
واف خطواك أقذافة الملوية فاا لاعن تخاضية: تة مح ت ن 
أسفل أنحاء صدره حتى أخذت طريقها نحو أنفه وفمه» لتخرج زفيرًا 
يتجلى فيه العشق الأكيد» اللذة المفرطة تتدلل أمامه ليتذوق منها الجديدء 
اقترب منها حتى وصدت باب المخاوف» مقدار من العرق بدأ يلتحم 
بجبينه المفعم سخونة» يعلم عن أسباب واهية فيربط ارتباكه بحرارة 
الجو المثقلة» سحب الكرسي ومكث في أدني مكان يسع له أن يتبادلا 
عشق العيون» في نفس المكان المعتاد» من نظرته الأولى لها علم بأن 
الذنب لم يعتقها منذ أن كانت معه آخر مرة» ورغم أن عيونها ارتوت 
بشكله فلمعت بدمع حزينء ليبدأ كلامه معها بوجه لائم. 

- وكالعادة ... جننتيني معاكي؟ 

- أنا أسفة بجد يا عمر أعذرني. 

- قوليلي طيب في إيه. 

- المهم إزيك ... عامل إيه؟ 
باغتها برده .. 

- أهوه زي القرد ... ها ... قوليلي بقى. 

- أنت جاي سخن أوي كده ليه؟! ... 
رد في جدية: 

- معلش أنتي عارفة إن في حاجة مش مظبوطة ... وجه الوقت 

اللي تفهميني فيه اللي أنا مش قادر أفهمه. 

- حاضر هكملك الحكاية من ساعة ما وقفت آخر مرة. 


رد باستهزاء . 
- أنا مش طفل هتحكيله حواديت قبل النوم» قوليلي الأول أنتي 
بتختفي ليه» بتتهربي مني ؟!! ... إيه اللي في حياتك ملخبطك كده؟ 
- ما أنت لازم تسمعني من الأول ... وأرجوك إهدي وكل حاجة 
هتفهمها في أوانها. 
رد عمر بامتعاض: 
- أديني سامعك. 
سكتت آية للحظات وبدأت تمسح دمع عيونها بمنديل أخرجته من 
حقيبتها البيضاء المتناسقة مع لون فستانها الأبيض المرصع بحبات 
كرستالية لامعة» والذي لا يكشف عن جسدها شيء سوي كفيها 
ورأسهاء فتحشرج صوتها ألمّا وعلقت الكلمات في جدار معدتهاء لم 
تستطع أن تنساب إلى حلقهاء تماسكت وبدأت تظهر جمل غير واضحة 
اتر نحيبهاء. أمسك يدها وذهيت أضابعه تحتجة أضابعها تخللاء تذل 
قسطًا من العطف» حتى تعدل صوتها ونطقت بعد أن بلعت ريقها مرات 
عديدة. 
- أنا عاوزاك تفهم ياعمر إني والله غصب عنيء وأنت لما هتسمع 
كل حاجة هتعذرني ... 
قاطعها عمر 
- خلاص أحكي كل حاجة وأنا سامعك. 


1١ 


۱1۲ 


الفضيل العاقين: 


وبدأت من جديد تتفقد سطور ذكرياتها بين أطلال العذاب» همت في 
الرحيل إلى ما سبق أن عاشته» امتطت آلة الزمن المحفور بابها في 
عقلهاء فأخذتها في سبات عن الحاضرء لتفيق في يومها العابس حيث 
قرر أباها أن يأخذها لتبيت عند جدتها وتلتحم في حضنها الذي يعوضها 
حنان أمها العابق في رائحتهاء رغم نعيم العيش تحت ظل والدهاء 
انتفضت عنه في تلك الأيام البائسة» لم ترتاح إلا وسط ركام بيت جدتهاء 
أم أمهاء لم يهمها انشقاق بيت تصدع قدامةء تتأمل الفجوات المرسومة 
على الجدران أثناء إراحتها لأطرافها على ذلك السرير ذو الملاءات 
الكتانية باهتة الألوان» تتخيل تلك التصدعات كالأشجار المزروعة أمام 
بيت أبيهاء لا تنكر راحتها النفسية رغم كل هذا الديكور الغير ممهد في 
عقلهاء فمنذ أن ماتت أمها قلت زياراتها إلى جدتها المريضة التي لا 
يعولها أحد.ء عجوز تقطن بيتها تنتظر أن يسحب ملاك الموت روحها 
إلى أعالي السماءء لم تتوقع الصغيرة للحظات أن حالة الفقر تزودت بها 
حالة البيت الرثة إلى تلك الدرجة المعدومة» وعلى ما تظن ان أبيها قد 
يساعدها إن أخبرته بذلك فهو لم يدخل البيت منذ سنين مضت» حتى 
عندما أرسلها إلى جدتها كان من أمام البيت ولم تطأ قدماه عتبته» حشر 
بين الكثير من المشاغل» فطلب منها أن تستمتع بوقتها حتى يأخذها في 
يوم الخميس القادم. 

تمنت لو دامت معايشة حالها الآن وسط جيران في مثل سنهاء كانت 
السعادة تطرق باب فؤادها حينما تلعب مع سناء التي تظهر في مثل 
سنهاء ولكن يبدو أنها أنضج بقليل حيث اختمرت علامات بلوغهاء 
ولديها شعرًا طويلا بني ملمسه هو الحريرء ولونها الخمري مع عيونها 
الخضراء يضفي بريقًا لما بداخلهاء كانت تبدو الأكثر جاذبية هناك 
فعشقت تلك البيئة الرديئة والمعدمة» رغم أنها تنعم في بيت أبيها رغدًا 


1۱1۳ 


وتتثائب هواءًا أنقى» ليس مخلوطًا بتلك الرائحة النتنة القادمة من عشة 
الدجاج والماعز في أقصى اليمين من ساحة مربع البيت» لم يظفر 
الاشمئزاز بشمائلهاء فكل ما كان يفرحها هو أن ترى "لولو" صغيرة 
الماعز التي لم يبلغ عمرها أسبوعاء حظت تلك الصغيرة باهتمام زائد 
عن المواشي الأخرى» فكم كان يستهويها لونها الأبيض وعيونها 
الملفوفة بالشعر الأسود اللامع فيجعلها مزينة لكل من يشخص بصره 
إليهاء تحتضنها وسط دفئ ذراعيها كطفل صغير لم يبلغ سنة من عمره» 
أحيانًا ما تقبلها فتصنع من صياح جدتها توبيخًا خوفًا عليها من 
الأمراض أن تلحق الأذى بها جراء فعلتهاء ولكن من الطبيعي أن تكون 
أفعالها مختلفة فإن تلك البيئة تبدو جديدة» تشاهدها كفيلم قديم لم تراه من 
قل فقستشين لذ الفريجة+ انث مناافعلة:الحاج لها وما كان ينوي فة 
أن يستطيب من جسدها لدقائق» وجبة دسمة سال لعابة ليتذوقها 
بكرو ار :ک4 | ناذه لمن ذلك التمن رور اا غات 
التي. تفضيها مخ "لولو" و "اسناء التي لم تبلغ 'الخامسة عشن :من 
عمرها بدا الموقف متدليًا وسط غياهب الماضيء وتمنت أن تخدر بهذا 
البيت العتيق. 
2F 2F oF FR f‏ 

ومرت الأيام وجاء مساء الأربعاء وفي جوف الليل» القلق يردف 
بداخلهاء تمنت أن تبقي لأيام مديدة» وفي تلك الأثناء قلقت الجدة على 
صوت نحيب المحزونة الصغيرة» ما رقة قد توصف ولا حنية قد تروى 
من عجوز شمطاء احتدمت صراعًا مع بؤس تخلل بنت ابنتها» ضمتها 
بقوة أكبر حتى شعرت بطمأنينة جففت مياه الأسى من جفونهاء لم 
تغطها منديل كأي شخص ف يفعل ذلك بل أصابت داء القلب فعالجته: 
ابتسمت لها فلمع فكيها مع ضوء القمر الهابط من أعالي السماء ليضيء 
ببصيص من النور في تلك الحجرة الكنزة» ظهرت بأسنان صفراء 
مهشمة وبعضًا منها غير مرصوص بأماكنه الصحيحة؛ مع فقدان فكيها 


14 


لعدة ضروس وأسنان أمامية مما يجعل بعضًا من مخارج الحروف غير 
صحيح» ولكن هذا النطق ما يقذف في قلب الحفيدة شيء من الإحساس 
من الطيبة المفرطة التي يكنها صدر تلك الجدة ... 
- مالك يا حبيبة تيتا؟ 
قلبها النقي تحدث عن آلامه 
- أنا مش عاوزة أرجع البيت تاني. 
قالت الجدة في جدية ... 
- ليه أبوكي بيعاملك وحش؟؟ قوليلي وأنا أملصلك ودانة. 
- لا يا تيتا بابا بيحبني» ومش مخليني عاوزة حاجة. 
- أومال في إيه بقى؟ 
لم يكن في وسع آية سوى الحجة الواهية ... 
- أنا عاوزة أعيش هنا ... بقا ليا أصحاب كتيرء وفي بيتنا ببقى 
لوحدي ومش بلاقي حد ألعب معاه. 
- أنا هقوله تقضي الإجازة عندي وفي الدراسة تفضلي هناك عشان 
مدرستك. 
- نفسي أعيش معاكي يا تيتا. 
احتضنتها العجوز بقوة قائلة: 
- ياحبيبتي .. 


فما إن دلفث في اندماجها في خيال تصتع به الأحداث؛ حتي استغرقت 
الطفلة “في انات عميق: قش غل قاس خا وله لسن الها شان 
بتعاطنة ع 

2F f 2f 2F f 
وفي صباح غير معهود وعلى غير العادة المكتوبة في كل يوم يخطو‎ 
مضيّاء اهتز أساس رث فطفح بذرات ترابية على وجه الملاك النائم‎ 


11° 


والقابع في أقصي السرير بعد تقلب دام الليل بأسرهء فيقت من غفلتها 
فواجهت مصيبة انهيار اصاب البيت المسجور بالذكريات» رجة يتبعها 
رجة» خيال غريب في مواقف عصيبة» وكأنها سكنت أعماق معدة 
وحش أسطوري استقيظ من نوم ممطوطهء أزيز الأعمدة كزئير الوحوش 
الحادة في مخيلة طفلة» طفق هزيم صراخها أحياءًا أخرىء» بواقع 
الرهبة تحركت قداماها لتتفقد حال جدتها بعد أن سمعت صوت ارتطام 
عال» الجدة محشورة بين عمود حجري والأرض من تحتهاء يسمع 
أنينها المقطوع» أضرمت اللهفة فؤاد الطفلة» همت بمساعدتها وسحب 
يديها بأقصى ما تختزن من قوة» لمست شلالات من الدم أطراف أصابع 
قدميها تسيل من حول خصر العجوز وأرجلها المدهوسةء أشارت إليها 
بصوت مكلوم بأن تغادر وتنجو بحياتهاء فتدفق المطر من عيون الطفلة 
وتنادت طالبة المساعدة» وصباحًا باكرا حيث ينام معظم من يقطن 
بظهرهاء عانقت الأرض من تحتها وظلت للحظات نصف نائمة حتي 
لمست نزيفا سقي حصيرًا من القش تقبع عليهء أسدلت الشمس كامل 
الشعاع الذي يحوي شيئًا مجهول» ما كل تلك الفرشات الصفراء التي 
تشع ضوءًا ذهبيّاء حاولت أن تمسك إحداها ظننًا بأنها قد تأخذ بيدها 
لتنقذها من وكيع عجز أصاب أوصالهاء تسلل الاستسلام لداخلهاء تشفى 
منها الألم» حتى سمعت طرق باب» أحدهم تحرك لإنقاذهم» وعلي 
صوت الأمل» اسودت الدنيا في عيونهاء غابت عن الحاضر. 
2F 2F 2F 2F 2F 2F 2F 2F 2F f‏ 


ارو ا وا لوحال ذاف الوان :مبهحة و و 
قطنية مريحة الملمس تغطي المريضة» رباط أبيض يغطي معظم 


١15 


جسدها النحيف» مومياء التفت بذلك الغطاء ليحافظ على جسدها لقرون 
طويلة» أبَا يمسك كف يدها يغرقه بدمع سحبه الحزن من جوف داخله 
عنوة» طبيب يتفحص تلك الأشعة المقطعية التي ناولته إياها تلك 
الممرضة الحسناءء ليختلف هدوء ملامح الطبيب مدققًا النظر في نتائج 
الحادثة» وما هي إلا دقائق حتى تمتم ببعض الكلمات بينه وبين 
الممرضةء فاصطنت إليهم الأب المسكين. 

- كسور في أسفل العمود الفقري» مع قطع في الحبل الشوكيء مع 

شرخ بسيط في الجمجمةء مع الأسف لازم تتحجز فترة معانا. 
بعدما طرأت على مسامعه تلك الكلمات زعر الأب المكلوم ... 

- هي حالتها خطيرة يا دكتور؟ 

- بنتك اتكتبلها عمر جديدء عندها ارتجاج في المخ» دخلها في 

غيبوبة» وفي حاجة لازم تعرفها. 

- خير يا دكتور قلقتني ... 

- طب اتفضل أقعد ... 
كان يجد الأب صعوبة في بلع ريقه» ووجهه كان أصفر عابس. 

- بنتك للأسف اتصابت في الحبل الشوكي؛ وده هيبقى ليه تأثير على 

الأطراف. 

- يعني إيه؟؟ 
سكت الطبيب فلم يشأ أن يكمل كلامه المزعج لتفاصيل وجه الأب .. 

- أنت قصدك بنتي اتشلت؟!!! 
أمسك والدها بلطو الدكتور بين يديه» ليحتكم في رقبته» ليسحبه إليه 
ويعنفه بقسوة شديدة .. 

- أنا بنتي هتمشي زي كل يوم ... أنت فاهم. 

- أنا مقدر موقفك هدي نفسك يا حضرت. 


11۷ 


حاول الدكتور في أن يفك أصابع يد الوالد الباطشةء في ذلك الوقت 
جحظت عيون الوالد رعبّاء أفلت البلطو من كلتا يديه» ووضع الأب يده 
المرتجفتان على رأسه متخلا بأصابعة خصلات شعره الذابلة أطرافها 
مرَّآء ناظرًا إلى الأرض المتحجرة تحت أقدامه» جالسًا في وضع 
البؤساء» حاملا الأسى على عاتقه» يثخن الحزن ويبقي جرح لن يندمل؛ 
فتدفق من عيونه وابلّا على ابنته التي كانت تبقي بريق العالم ينحني 
نحوه» تلك الفراشة التي تجول مناسك حياته» تتعطش لوميض من 
الأمل؛ الآن لا يوجد غير إله يدعو أن يكتفنها برحمته ويخفف مرضهاء 
كم يعز عليه أن يشحب وجها توهج بضوء الجمال» أو أنامل تخطف 
أبصار من حولها تحركاء أخيرًا يسجد إلى الأرض ليبث ترابها بعنف 
أنفاسه المترددة دعاءًاء يستجدي رب السماءء ومر أربعة أيام وشاء 
القدر أن يفتح عيون وصدت جفونهاء حتى تلاقي مصيرًاء في باديء 
الأمر ما لفت نظرها هو المكان الغير مألوف» وعندما انتبهت لنفسها 
بدأت في تذوق للمر طعمّاء فناقشت من يتكأ بجانبها اشتياقًا. 

- انا فين؟؟ 
لم تجد ردًا من أباها غير نوح عميق ليشير عن فاجعة حالتهاء حاولت 
أن تحرك قدميهاء الفشل يتيبس بهاء أرتعدت فرائصها وصرخت تنادي 
جدتها التي لم تكن تعلم بشأن وفاتهاء نطق الأب بالكذب المبرر ... 

- إهدي يابنتي جدتك نايمة في الأوضة اللي جنبنا. 
فقالت بعيون دمعة ... 

- أنا عاوزة أشوفها. 
ملأت الشفقة عيون الأب؛ فما إن سألت آية سؤالها البريء حتي انقطع 
صوت الوالد بشهيق وزفير متسارعين ... 

- بابا أنا مش عارفه أحرك رجلي؟؟ ... قالتها بعيون دمعة. 

- عشان بس أنتي تعبانة. 


١1١8 


- أنا مش عارفة أحركهم ومخنوقة أوي. 

أمسك الأب يد ابنته فبات يقبلهاء انهمرت دمعتين من عيونه غصباء 
شوو وقح و مقرل حدما ای للها إن تمتكين على 
ذلك الكرسي ذو العجلات اللامعة والتي كانت تشاهده في أفلام السينماء 
ارتجفت وسط صقيع من المخاوف» وتساءلت عن أسباب ا 
لهذا الكرسيء والإجابة الواهية بأنها فترة مؤقتة حتى ينقشع المرض 
عن بدنهاء فطاب خاطرها ابتلاعا لما هو كذب» ومع مرور الوقت بدا 
أنها تيقنت أن هذا الكرسي هو قداماها العثرتين. 

رضت يكاليا الها اننتكل ذلك »الركتى قاد ,عافت:: إلن المدوسة 
بعد إجازة مرضية وافقت عليها الإدارة» وجدت عيون الناس تغيرت 
منذ آخر يوم لها هناك› مما آذى مشاعرها كثيرّاء كم من أطفال 
يعرفونها صاروا يتغامزون على حالهاء وكم من مدرسين يسألونها عن 
حالها كأن العمى قد صاب جفونهم ولا يرون بأم أعينهم حالها المتفاقم؛ 
امسو لدي ا اي 0 
أكثر بعجزها المستفيضء فأبيها يقف خلفها ليساند ضيقهاء يستجد 

الأمل بأن تسترد عافيتهاء عجزها يسوق الدلال عليه تجازى 0 
القدرء أول أمانيها أن تغادر المدرسة والحيء ما يأرقها غير تذكرها 
لوجوه تلوي معدتها اشمئزازّاء نظرات حملت للشفقة دلائل» حملقة 
منافية للاندهاش» تعني ما أقبح حالها المعهود» داخل مريضء» عجرفة 
تحمكت في أنوفهم رغم طفولتهم» ومع انتهاء باقي العام الدراسيء الذي 
أشبع جانبها المشطوط ارتضى الأب أخيرًا بوسيلة الإشفاق على طلب 
قد یز عجه» حيث مكان عمله القريب من كعوب قدميه؛ تعود سنين على 
بيئة عايشهاء والانتقال لا بد منه وأمرًا يجب تحقيقهء والمعارف الوطيدة 
تحل ألغاز الحياة» اتصال ثم اتصال حتى نال مكان بجانب بيت جدتها 
المنهار» على حسب طلب الصغيرة» بيتا مهترئ ولكنه عتيق» لديه 
زخارف منتصبة على الواجهة» زخارف تشبه زخارف العصر 


۱۹ 


الروماني» تشابك به نبات اللبلاب صراعًا ليتشبث بأعمدة مزخرفة 
كللت مقدمة البيت فكان يتكون من دورين متصلين بسلم داخلي» وفي 
الساحة الداخلية حديقة بها ورودًا ذبلة ومقطعة تنام على الأرض نومّاء 
هجران السنين» في المنتصف نافورة مردومة بالتراب تراكم عقود» في 
للداخل قال والدها: 

- في تلات أوض تعالي نشوفهم عشان تختاري واحدة ليكي. 
فأشارت آية بسبباتها ناحية السلم ... 

- وفي الدور اللي فوق موجود كام أوضة؟ 

- عاوزة أشوفهم. 

- أوك اختاري الأول أوضتك. 

- لا عاوزة أطلع فوق الأول. 
تعجب الوالد ... 

- أوك. 
حملها أبيها على يديه متسائلا في أعماقه؛ فنادى الخادمة: 

- وفاء ... هاتي الكرسي وحصلينا على فوق. 
كان الدور العلوي لم يجهز بالكامل فبعض من الأتربة تعانق أكسجين 
الغرف» التماثيل البيضاء التي تكلل الممر لبست زيًا أصفرء بدأت في 
دخول الغرف غرفة غرفة كي يتاح لها المشاهدة» وما إن دلفت أول 
غرفة كانت لا تحوي سريرًا إنما كان يتخللها صالونًا مكون من كنبة 
وكرسيان مدهبان» كلاسيكي المظهر» من عصور وسطى» تتأمل ويكتم 
فمها صمتا مهيب وأباها يراقب تصرفاتها في ريبة» حتى دلفوا الحجرة 
التالية» كانت تحوي سفرة كبيرة مكونة من ثمان كراسي ويقطن في 
وسطها حامل شموع نحاسيء وفي آخر الغرفة شباك يسمح بدخول 
شمس الظهيرة عبره» ولوحتان قديمتان تقطنان حائطان متقابلان» 


١ 


يحملان نفس الصورة» صورة لطفل يعانق أمه» ويرتدي جلبابًا رمادي 
وبشرته السمراء توحي بأنه من أطفال النوبة» وفي أقصى الممر 
الخارجي كانت هنالك غرفة انتقلا إليهاء كئيبة تحوي سريرًا عجوز»ء 
سريرًا لا ينوي أن تطول فترة نصابه» ودولآبا يؤنس وحدته في الجهة 
المقابلة من الغرفة» وشباكًا لا يزوره شمس صيقًا ولا شتاءً؛ نظرًا 
لشجرة عتيقة كثيفة الورق تحجب معظم الضوء عن كل ما في الغرفةء 
وأثناء تفقدها تلك الغرفة قالت في هدوء ... 
- هي ديه. 
تعجب الأب قائلا. 
- هي ديه إيه؟!! 
- عاوزاها تبقى أوضتي. 
حاول تغيير موقفها فقال: 
- بس يا بنتي زي ما أنتي شايفة إنها أوحش أوضة هناء مش شايفة 
إنها كئيبة» ولا بيدخلها شمس على فكرة» أنا حضرتلك أوضة من 
التلاتة اللي تحت وملحقتش أوضب بقيت الأوض. 
قالت بوجها عابس: 
- لا دي عجباني. 
تعجب الأب لأمر ابنته» فالتفت الأب لوفاء الخادمة التي تقطن 
بجوارهما ... 
- حاضرء فضي الشنط بتاعتها هنا ... لا ... قبل ما تفضيها 
وضبي الأوضة أكتر من كده. 
وفي صباح يوم مشرق هب النسيم على وجهها حاملا لأصوات الغربان 
الحادة» يخلو من زقزقة عصافير وحفيف أشجارء فأغلقت وفاء شباك 
الفال السيء» وانتبهت لاستيقاظ سيدتها فقالت في هدوء: 
- باباكي عاوزك تحت. 
فقالت بعيون كئيبة: 


PS 


- أوك نزليني تحت. 
حملتها وفاء على ذراعيها وأراحتها على كرسيها المتحرك لتجوب بها 
الممر وعندما وصلت إلى السلم» تفوهت الابنة بالغريب من المطالب 
كعادتها بعد مرضهاء فعندما طفقت وفاء في أن تحملها قالت: 

- لا متشلنيش ... نزليني بالكرسي على السلم. 
تعجبت وفاء لترد في خنق ... 

- إزاي يعني؟!! 

- زي ما سمعتيني ... نزليني بالكرسي على السلم. 

- أنتي كده هتقعي. 
ردت آية في تسلط: 

- ساعتها هيبقى غلطتك وبابا هيطردك» وبرضو لو مسمعتيش 

كلامي هخلي بابا يطردك. 
استجابت وفاء لطلبهاء فحذرت أن تنزلق العجلات على السلم الخشبيء 
سيدتها من اختارت أن تكون حجرتها في الأعلى» إضافة إلى ذلك 
جنون مطالبهاء لاقت الخادمة مر الإفراط في الخوف» مع أدرينالين 
يعمل في باقي أطرافهاء عملها قد يفنى لسقوط واحد أو أذى بسيط يلحق 
بالفتاة» ورغم أنها سليطة اللسان إلا أن فاها بات منغلق خوفًا من قطع 
الأرزاق» فكم كانت تلعن أسيادها السابقين» هي معتادة على مجالسة 
كبار السن واستغلال ضعف السمع لديهم كي تخرج طاقاتها التمرديه 
في السب وإلقاء اللوم على الفقر المتحجرء وفي النهاية لاقت هدوءًا مع 
مالا وفيرًا أخر كل شهرء فأسكتت فمها وتفانت في عملهاء وحينما كان 
الوالد يتفحص الجريدة الصباحية ويحتسي فنجان قهوته النصف باردء 
سمع صوت ارتطام العجلات بالسلم الخشبي فنظر من تحت نظراته 
على الموقف وحيثما أرسلت عيونه إشارة إلى مخه بجنون فعل 
الخادمة» فز الأب من موضعه متجهًا إلى السلم ويحجز السباب بداخله 
لقد اجتازت أكثر من نصف السلم» فعنفها قائلا: 


۲ 


- إيه اللي بتعمليه ده إنتي اجننتي» لو مش قادرة تشليها قوليلي وأنا 

آجي أشيلها. 

- والله هي اللي طلبت كده حتى أسألها. 
سكت الأب لبرهة متابعًا آخر ثلاث سلالام تتخطاها العجلات فوجه 
كلامه لابنته ... 

- بجد الكلام ده؟!! 

- ينفع كده يا حبيبتي؟! 
لم ترد لتنظر إلى أبيها نظرة لوم بائسة كأنه سببًا في حالتها »تناول الأب 
مقبضي الكرسي من الخادمة قائلا 

- وفاء روحي أنتي ... تعالي يا آية نتكلم سوا. 


سحبها أبيها لتقابل الكنبة التي كان يتكأ عليها قبل نزولهاء فأمسك كتفيها 

ناظرًا إليها في حب وفيض ... 
- يا بنتي أنا عارف إنك تعبانة ومتضايقة ... نفسك ترجعي تمشي 
وترقصي زي الأول ... عارف كل اللي بتحسيه» بس ده قدر ربنا 
كتبهولناء منعرفش القدر ده هيتغير ولا هيفضل زي ما هوء المهم 
جواكي ميتغيرشء التربية اللي والدتك ربتهالك الله يرحمها 
متتغيرشء خليكي دايمًا فاكرة إن ده اللي ربنا مقدرهولنا ومهما كنا 
بنقول عليه شر ... فهو أكيد خير ... وبنفهم ده في الآخر. 

كانت تنظر إلى الأرض دون أن تتفوه بكلمه تسقي حزن أبيها عليهاء 

حتى لمس ذقنها رافعًا وجهها إليه» الدموع قد أحاطت حدقاتهاء فاقترب 

منها أكثر حتي التحم حضنيهما سويّاء فقال في صوت أجهش بكاءًا ... 
- حبيبتي إحنا بعد ما تخلصي دراسة السنادي هنسافر لندن عشان 
تكملي علاجك. 

الفرحة جاءت سريعة لتحتضن ملامح وجههاء لتجحظ عيونها قائلة: 


VEY 


- بجد. 
- أه يا حبيبة بابا. 


2F 2F عد عد كد‎ f 
شيئا فشينًا يتجلى الحي القديم المهترئ» وأثناء دلوفهم دائمًا بالسيارة لا‎ 
يجدون متسع في الشارع لمرورها؛ فكان الأمر إلى السائق بأن يبحث‎ 
عن مكان لتحتضن بعرضها أي ركن هادئ بأحد الأحياء المجاورة‎ 
الجميع يرمق ببصرة إليهم في تعجب مديد فما أتى بهؤلاء الأثرياء إلى‎ 
بر االحرمان الکن غار والتحكن ضم ويكويجة: رن هناك من فنع‎ 
الشبابيك ليرى مصدر العطر الفرنسي العالق بفردين وخادمتهم»‎ 
وعيون شاخصة ترقب مرور آية من تحت الشباك الخشبي المتكسر‎ 
والمخلوع ريشه فما كانت تندرج ريشة خلف الأخرى كطبيعة الحال؛‎ 
بل خالفت بعضهم مواقعهاء وجهات المباني لمن يسمع لكل هذا وصقاء‎ 
يبدو أنه هو الطوب الأحمر المتآكل والغير مدهون بأي طلاءء ألوان‎ 
جوف فرن فلاحي في بلد ريفية لأسرة متواضعة»ء وتابعت العيون رصد‎ 
الزائر الجديد» كان من ضمن تلك الحدقات المحدقة» حدقات طفل‎ 
صغير يسكن في الدور الأرضي في إحدى البيوت قريب من البيت‎ 
المنشودء عينان نظرت إلى أعمق من عجزء إلى داخل قويء ولم‎ 
تحمل للشفقة غرائزها كباقي من يراقبها منذ أن اخترقت الحي» هو‎ 
الوحيد بين الأطفال والشباب والعجائز من لفت نظرها وأشعل فتيلة‎ 
مجهولة المعنى في قلب بريء» خصوصا بعد ابتسامة لم تلحظ نهايتها‎ 
إلا بعد أن انغمر في الخجل وغرس رأسه للأسفل ليحول بينه وبين آية‎ 
الجدارء وما إن تابعت الوفود حتي مسكنها الجديدء إلا أن رأسه ظلت‎ 
ل عى متها الكتوف لفط اسل وتر الكاتيرات كط‎ 
الأحداث للأذهان» ومع تقدمهم نحو البيت يسطع لمعان المفتاح الذي‎ 
أخرجه الوالد من جيبه كي يفتح الباب» ويخرج الهواء العطن من‎ 


٤ 


أحضان المكان الذي لا زال أثره موجود من أول زيارتهم» ويفيض 
برائحته فيغطي بعض الشيء على عبق روائح ملابسهم» ولكن بات 
تركيزها على ديباجة فنان الديكور الذي أحضره أباها حديثا لتحديث 
حوائط أعدت خصيصا للاستقبال في ألوان من البهجة» غرفتها كانت 
في الزي الروزي كما طلبت بعد رضىء لكن أصرت أن تكون نفس 
الغرفة في الدور العلوي» يعلق بها بعضًا من اللوحات الفنية لمناظر 
طبيعية لجبال الأنديز» وأخرى عن طفلة تحتضن كلبها الصغير زو 
الفرو الأبيض يشبه صغار الماعزء فتراجعت ذاكرتها لأيام مضت عن 
ماعز صغير يدعى "لولو" وعن جدة كانت تلومها قبل أن تفارق 
الحياة» آلام الصدر مبرحة:» الواقع الأسود بدا واضحًا حتى مع ضوء 
النهار» لكن بصيص من النور المتجلي في وسط الطريق» طفل صغير 
يدعى عمرء فبعد أن تقدمت إلى المدرسة الجديدة التي لا تقارن 
بسابقتهاء فإن لديها ارتياح في هذا المكان حيث المعاملة المختلفة» ولا 
تعلم سر ذلك» فأبيها دفع أموالا كثيرة كي تعامل ابنته معاملة جيدة 
كباقي الأطفال دون أن تشعر بعجزهاء ووصى المدير في إسعافها في 
أوقات اللزوم فإنها تحتاج إلى معاملة خاصة» فحضرت الطابور 
المدرسيء بل شاركت أيضًا في الإذاعة الصباحية مع الطلاب في مثل 
سنهاء بدا إحساسها بالفارق معقول» وما كان يغضبها غير شيء واحد 
عندما يساعدها أحد في أمرًا قد تقدر أن تسعف نفسها فيه» فيشعرها 
بالتعثر» وحال عن حال يبرزء فرغم كل هذا فالراحة تخلد في وعاءهاء 
عسف بها الاختلاف» الفصول ليست كالسابقة» حوائطها لم تشم الطلاء 
فناء المدرسة السابقة» ورغم كل هذا تكتشف حقيقة لم يلتمسها من هم 
أكبر سننًا منهاء السعادة ليست بالمال» فما إن يحتضنك بيت في أفقر 
الأحياء وتجد قوت يومك» خيرًا من أن تتمدد في قصر من الألماس 


1° 


2F 2F 2F عد عد‎ f 
الأشباح كلمة روي عنها في روايات عدة» من بينهم روايات شكسبير‎ 
ومسرحياته» و أفلام السينما المرعبة تحكي عنهاء وهذا الحي ود أن‎ 
يناقش بعض الإشاعات المرضية المتكومة في العقول» والمتراصة في‎ 
قلوب الضعفاءء وأقاويل تناقلت بين ألسنة المرضىء حتى عند زيارة‎ 
الأخت الكبرى فاطمة للبيت بعد سفر طويل» قصدت المعاونة من أحد‎ 
الأطفال المارة في الحيء فالنتيجة كانت بسؤال عقيم» "أنت قصدك بيت‎ 
الأشباح"» ويبدو أن من يرتعش لمقولة عابرة كهذه» ليس بعقل الأخت‎ 
الناضج فبادلته الاستغراب» تابعت وصولها إلى مقصدهاء المكان‎ 
الغريب المذكور عنوانه في الخطاب يثير الدهشة لدى فاطمة» تناولت‎ 
الاقتناع بملعقة القلق» وما هي إلا الوهلة الأولى حيث دلفت إلى البيت‎ 
المقصودء تفاجأت من وضع أختها الأصغرء الخطابات البريديه القادمة‎ 
من والدها لم تحسن للأمور وصقاء خافت أن تتجرع الصغيرة كلمات‎ 
المواساة الكئيبة التي تذكرها بحالهاء ومع ذلك أثر في نفسية آية الشهيق‎ 
المدعوم بجحوظ جفون فاطمة المبتلة» والأحضان التي تعقبها المرارةء‎ 
وأسئلة تود أن تسرق إجباتها سريعًا من ألسنتهم» الوالد هو من تحمل‎ 
شوك الرواية» هو من يأسى لرؤية عروق العيون الحمراء التي أخذت‎ 
طريقها أنهار صوب حدقة طفلة» دون دموع» استكانة لعذاب النفس»‎ 
جذب فاطمة بعيدًا ليكمل الحديث» عيناه ترمق سلوك ابنته الصغيرة‎ 
اتسدل شذزها على وجهها كستائر حاخية: خصللاتها الناقية ارقاحت‎ 
على كتفيهاء مؤازرة لهاء لا يلاحظ أحد أناملها المرتعشة» تسعران بالدم‎ 
المتردد» أحجية السحر الأسود التحقت بهاء نظرت نظرة وغد منتصر›‎ 
تابعت النظر إلى قدميها وانتفضت انتفاضة محارب» تناوبت الضرب‎ 
على ساقيها بقوة» صرخات ذبيحة منحورة: أظافرها تكوم باقيا الجلد‎ 
المخدوشة تحتهاء أمسكها الوالد وفاطمة للحد من روعهاء لم تهدأ الفتاة‎ 


١5 


رغم تحكم الأب في جسدهاء تتلوى وتصرخ صرخات مدويةء وكان هنا 
وقتا للتذكير بالوعد المنحوت في الذهن والقلوب» السفر إلى لندن كي 
ل la. I‏ أثرها حقنة من البنج 
الكلي انسابت أطرافها العلوية ولم يصب أطرافها السفلية بشيىء 
الاسترخاء شيئًا فشينًا بين ذراعي الوالد وقبلاته الحانية المعهودة 
وأخيرًا أراحها على ظهرها في سرير من الأمان في نهاية الأمرء لتغط 
ليلتها في سبات غير معلوم وقته» كم عشق أن يرى ذلك الوجه البريء»؛ 
بل ويلمس وجنتيها مجفقًا لهذه القطرات. 
د عاد 2F 2F‏ 

في تلك الحديقة الصغيرة تريح ظهرها على مقعدهاء تشاهد عالمها عبر 
فتحات السور الحديدي المطرز بنهايات نحاسيةء الأطفال في الخارج 
يلعبون الكرة في حماسة لاعبي الأندية الكبرى في مباراة كأس» عيونها 
تلحظ ذلك ليصبها هاجس» سوف تلعب الكرة مثلهم لولا مرضهاء ولكن 
بطبع الفتيات هواهم في دمية قطنية» تعصر بين أيديهم» حتي تتفتل 
وتزول الملامح المصنوعة» أو يتساقط شعرها البلاستيكي المغزول؛ 
إنما يتمنى الأسير ما قد لا يفعله لو كان طليقًاء فتوالت في المراقبةت 
وعيناها لم تتوقف عن متابعة من عاجت به»ء فعانقت الابتسامة شفتيها 
حين لمحته يختلس النظر إليهاء فالطاقة تشتعل في ساقيه حينما وجد 
لنظراته تبادلاء وأصر على أن يحرز هدفًا رائعًاء ليثير إعجابهاء فكرًا 
طفوليًاء خيرًا من سيجارة يرتشف منها دخاتًا ليبهر صغيرة بطرق 
الرجولة الرتيبةء فانحازت لطريقته فصارت تقتطف من العشق وريدات 
مشرقة»ء بأوراق حمراءء أماني غير مسبوقةء في غياهب عقلهاء حلمًا 
واشق» تتنازع عليه بين عقلها وقلبهاء فما اعتراها ليس بالأمر الهين» 


1۷ 


فتظن بأنه المستقبل فاحم؛ ولكنها ما زالت تستجدي الزمان سلاح يزهق 
همومها العصماءء ويبدو أنه ذلك الطفل المفعوم بالطاقة النقيةء يلعب 
ويخطو ليبهر معشوقته» وعندما أطيح بالكرة خارج نطاق اللعب 
ودخلت الردهة الواسعة للبيت العتيق» بدأ الخوف يساور جميع الأطفال 
فبعضهم من صرخ وقال "الكورة في بيت الأشباح". 
تلك الجملة قذفت في قلب المراقبة رعبّاء فبيتها قد يكون مسكون فتملك 
الخوف من قلبهاء حتى عنف حبيبها قول أصدقاءه» قائلا في فم الواثق: 

- أنتو كبرتوا على التفاهات ديه. 
ربما كان يريد أن يتسلح بالشجاعة؛ شيمة الرجالء ليبهرها مرات عدةء 
فهدأ روعها بكلماته» فحركت آية الكرسي بطرفيها العصويتان» تنحت 
في الجبل لتدير العجلات من وضع السكونء تناولت الكرة من الأرض 
لتقذفها بيديها بعيدًا عن الأسوار ليتلقاها الحبيب على صدره مبتسما لها 
بمعنى الشكرء ليتابع أهدافه المتلاحقة على المرمى في تألق غير 
مسبوق. 

. FF FR f 


لم تنم آية ليلتها خوفًا من الأشباح الخرافية التي تحلق فوق فراشهاء لا 
أحد يصبرها على الأمرء تذكرها لكلام عمر المتزن» أظهر من الحكمة 
مقدار أكبر من عمره. لم يبدو عليه الارتعاد كباقي زملائه» ومع ذلك 
في بعض الأوقات تتخيل أن التحف الحجرية تلوح لهاء والسرير 
يرتعش معها خوفاء حتى مقبض الباب يتلوى ويصدر أزيزًا مرهقاء 
فجأة فتح الباب تخر ج من خلفه يدا سوداء تعيث علئ الخائظ كي تضل 
إلى زر الأنوارء أطلت رأس سوداء يحفها شعرًا وبري بدا متكومًا في 
اف افا وخ مذ عون .يزيد أن اه ارك الا اا 
فانقبض قلبها وتجمد الدم في عروقها وصار سيله بأوردتها مثل 
الحصى الرملي سائر في ماسورة لايتجاوز قطرها واحد مليمتر» شعر 


رأسها الذي نهض من نومة استكشافًا للحقائق في رعشة وميضية 


۸ 


والمراقبة تحت غطاء صوفي من فتحة لا تتجاوز سينتميترًا واحدا 
صنعتها من كرمشات غطاءهاء ومع إضاءة صفراء ضاقت حدقة 
عيونها بعد اتساع» سرعان ما هدأت كل أوصالها بعد أن تعرفت على 
هوية فاتح الباب» إنها فاطمة أختها نوت أن تنام وسط أحضانهاء 
فطردت الهواجس» مما أتاح الارتياح بأن تفصح آية عن ما في صدرها 
من مخاوف. 


وها أن ار تحت اة ا اا فقا ی خرش 
- فاطمة ... عاوزة أسألك سؤال. 
- أسألي يا حبيبتي» قالتها وهي تملس على شعرها في حنية. 
- هي الأشباح اللي بنقراها في القصص موجودة فعلا؟ 
- مفيش حاجة اسمها أشباح ... كلها اختراعات مؤلفين روايات؛ 
وليه بتسألي السؤال ده؟ 
- أصلهم بيقولوا إن عندنا أشباح. 
- أااه أتاري في ولد صغير سألته على البيت وأنا جيا قالي تقصدي 
بيت الأشباح» لا ياحبيبتي متقلقيش من حاجة» هبات أهوه معاكي في 
الأوضة النهاردة وعلى نفس السرير كمان» مبسوطة كده. 
- أه» قوليلي يا فاطمة هو أنا ممكن أرجع أمشي تاني ولا بابا بيقلي 
كده وخلاص؟ 

تستخدم الرقة لتغيير نظرة الكمد لأختها ... 
- يا حبيبتي لندن عندهم الطب متقدم جدَاء فلازم يكون عندك أمل» 
وأنا حساكي فقدتي الأمل ... ليه ... مش أنتي اللي تستسلمي لليأس 


8 


كده» أنتي بنت متعلمة وجميلة وعارفة إن طالما ربنا موجود هيبقى 

في أمل» صح ولا إيه؟ 

- أه صح. 

- أومال إيه بقى!! يبقى إن شاء الله نسافر لندن ونتعالج ونبقى أحسن 

من الأول» صح ولا لأ؟ 
قالت في صوت حزين: 

- أه صح. 

- ونرجع نرقص باليه زي زمان ... بابا كان بيقلي إنك موهبةء أنا 

عاوزاكي تحكيلي حوار البالية ده. 
فطمئنتها الأكثر حكمة بلسان عذب ووعدتها بأنها لن تنام وحيدة بعد 
اليوم» فتبدلت ملامح الذعر لدى المرعوبة بعيون ناعسة وفم متثائب؛ 
ولم تستيقظ إلا في يومها التالي. 
بعد حوالي شهر من عامها الدراسي الجديد جاء أستاذ التربية الفنية 
المنتظر» عوضًا عن سابقه المريضء فمن أول العام لم تخطو يداها في 
رسمة ماء ولكن ما طلبه المعلم الجديد جعلها منهمكة في الفن» من أول 
لحظات دخل الفصل عرف نفسه لطلابه ثم طلب منهم أن يرسموا 
موقف أثر في حياتهم» استشعرت أية للمقولة معنى وأضرمت الدموع 
عيونهاء عندما تفانت في عمل ما هو مطلوب» فتذكرها لتلك الفرشات 
ذو اللون الذهبي جعلها ترسمها في لهفة المكلوم» واستبدلت اللون 
الذهبي بالأصفر حيث تملك» لم يكن يرى المعلم علامات الاستفهام أثناء 
تجوله وسط الصفوف إلا مع لوحة آية الغرييةء باقي الطلاب قد رسموا 
أشياءًا متوقعة» منهم من رسم طفل فلسطيني مقتول وسط الدماء» ومنهم 
من رسم طفل يساعد عجوز أثناء عبور الطريقء إلا تلك اللوحة بات 
مندهشًا أمامها من معالم دفينة بداخلهاء وقف بجوارها ولم يتكلم إلا بعد 
أن فرغت من صنعهاء الغريب في الأمر أنه يلحظ لمعان الدرر في 


عيونها رغم أن المشهد المرسوم يبعث البهجة في النفوس» حيرة 
مذهول أمام لغز محيرء وما إن فرغت حتى سألها ... 

- معناها إيه الرسمة ديه؟؟ 

- رسمة جت في بالي. 

- بس أنا طلبت إنكو ترسموا موقف أثر في حياتكم؟!! 
لم ترد آية ولكنها نظرت باستكانة مديدة حتى شعر المعلم أنها لا ترغب 
في الجواب» خصوصا ما تردد في ذهنة عن أسباب عجزها. 

2F 2F 2F كد عد‎ f 

تريح رقبتها على الكرسي وتنظر إلى السماء الزرقاء» تلهمها 
بالماضي :الكؤن القائه برخ بذ اا اج لنداتها بالدعاء ود من اللد 
لو ترى عمر في لمح بصر حتى» بوق السفينة وصوته الغاشم» رسالة 
تحذرية في موجات صوتيةء تناشد صدرها أنه ميعاد الرحيل» فتنزلق 
دمعتين خارج جفونهاء تحاكي عن فعلة الزمان» قطرات المياه المنفرجة 
على جانبي السفينة بدا لها تحرگاء وصوت البوق المتصل تثقب طبلة 
أذنهاء أبيها يلاحظ ذلك دون أن يشير بمعرفته» على ظهر السفينة 
أسندت يديها على السور الحديدي لتجوب عيونها الشوارع المحيطة؛ 
ومع دموع ونحيب ترائت الآمال في صورة إنسان» "عمر" هذا 
ماتمتمت به فور رؤيتها له» الفرحة باتت تبدو في انفراج فكيها لتظهر 
أسنانها اللامعة كاللؤلؤ انشق بنوره صدفة محكمةء تلوح بيديها ويزجر 
شعرها الرياح بعد تراكمه للأيام على وجههاء تمنت أن ترتجل شعرًا 
مرهق الأوزان» صيحات يعلوها الامتنان» في تلك اللحظات تنبهت 
فاطمة لأفعال أختها الغريبة» وذهبت لتشاركها الأمر ولكن أباها من 
أمسك قبضتها وأشار لها بالمراقبة عن كثب من مكان آخرء فتباينت 
ملامحهم عن سابقتهاء وعلموا بأمر حزنها الحقيقي. 


2 2F 2F 2F 2F f 


۲۱ 


محاولة أبيها في الحصول على ابتسامة صافيةء باتث. خائرة وهانت 
البسمة حتى تفصلت عظام وجهها على نمط واحد» والغريب في 
الموضوع لم تلحظ سوا البحر فطوال الرحلة لم يفارق نظرها تموجاته 
ا 
اقترب أبيها منها كي يبلغ منها حوارء وفي بسمة ونظرة المشتاق قال: 
- إيه الحزن ده كله اللي في عنيكي يابنتي؟؟ 
نظرت آية في صمت» فوضع الأب راحته على شعرها الحريري» 
قائلا: 
- إن شاء الله هنروح لندن والدكاترة هيطمننونا. 
نظرت بعيونها المتفجرة العروق» والأسي ينشب في كل جزء من 
أجزاء وجههاء ثم أومأت برأسها بمعنى للموافقة» وبعد دقيقة من الهدوء 
قالت:»٠‏ 
- بابا إحنا مسفرناش بطيارة ليه. 
- بصراحة مبحبهاش. 
- بتخاف منها!! 
- حاجة زي كده» وبعدين أنت نفسك تركبي طيارة؟ 
- لو أنت بتخاف منها يبقى منفسيش. 
ضحك الأب ممازحًا ... 
- أحسن برضو 
ابتسمت أية ابتسامة مقلوبة» فوجدت من شفتا أبيها تعانق جبهتهاء ويده 
التي أسندت إلى كتفيها أراحت قلبها كثيرًا. 
- عارفة أنا مبحبش الطيارة ليه. 
- ليه؟ 
- كان ليا صاحب زمان اسمة سعيدء كان صاحب جدع كده 
ميتعوضش» مات في حادثة طيارة؛ زعلت عليه اوي ومن ساعتها 
حالف إن رجلي متخطيش باب طيارة أبدًا. 


۲۲ 


- بس لو أنتي نفسك تركبي طيارة هيبقى الموضوع مختلف. 

- إزاي؟ 

- عادي هنركب طيارة» بسيطة. 

- طب مش أنت حلفت؟ 
ضحك الأب قائلا: 

- هصوم تلت أيام علشان خاطرك. 
ابتسمت آية فباغتها أبيها بالقول ... 

- دلوقتي السفينة اللي إحنا فيها دي فيها تلت أدوار» مش عاوزين 

نسيب خرم إبرة إلا لما نروحه؛ إيه رأيك؟ 
وأخير ا ظهر ت أحتاتها التيضاء' اللامعة ... 

EE 

2F 2F 2F SF f 

لم تكن تعلم كم مر من الأيام لتصل إلى أراضي أوروباء ولم توفي 
بذكر باقي تفاصيل الرحلة» كل ماقالته عن جمال لندن لم يتعدى كلمتين 
"أروع المدن"» ولكنها كانت تذكر أحد المستشفيات هناك» عندما اتطلع 
الطبيب على ملفاتها الطبية للنظر لحالتهاء بعد صمت البحث» نضب 
ريق المسكينة» بحثت عنه بلسانها تجد فما مفرغًاء صخر صلد يعبر من 
خلاله أنفاس الملهوفة بشهيق وزفير حادين» عيون متحجرة تسترق 
النظر في هدوءء فجأة قام الطبيب من مقعده وتعابيره لا تبشر بالخيرء 
أمسك أذن أبيها ليهمس همسا خافت» فحاولت أن تستنط لتصل لكلمة 
واحدة تكفيهاء ولكن بعد دقيقة من الحديث تبدو كسنة من اللهفة» تسائلت 
بنظرتها دون أن تنطق بكلمة من شفتيها الزرقواتان كأن دمها قد نفدء 
قابلها الأب في عيون دمعة مقلقة» أدموع فرح تلك؟؟ أم دموع 
الشكوك؟؟» وهمًا قال» فما لسبيل البصيرة سوى التصديق للحقيقة 
المطلقة» على علم شديد بالكذب الداعم للتحايل» ليس ذنبه ولكن حال 


BE 


المكسورة فرض النفاق» أخبرها بأن فترة علاجها سوف تأخذ وقتا 
طويلا لذا كان عليها إكمال دراستها في لندن» وبالفعل التحقت بمدرسة 
هناك لم تذكر اسمها ولكنهاء كانت تجتاز الاختبار بعد الاختبار في خفة 
لاعبة البالية» ونظرًا لعبقريتها المقننة» كانت الأولي في الصفوف 
الطلابيةء ولم تكن اللغة الإنجليزية هموما حاشدةء فلولا فضل الله ثم 
معلمة الإنجليزية التي أطعمتها طلاقتها منذ أن كانت في الثامنة من 
عمرها فلم يكن في وسعها التدارك» وفي أثناء دراستها كانت تخضع 
لجلسات العلاج الطبيعي الصوريء تعلم هذا والنتيجة مازالت تقبًا 
محفورًا في الأذهان» ربما يأتي بصيص أمل بعد أن ظلت بشائر 
الإنذار» وانتهى بها المطاف في جامعة كامبردجء كان يملؤها هواء 
التفاؤل الممزوجة بالبسمة مما أنساها عجزها الرابض» تحايل عليها 
القدر بسحر النسيان فارتضت به ليس عنوة بل ارتياحًا للحال» تساورها 
أفكار غالية تستهوي ذكاءهاء أهدافًا سامية تخطف أنظارهاء ولم تعرف 
النفس الجوفاءء أو الشباب الأهوج فارتدت دائمًا رداء الجدية والعمل 
المرهق. 


۳٤ 


الفصل الحادي عشر 
يغمرها الشوق للتعرف على مقدمات حياتها الجامعية» فمن الناس من 
ظل شاخص البصر إليها يراقب تلك المجاهدة للعلم» يرى تعثرها في 
بعض الأحيان رغم أن مارتينا رافقتها في داخل الجامعة بموافقة 
قانونية» إلا أنها تود أن تبقى وحيدة في معظم أوقاتهاء ترسم شفاهها 
منظر إبداعي مخالف لحالهاء تناقش سبيلًا جديدًا نحو ضميرها 
المنقوش بالأمل» ذكاءها الحاد وقوة الملاحظة المرسخان في عقلها 
ينويان على أشياء لم تعرفها البشرء تعي أن الله دائمًا في عون من كان 
الاجتهاد أصل نفوسهم» فلولا عجزها فلن تطأ قدمها كبرى الجامعات 
في العالم» يتردد في ذهنها اختلاف أحوال قديمة» شرودها يوقظ 
مخيلاتها نحو التعليم المصريء فارق السماء والأرض» وما بالها 
بالانبهار في أول محاضرة لهاء بعد أن استجلبت أفكارها من حقيبة 
الذكريات المدفونة في الفناء ذو الردهة الضيقةء وقت الصيف الهادئ 
المبعوث بروائح وردية تنوي أن تشير عن جمال مرافق الجامعة؛ 
وتشيد بعبق الألحان المغردة بصوت من الكنارياء حتى عم الهدوء ليقدم 
ذلك الرجل الشحيم نسبيّاء ذو اللحية المخروطية المرصعة بشعر أبيض 
تخلل سوادها الكئيب» مرتديًا نظارته السوداء اللامعه» بريقها يخفي لون 
عينيه الواسعتين» شموخه يسير دهشتها رغم أنه لم يصتنعهاء "بل 
ريتشارد" أستاذ دكتور مادة الفسيولوجيء يبدو على ملامحه العبقرية 
المطلقة» نظراته المتعرجة تشير إلى عيون تفحمت في ملاحقتها للعلي 
وشعره المبعثر يمينا ويسارًا يحكي عن تخليه عن واقع الحياة المزعوم 
في المظاهر الخارجية» وهناك بعض الشعيرات البيضاء المتشبثة في 
أكمامه وبنطاله تدل على هوايته الغريزية في تربية القطط الشيرإزاي 
أو أي نوع يحمل نفس الصفة الوراثية» بحثه المتكرر على القلم جعل 
كل من يرى حاله يضحك في صمت الادعاء» وهي الوحيدة من تراقب 
في ابتسامة عريضة كشفت عن ضروس داخلية» فكان مكانها في أول 


° 


القاعة دون أن تلتحق بالمدرجات كي لا تحتاج إلى أحد في أن يرفعها 
إلى الأعلي» دور مارتينا كان يقف عند باب المحاضرة»ء تسند الطالبة 
المجتهدة كشكول محضراتها على فخذيها كي تستطيع الكتابة» وثرثرة 
الطلاب ليس لها حدّء فطرح الدكتور سؤالًا كي يخمد تلك الثرثرة 
الضارمة» ترفع يدها في أول سوال طرحه الدكتورء كان سؤالا ساذجًا 
بالنسبة إليها يعطي انطباعًا لدى الدكتور في أن يعرف من هو واسع 
الاطلاع» لذا علم من هي واسعة الاطلاع فلم يرفع أحد يده غيرها. 
- ما هو علم الفيسولجي؟ 
أذن لها الدكتور في تولي الحديث ... 
- علم الفيسولوجي هو علم دراسة التغيرات الجسدية الطارئة على 
مدار حياة الإنسان» وفيه يتم دراسة وظائف الأعضاء في جسم 
الإنسان في مسارتها الطبيعية» وتعرفنا على طبيعة الوظائف يأولنا 
- أحسنتي ... اسمك إيه؟ 
- أية صدقي. 
- أسمك غريب ... إنتي مش إنجليزية ؟؟؟!!! 
- أنا في الأصل مصرية ومعايا الجنسية الإنجليزية برضو. 
لفتت الأنظار كعادتها في الثقة المتصببة من عيونها وابتسإمتدا الشغفة. 
-تمام» هناك اختلاف بين الفيسولجي والسيكولوجي فالفيسولجي كما 
قالت زميلتكم والسيكولجي هو النقيض حيث الدراسة النفسية 
للإنسان. 
بات التركيز يجحظ عيونها بعض الشيءء ولكن هنالك هدقًا واحدًا يقع 
صوب عيونها المنفرجة» باتت تناشد أعماقها به» حضورها المذكور 
وتفانيها يوضح ما قد تنويه» فتاة تدعى سارة تراقبها في حبكة من 
الهدوء» في المدرج الأول على يسارهاء حتى التقى الوجهان فكانت 
الابتسامة تسبق الكلام» ولم تتحجر ملامح آية في تلك الأثناء» أطلقت 


١15 


بريق أسنانها المشع» وتعرفت إلى سارة» صاحبة النظارات صغيرة 
الحجم والشعر الأشقر المجدول ضفائرء حريرًا حرّاء ليس هذا فقط ما 
يلفت الأنظار إنما زرقة السماء تكورت في شكل عيون وسط بياض 
السحاب» بعد أن لمحت أية شكلها الكامل باتت تقلب الوجوه من حولها 
وتقارن جمال الأخريات في عجلة من أمرهاء فهنالك دكتور يتلذذ شرحًا 
لذا الالتفاف ناحية السبورة كان خير الأفعال. 
2F f f f‏ 

بعد انقضاء المحاضرة دار حوار مع أولى صديقاتها في الكلية سارة 
صاحبة الشعر الأشقرء تبادلا الحديث في الردهة الواسعة أمام قاعة 
المحاضرة؛ تحتضن سارة كشكولها بين صدرها الشبه عاري. 

- أنا سارة. 

- وأنا آية ... أهلا بيكي 

- فهمتي حاجة؟ 

- أه ... الدكتور شرحه حلو أوي. 

- مفهمتش حاجة» مركزتش أوي. 

- منا أخدت بالي إنك كنت بتتعرفي على أصحابك الجداد. 
قالتها آية بعفوية ممازحةء فقد أشارت بكلامها بذلك للفتى ذو الشعر 
البني اللامع الرابض بجانب سارة والمنزلق في المدرج ويضع سماعة 
في أذنه اليسرى يسمع فيها أغاني بوب. 

- قصدك ديفيد؟ ! 

- معرفش أسامي حد. 

- هو أكيد ديفيد لأني معرفتش غيره النهاردة ... اتعرفت عليه قبل 

ما أدخل المحاضرة. 

- كويس. 
اقتربت سارة مع وضعها يدها قرب فمها لتغطي تحركه فهمست في 
أذن آية: 


۳۷ 


ادف كد 
قالت سارة في حماس ... 

- حاساه أحلى واحد في الكلية كلهاء چنتل» بجد يجنن» تخيلي ده 

حجزلي مكان جنبه من غير ما أطلب منه. 
كان يشوبها الارتباك عندما تتحدث عن الجنس الآخر. 

- طب كويس. 

- أنت شكلك معجبة بالدكتور اللي كان بيشرح؟!! 

- شكله عبقري. 

- مكنتش أعرف إنك بتحبي العواجيز. 
قالتها في جو من المرح» فقالت آية في شيء من البساطة: 

- لا بحب العلم بس ... وأنا جاية هنا عشان أتعلم. 

- إذا كان كده ... أتمناك التوفيق. 
قترب في تلك اللحظة ديفيد المشار إليه في حديثهماء يحمل عيوتا 
متفحضنة لفات لم ترخا كلك الشات ذو النظزات العائرة: مضع ينه 
في جيبه ويرتدي عقدًا من الخرز الأسود يخفي معظمه داخل التي 
شيرت الأبيض الذي يحمل صورة جيتارء عيونه المشدوهة وسط النظر 
على المؤخرات كي يلقى نصيبًا من المتعة» حتى وصل إلى مبتغاه 
بناررة.ضاحية 'الجمال” الزناقي» والملايسن المشتوحةه فترتدي فا 
يظهر جزءًا من صدرها الصغير تجملاء ويمسك فخذيها شورت جينز 
بالكاد يغطي عشرون ستتيمترًا من أرجلهاء على نقيض آية التي ارتدت 
فستانًا لا يظهر من جسدها شيئًا بل كان أقرب إلى رقبتها المرصعة 
بعقد ذهبي» بل و يمتد فستانها كي يخفي ركبتيها الخاملة» وعلى الرغم 
أنه كان على مقربة من آيةء تجاهلها وسلم على سارة» حتى سارة 
الشعلت: ولح سه الختا الخنيدة» كان على 'آية"الانسحاب بخاضة 


۸ 


بعد أن تفحص وضعها العاجز في طريقة استياء غير مرضية لهاء 
وهمت في تحريك الكرسي في يأسّا. 
f‏ د 2F 2F 2F‏ 

تقف في وسط الفناء في أوقات الاستراحة» الهواء يغدو ليعبث بشعر 
الجميع» المقاعد الخشبية ذات اللون البني تحيي الطلبة والطالبات» 
الأغضان مالت لتضلل أشعة الشمس المنبثقة» الفتيات الجميلات يلتف 
حولهم الشباب ومنهم من يعيش حبًا واضحًاء وآية تلملم بقايا غدائها في 
كيس بلاستيكي وتلقيه في سلة القذورات» ترمق لمن حولها في دهشة 
الوحدة» تسطحت الدموع عيونها وأثخنها الجرح» لولا عجزها ما لم 
تلبث هناك وحيدة» أمسكت قدميها وبالغت في نبش جلدها مخترقة زيها 
بأظافرهاء رغم حزنها حاولت أن تستيقظ من حالة اليأس» فتحاول إقناع 
ضميرها أن عليها الاجتهاد» تعبث بأوراق المرجع الذي تحمله في 
يدهاء مقلبة إياه في سرعة المربوك حتي عيونها تقتل الكلمات ببشاعة 
قاتل مأجورء محاولة ليست مجدية لتصبير النفس المطعونة»ء لولا كف 
الدكتور ريتشارد التي ربتت على كتفها لأغرقت ملابسها دموعًاء فقد 
لاحظ الموقف وقابلها بابتسامته الطيبةء فأخبرها قائلا في هدوء بعدما 
مسك ذراع النظارة ليعدل وضعها المنزلق علي انفه... 

- ولا يهمك ... تحبي تشوفي المعمل الخاص بيا. 
فاقت آية من شرودها قائلة: 

-أكيد. 

- طب تعالي معايا. 
ومن أول وطئة قدم ذاب حنينها وشوقها لخوض التجارب» الأوراق 
المبعثرة والأنابيب الزجاجية التي يتخم بها المعمل في صورة فوضاوية 
بعض الشيء» معادلات كميائية مكتوبة على السبورة شبه بيضاء من 
كثرة الكتابة» الشبابيك محكمة الغلق» بعضًا من المحاليل المسكوبة على 


۳۹ 


الأرضيات» كل هذا كان له الوقع النفسي عليها ليتأملها ريتشارد قائلا 
في فخر: 
- هنا بقى بعمل كل أبحاثي ... خلاصة خمسة وتلاتين سنة. 
ردت آية بذهول وبعيون تجوب المعمل من كل أركانه ... 
- رائع. 1 
ينظر من فوق نظارته إليها قائلا: 
- أنتي أول شخص يدخل معملي بعد بنتي ... حاسك مختلفة عن 
زمايلك ... وده اللي دفعني إني أجيبك هناء شايف الطموح واضح 
في عنيكي» مش كده ولا أنا نظرتي غلط؟ 
أغلقت عينها في نصف غلقة وتابعت النظر إلى قدميها ونطقت في 
رأس منكسة ... 
- لا أكيد عندي طموح كبير كمان. 
- وأنا هنا أساعدك في طموحك وأتمنى تكوني المساعدة بتاعتي ... 
خاصة بعد ما راحت مني ... بنتي 
قالها مجففًا لدمع حاول الظهور من تحت نظراته فقال: 
- وعلى فكرة هي كانت شبهك ... وأنتي بتفكريني بيها أوي. 
ابتسمت آية متسائلة في تعجب لتنظر إلى قدميها ... 
- حضرتك ممكن أبقى المساعدة بتاعتك إزاي؟!! 
- لا متخافيش أنا متأكد إن وضعك مش هيعيقك ... العجز يابنتي 
هنا وهنا (أشار إلى قلبه وعقله) ... أنتي برضو هتبقي تلميذتي في 
نفس الوقت ... ومن دلوقتي تقدري تدخلي المعمل زي ما تحبي› 
وفي الوقت اللي يريحكء المهم تعالي أوريكي حاجة. 
اتجهوا إلى حيث يقطن قفص في هدوء على منضدة هادئة» يحوي فروًا 
أبيض في أسودء وعندما وضحت الرؤية اتضح أنه قط شيرازي أزرق 
العينين» أسد في تتويج رقبته بالشعرء يتكأ في سكون رتيبء لينادي 
عليه دكتور ريتشارد: 


١ 


35 


ع الي اند 
یسر :ذه بقن دران اليمين :ها 
- ظريف بجد 
- ده بقى متنسيش تحطيله أكل لو أنا مش موجود. 
- طب حضرتك حبسه ليه في قفص؟ 
- شيستر ده مربيه على إيدي من وهو عنده شهرين» بس هو 
فضوليء كذا مرة يحاول يخرج بره المعمل وأدوخ عشان ألاقيه؛ 
فبحبسه ووقت لما بقفل عليا المعمل واشتغل بسيبه برحته» أنتي 
كمان أعملي كده متسبيهوش وتقفلي المعمل إلا لما تنيميه في قفصه. 
ده عزيز عليا وكان عزيز على بنتي. 
- حاضر يا دکتور» طب ده بتأكله إيه؟؟ 
فتح دكتور ريتشارد درجًا مشبوك في المنضدة ليخرج كيس طعام قطط 
وطبق مرسوم عليه قطة صغيرة تحبو. 
- أكليه من ده في الطبق ده. 
- أوك يا دكتور. 
- تعالي بقى هوريكي آخر حاجة. 
اتجهوا إلى خمس أقفاص كل قفص يحوي فاأرًا ذو فروة بيضاء لا يفرق 
عن الآخر قدر أنملة ... 
- الفار اللي في أول قفص فوق ده متقربيش منه أبدَا. 
E‏ 
- الفار ده عنده كانسر وأنا بقالي سنة بحاول أعالجهء أما الفار اللي 
في القفص اللي بعديه برضو متجيش عنده. 
- ليه؟!! عنده كانسر برضو ولا إيه؟ 
- لا لا ... ده عنده سل رئوي» لسا باديء معاه نظام علاج جدیدء 
سريع وفعال» أما بقى الفار اللي تحتيه ... برضو متقربيش منه. 


٤١ 


قالت ممازحة 

- متخفش مش هقرب لأي فار منهم أنا لسا مبتدأه ... مش هحاول 

أعمل أي تجارب على فران دلوقتي. 

- ماشي ماشي ... تبقي أسأليني قبل ما تعملي حاجة. 

- حاضر متقلقش. 

- من بكرة تقدري تشرفيني من الساعة سابعة الصبح لو تحبي. 
ردت والفرحة تعانقها من جديد ... 

- ميرسي ليك يا دكتور. 
لم تنهم الفرح هكذا منذ سنين عدة» بعد أن انقضت فترات العزلة صار 
ريتشارد أبَا روحيّاء يسقيها العلم شربة هنيئة» تلازمه في معمله الذي 
صار فوضويًا أكثر منذ دخولها هي الأخرى فعادة العباقرة لا شعور 
بالتنظيم» إنما فوضويتهم أساس ترتيبهم وإذا رتب أحدهم تلك الفوضى 
فتح على نفسه بابًا للوم الجائر» محاليل وفئران تجارب تجعل من 
الأمور أكثر تعقيدّاء هنالك تجارب إنسانية أو تجارب تنفلت من يد 
قانون العقلاء» ومادام يظهر لمعان الأسنان البيضاء ليضيء القلوب 
فكل شيء يعني الارتياح» لا أحد يعلم عن طبيعة ما يستكشفانه» كل 
المعلومات المسربة من عامل النظافة هي ملصقات مكتوب عليها 
عبارات تشجيعية تملا أركان المعمل» والغرض متها عدم اليأس 
والتواصل حتى النهاية . 

2F 2F 2F عد‎ f 

صديقتها سارة المستأنسة من قبل شباب الجامعة تلاحظ صديقتها بشغف 
الفضول فتحاول مجاراتها في حوار إيضاح» ولكن آية فقدت ثقتها في 
سارة بعد مواقف عدة» معللة ندالتها بأعذار واهية» فعندما قدمت سارة 
بوجهها المبتسم قالت: 

- إزيك يا آية؟ 


- كويسة. 


١ 


- شكلك مشغولة الأيام ديه! 
- شوية. 
قالت سارة بعيون ماكرة ... 
- إيه دايمًا بشوفك مع دكتور ريتشارد. 
قدم ديفيد من خلف سارة ليطلق جملة حمقاء 
- هي تقريبًا ال11600 ا٣‏ أو لدكتور ريتشارد. 
ردت آية بحدة ... 
- أنا مسمحلكش تقول كده ... 
- تفسري بإيه وجودك معاه طول الوقت؟ 
- وإيه دخلك أنت في حاجة زي كده ... أنت تافه وكل أفكارك تافهة 
زيك. 
ردت سارة ببرود: 
- مهو عنده حق أنتي طول الوقت مع دكتور ريتشارد ... وكل 
الكلية بتقول إنك ال1]600 أو بتاعته 
عنفتهما قائلة: 
- عقول متخلفة مريضة»ء متعرفوش غير التريقة» أصل ربنا خلقنا 
بنعمة العقل والتفكير وأنتو معندكوش ولا عقل ولا تفكير» أشك إن 
عندكم نظر كمان. 
نظرت إليها آية بعنف لتبتعد بيدها المرتعشة غضبًا محركة العجلات 
في توتر سكن أصابعهاء سارة اتضح أنها حية منبثة» تفوق أعذارها 
دفئ صدقهاء وإذا نظرت إلى عيونها تنخدع بما يقال» فتندرج تحت 
طوائف من صدقوها وإذا علمت مقصدها تناثرت فصوص عقلك 
المندثر تحت غطاء جمجمتك» لذا الابتعاد خير وسيلة للهروب من سمها 
معدوم الترياق» فصار صديقها المعمل والمراجع» تنغمس في البحث 
والاطلاع» وفي بعض الأحيان تتصاعد الحروف عن أماكنها إلحاحًا في 


NEY 


طلب الانتهاءء فالمبيت لأيام مستيقظة دون انقطاع كافية لتفجير أنوية 
دماغها. 
2F 2F 2F FR f‏ 

وفي أحد الأيام قامت من نومها على صوت العلم المنبوح نداءًاء» نادت 
كرسيها ذو العجلات وتوجهت في اتجاه المعمل بعد أن حازت مفاتيح 
لمصرعيه بعد وثوق دكتور ريتشارد فيهاء وما إن انهمكت في تركيبات 
أضافتهاء فقدت إحساسها بالعالم الموجودء لم تلحظ عيون الدكتور 
المتابعة لعملها المتفاني ولم يشأ أن يقطع ذلك التركيز المتدفق» لذا 
سحب كرسيًا وانزلق بداخله ليتابع تصرفاتها البهلوانية في السرعة 
لالتقاط الأنابيب» تستخدم عجلات الكرسي في خفة غير إرادية وما كان 
يساعدها سوى ذلك البلاط الأملس الذي يغطي الأرضيةء ترجع لخفتها 
المعهودة دون قدميهاء وتتبادل تجاربها في تمعن ملحوظء وتنشق في 
البحث بين الصفحات والمعادلات» وتنفض صفحات المراجع الطبية 
باحثه عن أمور غيبية فالعين تراها تفعل أفاعيل مجهولة» تضيف 
وتنقص من أنبولات وأنابيب» وهكذا هي دويلاك حتى ينطفئ نور 
عيونها تعبا وينحني جسدها استنادًا إلى المنضدة منكسة رأسها في 
استرخاء بعيون زائغة» لذا تقدم ريتشارد كي يتحاور مع ابنته الجديدة 
بعد أن توقفت عن العمل ... 

- وصلتي لحاجة؟؟ 

- لسا هنام ساعتين وأقوم أجرب. 

- هتجربي إيه؟ 
الحماسة واضحة على وجهها المتفائل ... 

- هجرب ۱653 وهدرس تأثيره. 
ابتسمت آية لتوضح ملامح جدية تعني كلمة نعم .. 


2 


الفصل الثاني عشر 


ورن ذلك الهاتف المقاطع لشريط أحداث متلاحمةء أفيقت من عقلها 
السابق وتوقفت عن دور الراويء ولكن عيناها لم تتوقف عن ذلك الدور 
تمامّاء تسرد ما بداخل قلبها من أشياء مبهمة» تعي أن هنالك الكثير 
والكثير» عندما تلاحقها عيون عمر تنجرف في استقطاب شيئًا محفورًا 
في كهف أسرارها من القديم» اضطرت إلى الاستئذان للذهاب كالسابق 
لتخفي أسرارها الباقية عنه ... 

- آنا فی بق يا غر و سكن تقال بكرو بوشكملك كل بحاجة 
تابع النظر إلى عيونها بلهفة لم تكن تعهدهاء لتسأله باستعجاب 

- مالك؟! 
ابتسم قائلا في صوت خفيض ... 

7 تعرفي دايمًا قلبي بيتكلم وبسكته كتير» زنان أويء تقريبًا معرفتش 

اربيه. 
ابتسامة رائقة سكنت جميع ملامحها ... 

-أديله البوسة ديه وهو يسكت. 
أمسكت يده لتقبل باطن كفه في غنج غير مصطنع, ليتأملها مرة أخرى 


لتسكت قليلا بعدما أسر لسانها بعمق نظراته لها ... 
- هقابلك بكرة أوك؟ 
- أكيد. 


- يالا أنا لازم أمشي بقى. 


- متقلقش فاطمة جاية وهنروح سوا. 
- ماشي هوصلكم أنتو الاتنين ... 


١55 


نظر إلى ساعته مستكملا .. 

ت را اة ف واحذة يمدو مف اسيك روخن 

لوحدكم. 

- مفيش داعي هنركب تاكسي. 
رد عمر ممازحًا 

- أنا معايا عربيتي ... أينعم هي عرجة بس بتقضي الغرض . 

- أوك ياعمر. 
كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حين دلفت أختها لداخل المكان» 
فاطمة طويلة القامة بخلاف أختها التي لم تبلغ ثلاثة أرباع طولهاء عودًا 
فرنسيًا يمشي على أرض مصرية» ترتدي فستان سواريه أسود اللون 
يظهر كتفيها البيضاء اللذان نصاعتهم تغطي على نور المكان» ورقبتها 
الطويلة غطى الفستان معظمها »شعرها لم يكن طويلا كأختها إنما كان 
بالكاد يغطي آخر صوان أذنهاء حتى دنت منهم ليسحب لها النادل 
كرسيًا لتتكأ عليه وتأخذ آية دورها لتعرفهم على بعضهم» فأشارت بيدها 
لأختها الرابضة بجانبها قائلة: 

- ديه فاطمة أختي. 

- أهلا وسهلا. 

- وده عمر. 
ابتسمت فاطمة وقالت: 

- غني عن التعريف. 
قال عمر ضاحكًا: 

- يظهر إنكم كنتوا بتقطعوا في فروتي كتير. 
ردت فاطمة في غنج وغمزت بعينها .. 

- كل يوم وحياتك. 
عطاقت A LER RE A‏ 


€۷ 


- ما خلاص يا خفيفة. 
بعدها وجهت كلامها لعمر ... 
5 أختي بتحب الهزار أوي. 
رد عمر في هدوء: 
- واضح إن دمها خفيف. 
ردت فاطمة بالطريقة الفرنسية واستبدلت الراء بالغين: 
.merci -‏ 
- مقلتليش ليه يا آية إنها جميلة كده» هي بصراحة حكت عليكي كتير 
بس مجبتش سيرة جمالك قبل كده. 
merci -‏ على compliment!‏ 
ردت اية بحدة خفيفة. 
- إيه رأيكم أمشي أنا أحسن» وأنا ماشية هقول للجارسون يبعتلكم 
اتنين لمون» تحب عليه كام معلقة سكر ياعمرء ولا تحب الست 
فاطمة تحط صوباعها في اللمون» أصلها سكر أوي ودمها خفيف. 
علت قهقهة عمر وفاطمة» فردت فاطمة: 
- أنتي بتغيري يابيبي ولا إيه؛ دنا أختك يا لولو. 
رد عمر في جدية: 
- أكيد لا 
فقالت آية في اشمئزاز مصتنع ... 
- يالا يا سكر منك ليهاء الساعة بقت واحدة ومش ناقصة حرقة دم. 
اكتف مقت علا ا فاط 
أردفت آية قائلة بعدما أمسكت السكين الذي يتكأ بجوار الملعقة ... 
- يالا هنمشي ولا أرتكب جناية» أنتو مشفتوش الوش التاني على 
فكرة horrible...‏ 
ردت فاطمة ممازحة: 
- ده إعلان فيلم رعب ولا إيه؟!! 


€۸ 


ضحك عمر قائلا 
الا ا تقوم كي مجلونة 
في تلك الأثناء كان النادل مر بجوار مكانهم» ليلفت انتباه عمر قائلا: 
- ممكن ال .cheek‏ 
- أمرك يافندم. 
قالت آية: 
- متتعبش نفسك بقى واحنا هنروح أنا وهي. 
- تاني ... مقلت عربيتي تحت أمركو ... وبعدين الجو مبيبقاش 
أمان بليل. 
ردت فاطمة قائلة: 
- معاك عربية إيه يا عمر؟ 
- هي آية مقالتلكيش بمناسبة تقطيع الفروة!! 
0 
YA -‏ 
- عارفاها مش ديه اللي شبهه علبة الكبريت؟! 
تكلم عمر بجدية ممزوجة ببعض من الهزل ... 
- لا يامدام مينفعش تقولي كده مبحبش حد يتريق على عربيتي . 
أنا بلا فخر لفيت بيها مصر كلها وشغالة زي الفل. 
- على فكرة مبتريقش» أصل جوزي كان معاه واحدة زمانء أيام لما 
كنا قاعدين في مصر فديمًا كنت بقله عليها علبة كبريت» برضو 
كان بيضايق زيك. 
جاء النادل فحاسب عمر وغادروا المكان حتى وصلوا إلى السيارة 
المهترئة ففتح عمر الباب الخلفي لفاطمة حسبما طلبت أن تكون في 
الخلف» وبجانبه وضعت آية بداخلها فقال عمر ممازكًا ... 
- إيه رأيكم في علبة الكبريت؟ 
ردت فاطمة في تكبر مصطنع ... 


1۹ 


- مش بطالة. 

د ا ربمق يظالة 
حاول عمر تدوير الموتور أول مرة» لكنه على خصام مع البنزين» 
حاول مرة أخرى دون أن تدور» ضحكت فاطمة قائلة: 

- إيه مش ديه اللي لفيت بيها مصر ولا إيه ... يظهر إنها تعبت من 

كتر اللف ... شممها بصلة ممكن تفوق. 

- سبني أنا أدورها. 
مالت بنصفها العلوي كي تدور السيارة فوسع لها عمر قائلا: 

- على أساس إنك بركة مثلا!! 
دارت السيارة فاستعجب الجميع حتى آية نفسها ... فقالت في فخر: 
قلت فاط اة 
انطلق عمر بسيارته» حتى وصلوا إلى وجهتهم بالزمالك» السكون كان 
زعيمًا للمنطقةء الكلاب تعوي لتثبت وجودهاء الأشجار تحجب جميع 
الأضواء عن الشارع عنوة» ظل الكرسي يطلق أزيزه في أرجاء المكان 
ويعقبه خطوات عمر التي توصل الأختين إلى بر الأمان» حتي وصلو 
إلى مقصدهم كان على عمر العدول والرجعة» رن هاتفه ليشغل باله 
للحظات» زوجته نورء التي باتت تلوم تأخيره لدقائق عدة» أخبرها أن 
لديه نبطشية» كذبًا متعمد للخلاص من زن أنسوي مستمرء في تلك 
الأثناء حاول عمر تدوير موتور سيارته ولكن بلا جدوى» صمت 
ماتوره يواكب هدوء المكان» انتظر قليلًا بعدما فتح كبوت الخردة البالية 
كي تبردء فمؤشر الحرارة صعد إلى أقصي درجاته» وبعدما عاد عداد 
الحرارة إلى صوابه بعد جنونه المتعمدء فتح الأربة ليجد أن المياة قد 


~E: 


نضبت» ولت هاربة من إحدي الأنفاق» قام بالاتصال بآية كي يستغيث 
بزجاجة مياة فالمياه الاحتياطية لديه قد نفدت 

- معلش إني كلمتك تاني بس العربية عطلت ومحتاج إزازة ماية. 

- طيب» أطلع وفاطمة هتديك إزازة ماية» ومعلش مش هعرف أنزل 

أقابلك» أنت عارف إني ببقى قاعدة في الدور اللي فوق» ومارتينا 

مش معانا. 

- لالا مفيش مشاكل. 

f f‏ يت 

صعد إلى الدور الثامن فطرق الباب» وجده مفتوح ويسمح لجزيئات 
الهواء في التخلل الضعيف إلى الداخل» رن الجرس ولكن بلا صوت 
يذكرء طرق الباب فلم يجيب أحدًا على توتر استعجاله» تسلل إلى الشقة 
بدافع القلق الذي انتاب أوصاله» الظلام يحيط به ويعمي عينيه التي لم 
تعتد على البصيص من النورء وحيثما دلف» نادي بصوت خفيض حتى 
لا يرعبهم» لا أحد يجيب حتى لمس حذاءه مياة أظهرت صوت 
ارتطامها طقطقة خافته» تعثرت قدمه اليمنى في شيء ما لا يدركه. 
أخرج من جيبه هاتفه لينير مصباحًا أقوى من البصيص المتسرب من 
باب الشقة الموارب» ليعي أن ما كان يدوس عليه هو دماء» وما تعثر به 
كان جسدًا ممهدًا على الأرضء حيثما اقترب من ملامحه كان الرعب 
يفيض بداخله بعنف سادي» ارتعدت فرائصه» ليواجه مخاوفا تعيق 
تحركه» تعرف على تلك المقتولة التي تعلقت عيونها المفتوحة بالسقف» 
اقترب ليضع يده على رقبتها كي يتحسس نبضًا يحكي أو دماء تهيم» بلا 
فائدة» في باديء الأمر تشبثت قدماه بالأرض وتوقفت عن الحراك 
بعدما انزوي إلى جانب السلم المؤدي إلى الدور العلوي في صدمة 
مبكيةء تخيلات مربكة تؤدي إلى وفاة كل من في البيت» ليست تخيلات 
إنها تحليل للمشهد الراهن» فاطمة جثة هامدة» فمشاهدة مثل ذلك المشهد 
قذف الرعب في قلب عمرفانتابت رعشة من أول أطراف قدمه حتى 


١١ 


شعر رأسه المستيقظ يبدي ارتعاد فرائسة الملحوظ ولكن بتوقعه لفقدان 
آية» حرك أناملة وأطبق قبضته توقعًا أن الجاني لا زال في الشقة 
وتحديدًا بداخل غرفة حبيبته» بدأت قدميه في التسلل وما سلاحه إلا 
قبضتةء خوفه لا يجعله جريئًا في أن يبحث عن سكين بالمطبخ الذي لا 
يعلم موقعه أصلاء فجأة يتردد لحن النهاية باكيّا في أذنًا عمريةء صرخة 
آية المدوية ألمّاء أخذت أرجل العاشق تحركًا ووثب وثيّا على درجات 
السلم الخشبي» أضرم الغضب بداخله فضرب الباب الموارب بكتفه 
بعدما لاحظ من فتحة لا تتجاوز المليمترين وجود ملثم خلفة ويحمل 
مسدسه الممطوط المزود بكاتم للصوتء أندفع بكل قوة مما أدى إلى 
سقوطه أرضاء أنحنى عمر كي يهيمن بقبضته عليه وسرعة رد فعل 
الجاني في تصويب المسدس نحوه أشعل ذهول عمر ولكنه استطاع 
الملاذ في اللحظة الأخيرة بعدما ركل يد ذلك الملثم» انكب عليه كي 
يذيقه لكمات جحيمية في وجهه البائس» ضربات وضربات حتي 
اضطربت تحركات الجاني وبدأ في فقدان وعيهء نزع القناع الخافي 
لملامحه فشخص النظر لوجهه المختزن بالندبات» جاحظ العينين» 
طويل الشعرء يمتلك تلك الأظافر الطويلة كقطة نوت اشتباگاء نوت 
الأقدار مواجهة آثمة» ومقاومة فولاذية من إنسان مدرب عكس الوضع 
لصالحه فانهال بقبضته على وجه عمر وتبدلت الأماكن» عمر يستلقي 
على الأرض مستقبلا لكمات مميته استهدفت وجهه» مقاومة لا تجدي 
ففارق القوة متضح بينهماء وعندما يحاول تسديد أي لكمة لذلك الغول؛ 
كانت هنالك لكمات متعاقبة كإعصار فاني فتفقده صوابه وتركيزه حتى 
خارت قوى عمر المسكين» عيونه بالكاد تراقب اللحظات في تنهد 
مرضي» اندفعت عيونه نحو المسكينة الغارقة في دماءها تأن بلحظاتها 
الأخيرة» تلهج ببعض حروف من اسمه»ء في تلك اللحظات المصيريه 
تلقى لكمات كادت تفقده وعيه» وبعد توقف تتابع الضربات المفنية» 
بالكاد يفتح عينيه فوجد فوهة مسدس صوبت نحوه» يشتاق إلى ميتة 


١١ 


سريعة؛ إنها محض براثن وميضية سوف تنطلق إلى صدره تفني وجود 
روحه المزروعة على أرضية خشبيةء عيونه النصف مغمضة تحكي 
عن مدى الألم القاطن في أوصالهء في تلك اللحظات الفاصلة بين بقاء 
إنساق ومؤته:انطلفت الرصاضات تحلق قي راء ال فة المحوينة 
تلك المرة من يد مخضبة بالدماء إنها يد آية» أطلقت نيران الإنقاذ 
والمفاجأة» برصاصة تنهي مراسم الحياة والموت» تفحص عمر جسده 
بيده لم يكن يتدفق منها سيل دماءٍ عرمء فانتبه ليد آية التي انزلقت 
رفت الإطياق: على 'مسدسهاء:حاول. عمن الاستناد" إلى الحراقط كي 
يقيم صلبه» فصعوبة أن تحتمل تلك الأرجل المرهقة أن تحمل هذا 
الجسد الجريح» تحرك إلى محبوبته التي تلهث بنداء الرحمة» وتبتهل 
إلى الله في نهاية مطاف حياتهاء فيوقفها عمر مبعنًا للأمل. 
- لا أنت مش هتموتي ... مش هسيبك تموتي. 
خلع قميصه الذي يختبيء تحت معطفه. قام بربطه حول مكان نزيف 
دماءها حيث يمنع غدقه ثم حملها بكلتا يديه الصعاب تتشبث بأطرافه 
كي توقفه غصبًاء الإرهاق المحل لقدميه لا يغادره» قرر الاحتمال حتى 
لو تفجرت عروقه دمّاء تحمل كل عقابات طريقه وواصل قدمًا حتى 
وصل إلى جثة الأخت الهامدة» رمقها بنظرة كتيبة وعيون مدمعة؛ 
لاحظ بجانبها زجاجة مياة بلاستيكية فأراح آية على الكنبة كي يلتقطتها 
ثم انطلق ليحملها حتى وصل إلى سيارته فأسندها إلى وضعها الآمن؛ 
ملأ أربة المياة إلى آخرهاء لاحظ كم كان الريداتير متضررًا بثقب» 
وهنالك السكون ولا يوجد تاكسي ولا يوجد متسع من الوقت» حاول 
تدوير سيارته ولكنها تستجيب سريعًاء انطلق قبل أن تفرغ مياة التبريد 
تأثرًا لثقب الريداتير» نحو مستشفى القصر العيني أملا في إنقاذها فإنها 
على وشك أن تلفظ بآخر نفس لها. 
- يارب ... يارب 
f‏ عد عد 2F 2F 2F‏ 


or 


لم يكن الأرتعاش يتكفل بأوصاله من قبل كتلك اللحظة» انفطار قلبه لم 
يكن هينتاء حاول التماسك بعد أن خدر مريضته» أجرى لها العملية فلم 
کک على عور اح ماه مكلك رودن كلك ا 
وسط صدرهاء وعلى إثره فقد عمر قدرته على الوقف فارتكز على 
ركبتيه أرضا وأمسك يدها ونفخ بمقدارمن الهواء ليشتت برودتهماء 
ويدلكهما ببعض من دفئ يديه» جبهتها المتصببة عرقًا اشتاق إلى أن 
يمسحها بكلتا يديه بحنان عشقًا لم يعرف في زمان أوغاد متلصصة» إنه 
لمشهد يحن له قلب صلدء ويشهد عليه الثرى. 

آنا فن قالنها بوت رع 

- ماتخافيش أنا جنبك. 

- هو إيه اللي حصل؟ 

- ريحي نفسك وهتعرفي كل حاجة بعدين. 

2F 2F عد عد عد‎ f 

حضرت الشرطة إلى المستشفى كي يستجوب المجني عليه» ضابط 
مباحث يعقبه عسكري طويل القامة يحمل دفترًا عريض غلافه أحمر 
يحتضنه تحت إبطه» اتكأ الضابط على الحائط وأخرج ولاعة وأشعل 
سيجارته المارلبورو التي أخرجها في هدوء من وسط غياهب جيبه 
الأيمن» شفط معظمها بغل بداخل رئتيه ليخرج دخانًا كثيفا يكفي لصنع 
ضباب في جميع أرجاء المستشفى ليأتي عمر قائلا في حده: 

- حضرتك ممنوع السجاير. 
أخذ الضابط نفسًا أعمق من سابقه قبل أن يرمي السيجارة ثم رمق عمر 
قائلا في هدوء: 

- تمام ... أنا المقدم أحمد توفيق. 
مد بده كي يلاقيه التحية ..: 

- وأنا دكتور عمر. 

0 


١ 


- حضرتك أنا المسؤول عن حالة الدكتورة آية. 
ا 

و کت اها مشو اة 

E 

اك لخو التق خت 


- أكيد مش هنحكي هنا ... تعالى شرفني دلوقتي في مكتبي 
ونشرب قهوة ونحكي على رواقة. 


وحيثما ذهبا قسم قصر النيل. 


- أحكيلي بالتفصيل إيه اللي حصل بالظبط يا دكتور. 


وجه عمر بدا متأثرًا بما يحكي ... 


- هو أنا حضرتك كنت بوصل الدكتور آية للبيت هي وأختها 
فاطمةء اللي حصل إن الريادتير بتاع العربية باظ والمية في الأربة 
فضيت» الكلام ده حصل بعد لما كانوا طلعوا البيت» المهم كلمت 
الدكتور أية قالتلي أطلع آخد أزازة ماية عشان الماية اللي كانت 
معايا خلصت» طلعت لقيت الباب موارب قعدت أخبط محدش رد 
عليا فقلقت ودخلت أشوف إيه الموضوع., لقيت فاطمة غرقانة في 
دمهاء وبعد كده سمعت صرخة آية فجريت للدور التاني» فلقيتها 
مضروبة بالرصاص فاشتبكت مع الجاني وفي الآخر كان هيقتلني 
لولا إنها أنقذتني لما ضربته بالمسدس ... بعدها أغمي عليها ونقلتها 
السلتشفن وكملتلها الاد 

- شوفت الجاني قبل كده؟ 

اء خالض. 

- إيه طبيعة علاقتك بالمجني عليها؟ 


- تمام» تعرف الدكتورة من أد إيه؟ 
- من زمان أوي» يعني يجي من حوالي عشرين سنة. 

وضع المقدم يده على ذقنه قائلا: 
- بس أنا معلوماتي بتقول إنها كانت عايشة في لندن يعني من وهي 
صغيرة» إزاي من عشرين سنة عارفها؟! 
- كنت عارفها من أيام المدرسة قبل ما تسافرء هو الأسئلة ديه 
معناها إني أنا متوجهلي اتهام. 
- لا يا دكتور عمرء أنت الشاهد الرئيسي في القضية فلازم أسئلك 
عن كل كبيرة وصغيرة المهم التحريات اللي عملناها بتقول إن 
الجاني هو بلطجي من عين الصيرة» شغلته كلها إنه قاتل مأجور 
يعني الموضوع مكنش غرضه سرقة مثلاء الموضوع دلوقتي إن 
في حد أجره عشان يقتل الدكتورة» تفتكر مين ممكن يكون عمل 
كده؟ 
- لا معنديش أي فكرة. 
- تفتكر من طبيعة علاقتك بالدكتورة ... هل ممكن يكون ليها أي 
أعداء, 
- معرفش. 
- يعني محكتلكش قبل كده عن مشاكلهاء عن حد ممكن يكون 
بيطاردهاء حد ممكن يكون بيهددهاء أي حاجة من ديه؟؟! 
لفن 
- طب متعرفش حد تاني ممكن يساعدنا إننا نوصل لحاجة ... حد 
من قرايبها متلا 

تكلم عمر بعيون نصف مغمضة ووجها عابس: 
- الدكتورة كان علاقاتها مش كبيرة» بحكم إنها كانت عايشة بره 
أكتر من عشرين سنةء واللي أعرفه دلوقتي إنها بقت زي مبيقولوا 


١65 


كده مقطو عة من شجرة» خلاص آخر حد من عليتها كان فاطمة الله 

يرحمها. 
دلك المقدم ذقنه بحدة قائلا في هدوء .. 

- يعني أنت متعرفش أي حاجة ممكن تساعدنا إننا نعرف مين ورا 

الجناية ديه؟ 

- أنا قولتلك كل اللي أعرفه. 

- تمام» تمام» بما إنك الطبيب المعالج للدكتورة ... هل حالتها تسمح 

إننا نستجوبها؟ 

- لأ هي حضرتك دلوقتي في العناية المركزة» هو حالتها مستقرة» 

ممكن كمان يومين تقدر تشرفنا وتستوجبها. 

- ماشي شكرًا ليك يا دكتور» تقدر تتفضل. 

2F 2F عد عد عد‎ f 

لا تتغاضى في فعلاته البسيطةء قراراتها الانتقادء والبعث بعد موت 
الأحداث» لتخلق ثغرة تتحكم هي فيها بأهواءهاء تلك كانت منهجية 
نور وطريقتها المثالية في الإسكان الروحيء مما يزعج عمر دون أن 
يفصح عن ذلكء أفكاره عن الزوجة المثالية» هي من تفهم دون تنويه؛ 
من نظرة واحدة »فربما نظرته تعني "أرحمي أهلي" أو نظرة تعني 
أحبك» فالحاجز الترابي بينهما أشبه بخط برليف» فتقلبات نور لا تحتمل 
في بعض الأحيان» خاصة في الأوقات الغير مناسبة» وقت خمول 
لارتياح من إرهاق العمل الدؤوب وركوب خيل معركة الحياة» فهو 
الفا ا ينن الريكورة ال رفك :وال إلوفث ادر 
ساعة صفرء عندما يزهل الجيب من انقطاع رزقه» ونور واسعة 
المطالب» تقسم ظهر البعيرء فمستواها المادي السابق أعلى بكثير مما 
هي عليه الآن» فمرتب زوجها لا يساوي مصروفها الشهري في بيت 
أبيهاء وهكذا كان الحال عندما جلس ليحتسي فنجان قهوته فور وصوله 
للمنزل بعد يومين من الغياب بجانب آية حتى ارتاح تورم وجهه ونظرًا 


o۷ 


للصداع الذي شطر رأسه لنصفين ملتهبين» هنا يأتي دور الصداع 
الآخر القاتل مطالبها المتجددة» التي يفتح لها الباب على مصرعيه 
والزوج يجب عليه المطاطية وإلا سوف يواجه شر البوز المعووج» 
وراثة الأجيال من الأمهات» وكالعادة لا تحترف المطالبة» فوجهها لم 
يجف من عرق حر المطبخ» ومريلتها لا تخلو من الندبات البالية» فيبدو 
أنها تمسك الأواني الساخنة بها فتصنع تلك الفتحات المحترقة فتذكر 
قول محمود "يابني نور ديه متنفعكش"» كان ذلك من مدة لا يتذكر لها 
تاريخ ولكن الموقف عندما شب الخلاف الغير محدود في وقت 
الصحوبيةء الذكريات لا تلوذ به للفرار» فهي تقف أمامه تخبره 
بمطالبهاء تمسك بشوكة في يدها ينساب من أطرافها زيت رفيع» فنظر 
إليها عمر ثم أراح فنجان القهوة على المنضدة فقال بأبتسامة خافته ... 

- عاوزة إيه يا حبيبتي؟ 

- مش قلت إنك هتجبلي الميكرويف النهاردة؟ 

- معلش والله الفلوس مقصرة معايا ... العداد هيصفر. 

- طب بصيت على أسعاره في المحل اللي جنب شغلك ولا نسيت؟ 
البرود يلتحم بلسانه ... 

- لا نسيت؛ الزهايمر بقى عدوى في البلد على فكرة. 
ردت في حده 

- هو الزهايمر مبيجلكش إلا لما أطلب منك حاجةء أنت ليه ساعات 

بحس إنك بتنفضلي» رغم إنك عارف إني مبقدرش أستغنى عن 

الميكرويف» وعلي حظي القديم باظ طب أعمل إيه أنا قلي؟ 

- لا حول ولا قوة إلا بالله ... نسيت ياستي أعمل إيه؟ 

- ماشي ياعمرء أنا عاوزاك كده ناسي» برافو عليك. 
مد عمر يده ليلتقط الجريدة التي تحملها له المنضدة في رضا وصمت» 
فقالت نور في حنق: 


١ مه‎ 


- ولا على بالك حاجة. 
ضحك عمر قائلا 
- يابختك يا ياسر. 
- ياسر مين؟ 
- ياسر صاحبي. 
تستعجب نور من كلامه ... 
- يابختو ليه بقى إن شاء الله؟!! 
- اتجوز واحدة من البلد ومريحاه آخر راحة» واقع واقف. 
- وأنت كنت عايش معاهم عشان تعرف إذا كانت مريحاه أو 
قرفاه!!! 
وال من غير ما يفول وام 
- إزاي بقى؟ 
- بيجي كده منشكح ومبسوطهء مش زي الغلابة اللي زيي» الهم طايل 
وش 1 
- والله!! 
- أهي بقى البنات بتوع البلد دول بيبقوا مطعيين جذا ... يمين يمين 
... شمال شمال ... مش بتوع القاهرة ياساتر. 
- ما تروح اتجوزلك واحدة منهم طيب» مدام عجبينك أوي كده. 
ال شات ارو 
- هو اللي يتجوز مرة يفكر يتجنن تاني!! 
- بجد أنت اللي هتجنني» ماشي ياعمر. 
اتجهت إلى المطبخ لتكمل طبخها المعتاد» بعدما أبدت امتعاض يفوق 
الخيال. 


2f 2F f f 


10۹ 


قدو لقف جمد وق فة انرضاح ال العريطن» يمر مةه 
الدفتر المهترئ» ابتسم الضابط فور رؤية دكتور عمرء مد يده ليسلم 
على عمر وقال في هدوء: 

- إزيك يا دكتور عامل إيه؟ 

- الحمد لله. 

- هنقدر نستجوبها دلوقتي؟ 

ا وشا مكو نك لز 

اتا 
أشعل الضابط سيجارة أخرى وعندما حاول شربها قال عمر في هدوء 


- يا فندم أنت داخل للمريضة والسيجارة حضرتك. 

داد 
دخل عمر إلى غرفتها بعد الاستجواب وشاطرها أحزانها فهمت بالبكاء 
قائلة في صوت مبحوح ... 

- ده قدرها يا حبيبتي. 
في تلك الأثناء احتضنت أصابعه أصابعها وهون عليها بقبلات تهوينيه 
على كفها الحزين. 

- أنا جنبك متقلقيش وهفضل جنبك طول عمري. 

- دي كانت كل اللي ليا يا عمر. 
وما إن هدأت قليلًا فسألها عمر في هدوء: 

- أنتي قولتلهم إيه في التحقيق؟ 

- قولتلهم اللي حصل. 

- أنتي عندك فكرة ممكن يكون مين اللي عمل كده؟ 


1 


- معرفش ... معرفش ياعمر. 
- أهدي طيب. 
2F 2F 2F fF 2F 2F‏ 

وأخيرًا تستند على كرسيها لتخرج من المشفى» يساندها عمر بدفعات 
حنينية لكرسي له أزيزء ترقد عليه مبعثرة الشعرء فلم يلمس الاستشوار 
خصلاتها منذ فجر يوم قريب» وجهًا شاحب مبتأس» ترتدي ملابس قد 
أحضرتها لها مارتيناء فستانًا وردي اللون دون أي رسومات منقوشةء 
وعلى النقيض عمر الذي تنفرج شفتاه بالابتسامة منذ أن غادر المكان» 
أركبها سيارته وانطلق بها إلى إحدى الفنادق كما طلبت» وفي طريق 
الذهاب لم يستطع عمر أن يحبس ذلك الفضول المترسب على لسانه 
فانطلق بأسئلته. 

- بجد أنتي معندكيش شك في أي حد زي ما قولتي في المحضر. 

- مش في دماغي حد معين ... بس ممكن يكون حد كان جاي 

يسرقنا وخلاص. 

- لا لا المقدم أحمد قال إنه قاتل مأجور من عين الصيرة» يعني مش 

حادثة سرقة أصلاء ده واحد قتال قتلة. 

- أه. 

- مين بقى اللي أنتي شاكة فيه. 
نظرت إليه تلك النظرة الحزينة التي تفطر قلبه 

- مفيش حد. 

- بس عنيكي بتقول غير كدهء هو أنا لسا عارفك!! أنا بفهمك من 

قبل ما تتكلمي» بيبان عليكي. 

- بجد مش عارفة. 

- مش مخبية يا عمر حاجة. 
امتعض عمر كثيرًا ليفكر للحظات أثناء النظر لطريق سيره ثم يقول: 


1١ 


- ضميرك مبيوجعكيش من كتر التحوير اللي أنتي بتحوريه!! . 
قوليلي يمكن أقدر أساعدك. 

نظرت له نظرة كئيبة ... 
- أه ممكن يكون ناس كان بينهم وبين بابا خلافات زمان» خلاص 
استريحت. 
- مين همه الناس دول؟ وإيه الخلافات اللي ممكن توصل لكده؟ 
وبعدين أنتي ذنبك إيه؟! 
- معرفش بجد حاجة» وياريت الموضوع ده نتكلم فيه بعدين لأني 
مش قادرة أفكر. 
أرقا علي اهنك يموق 
- عمر متهيألي أنا كده لازم أرجع لندن. 
- لندن تاني ... ليه؟؟ 


e 


كان الصمت يسرق لسان عمر للتتابع آية قائلة في حزن: 
- عاوزة أغير جوء مش قادرة بجد. 
رد عمر متعجبًا: 
- هو أنتي لما تكوني عاوزة تغيري جو تسافري لندن ليه تمشوري 
نفسك كده؟ عندك شرم ولا الغردقة مثلا. 
- لا منا كنت هقابل دكتور ريتشارد. 
تعفن 
- هسلمه حاجات كان سايبها معاياء أنت عارف إني مش هدرس 
تاني» وهستقر هنا في مصر فلازم أصفي كل حاجة. 


١ 


- أه أكيد 
- تعالي معايا واعتبرها رحلةء يدوبك هنقعد تلت أو أربع أيامء 
وياسيدي 166 ]10 ... أنا عزماك على الرحلة ديه. 
- مش مسألة عزماك ... بس .. 
قاطعته قائلة بصوت مخنوق: 
- عمر أنا بقيت محتجاك أكتر من الأول بكتيرء أوعى تسبني ... 
أرجوك ... أوعي بجد ياعمر ... PLEASE‏ 
أوقف عمر سيارته بجانب الطريق فقال بابتسامة هادئة» وفي تلك 
اللحظات رفع يدها ليشملها بقبلة مغمضة الأعين حاملة ارتجافة العشق 


- عمري مهسيبك. 

- مهما كان؟؟! 

- مهما كان ... فشيلي القلق اللي تاعبك في دماغك ده. 
في تلك اللحظات ابتسمت له» وحاولت أن تصل إلى يده الأخرى 
فسلمها لها فأمسكتها برعشة خوف ممزوجة بحزن غريب» وامتدت 
الأصابع للأصابع تعانقها. 

2F 2F عد‎ f f f 

يتصل بنور كي تستعد للخروج معه فطلب منها أن تلبس ذلك الفستان 
الذي يروقه ويقضيا ليلة قرب هدوء الليل بعد أن تترك الولد الصغير 
عند أمهاء استجابت الفرحة لطلب الزوج» وذهبا إلى نفس المكان الذي 
تحت المنضدة وطلب لأميرته الجلوس في نظرات استحضارية؛ كعادة 
تعشقها الزوجة» إحساس خاص بات يسقي مشاعرها فتنبهت 
لرومانسيته في ذلك اليوم بعد أن تخللت أصابعها أصابعه» فاصل من 
المتعة القديمة» عادة عاشقين قبل الزواج. 

- مالك متغير كده ليه النهاردة لأ أنا مش أد كل ده!! 


11۳ 


رد عمر ممازحًا 
- هو لما أكون متوتر وفي مود وحش تضايقي ولما أكون رومانسي 
- بحبك أوي يا عمر ... 
كان يشعر حبها من ضغطات أصابعها على كف يده» فمشاعرها التي 
لما تكتفي أن تأسر بداخل قلبها فقط بل فاضت من جميع أطرافها 
ارتعائنًا. 
- على فكرة الأكل هنا حلو أوي وأنا هموت من الجوع تطلبي 
إيه؟؟؟ 
- أنا النهاردة ملكك مليش طلبات غير إني أبقى معاك. 
- يعني تاكلي على زوقي المرة ديه؟ 
أومأت رأسها بالموافقة. 
- مش هتقلي بقى أنت مالك النهاردة. 
- حاسس إني مبسوط قلت أرجع أيام زمان ... هو ده مود 
المسؤوليات ... شوية في الأرض وشوية في السما. 
ابتسمت بفم سعيد ... 
- وليه حياتنا متبقاش كلها زي أيام زمان ... أيام الخطوبة ... أيام 
لما كنت بتقلي بحبك بدل المرة مليون. 
- أوعدك إن شاء الله أول لما أرجع من لندن كل حاجة هتتغير. 
- لندن؟؟!!! 
تغيرت ملامح وجهها تحت الضوء الهادئ للمكان لتبدي رعبًا أفسد 
لا يلوم نفسه كثيرًا بما يفعله خلف عيون زوجته ليبدأ الكذب الذي اعتاد 
عليه في الآونة الأخيرة. 
- أه لندن ... متأسف أنا مكنتش عارف أقولك إزاي بس هو مؤتمر 
جه فجأة» قلت لازم النهاردة نعمل يوم كده حلو تفتكريه وأنا هناك. 


1٤ 


- وكنت مخبي ليه ... وعلى كده هتقعد هناك أد إيه؟؟ 
- هو أسبوع مش أكتر وعلى فكرة أنا مكنتش مخبي؛ هي جت كده. 
- مش عارفة إيه حكاية المؤتمرات كل شوية ديه ... هو مفيش 
دكاترة غيرك؟!! 
رد ممازحًا: 
قالت بشيء من الرجاء وعيون تستعطف الأحداث ... 
- يعني مينفعش تعتذر عن السفرية ديه؟ 
الكذب لا يظهر على وجهه ليصبح ممثلا واسع الشهرة. 
- ياريت كنت أقدرء أكيد لو كان ينفع مكنتش هسيبكو وأسافر. 
أمسك يدها في رومانسية غير محدودة فقال: 
- أنا عارف إني مقصر في حقك الأيام ديه ... بس أوعدك إن كل 
حاجة هترجع زي الأول وأحسن 
قبل يدها في غرام فائض ثم ابتسم قائلا: 
- متخافيش كل يوم هكلمك على الإسكايب صوت وصورة ... كده 
تمام؟! 
- خلي بالك من نفسك هناك ياحبيبي. 
وقالتها وهي تتجرع الأسى. 
- إنتي بقى أقعدي عند حماتي زي كل مرة بسافر فيها ... أوك؟؟ 
- ها. 
- ماشي يا حبيبي. 
f‏ كد عد 2F 2F 2F‏ 
الثانية تربض بجانبه تحتضن كتفه وتميل بنصفها العلوي عليه بجانب 
النافذة المطلة إلى العالم الآخر فوق الأرض بمئات الأمتار» وتهمس 


11° 


في أذنه بعشق مكلوم» وتنوي أن تنطق بشيءء فتستكين أمام لمع 
عيونه» استجمعت قوتهاء شابت طرق صمتها وبدأت النطق .. 

- قولي اللي أنت عاوزاه ... سامعك 

- لا أنا خايفة إنك تضايق ... ساعتها هبقى ا |ا5 50 ... المود 

هيبوظ, 

- طالما حاجة هتضايقني تقوليها ليه بقى. 

- خلاص مش هقول حاجة. 

- أنتي مصدقتي! !!! 

- لا خلاص خليها في وقتها. 

- لا قولي في إيه؟ 

- لا خليها مفاجأة. 
ابتسم عمر قائلا: 

- طب هي مفاجأة ولا حاجة تضايق ... مش فاهم ؟!! 
ترتبك كثيرًا تصمت لثواني ثم تتابع قائلة .. 

- لا بس يعني حوار كده هبقى أحكهولك. 

- أنتي عارفاني مد مبحبش أزن على حد ... لما تلاقي نفسك عاوزة 

تقولي قولي. 

- ماشي يابيبي. 
وفي لحظة مفاجأة وعناق أصابع نطقها سريعًاء بينما هي تنام مغمضة 
الأعين على كتفه في راحة حبيبين .. 

- تتجوزيني . ..؟ قالها بصوت هادئ ونغمة مختلفة تنطلق من فمه. 
الذهول تذ تشبث بملامحها ليتخلل فرحتها شيئًا من إحساس مجهول» هل 
هي مذهولة +5 أم نها فرحة اخترقت ظلامها فجأة» فقامت من على 


6 اا 


1575 


- أنت بتكلم جد؟!! 
ملامح الجدية جالية أمامها ... 
- أكيد مبهزرش في حاجة زي كدة! 
- بس ... 
- بس إيه؟ 
- لسا فاطمة ميتة ولازم آخد القرار ده بعد فترة ... على الأقل أكون 
فقت من اللي أنا فيه. 
- مين قال دلوقتي؟؟ 
قالت في تردد . 
- أه بس أصبر عليا شوية. 
- هصبر بس شوية أد إيه؟ 
ردت ممازحة ... 
- شوية أد إيه برضو؟ 
فكرت للحظات .. 
رد ممتعضًا: 
- أربعة ... خمسة ... ستة ... سنة اتنين ... محستش إن 
الموضوع فرحك زي ما كنت متخيل!! 
تحاول أن تبث ملامح الفرحة صوب وجهها ... 
- لا طبعًا فرحانة. 
- لا لا ده مش منظر واحدة فرحانة أبدًا. 
- مين قال كده؟!! 
- شكلك اللي بيقول كده. 
- لا بالعكس أنا فرحانة أوي كمان ... بس الظروف مضيعة فرحتي 
شوية. 


11۷ 


تصتنع الاندهاش ... 
- وأنا أتهرب من حاجة زي ديه ليه ما احنا بنحب بعض يا عمر!! 
- معقول برضه ... خلاص ياحبيبتي هسيبك ترتاحي وتخدي وقتك 
قبل ما تاخدي الخطوة ديه. 
- أوك. 
في عيونها تبغي الإلحاح للصمت» في صوتها تبغي المواساة» في 
واقعها حزن مهترئ» في إحساسها مشاعر مسكوبة» في شفاهها كلام 
ينوي أن ينطق عنوة. 
- دايمًا بخاف من فكرة الجواز. 
- ليه؟! 
نظرت له تلك النظرة التعيسة التي اعتاد عليها ... 
- علشان حالتي ... أنت مش شايف ياعمر!!! اللي هيتجوزني 
هيتحرم من حاجات كتير. 
- زي؟ 
- أنت عشان مجربتش فممكن متحسش باللي هقوله. 
- لا أتكلمي براحتك وأنا هفهمك. 
أغمضت عينيها في حزن ولم تفتحها إلا عندما بدأت في الكلام مجددًا 


- أنت متخيل إني هبقى عبء عليك ... دايمًا هبقى محتاجة مساعدة 
... أنت اللي هتخدمني مش أنا اللي هخدمك ... مش هتاخد راحتك 
في الخروج معاياء مش هعرف أطبخلك زي أي ست بيت» مش 
دايمًا وجودي على كرسي هيمنعني من حاجات كتير وده اللي لازم 
تحطه في اعتبارك. 


باغتها عمر سريعًا في قوله ... 


1۸ 


- ومن إمتى أنتي بتفكري كده» مش أنتي دايمًا بتقولي مبحبش أحس 
بالعجز وبعمل كل حاجة بنفسي؟!! 
كانت الجدية عنوان حديثها منذ تلك النقطة: 
- خلينا واقعيين» عشان لو عاوز تتجوزني زي ما بتقول تكون 
حسبتها كويس وفكرت في اللي قولتهولك. 
رد عمر في هدوء . 
انا مقن قافا مشكلة. ...الما ما فار ةا 
- المهم أنت فاهمني يا عمر. 
- أه فهمك. 


1۹ 


الفصل الثالث عشر 


وسط الرياح الباردة التي أقصت الستائر بعيدًا عن فوهة الشباك» وتحت 
تلك النجفة الكريستالية متعددة الأدوار المهتزة جراء تلك الرياح» ترقد 
على ظهرها وتغط نومّاء تحت غطاء منقوش بالورود تمددت» أصوات 
الكلاب تعوي كذئاب جبلية على غير العادة في الخارج البعيدء وحتى 
سكنت أصوات الكلاب الجائلة» وتجلى شروق الشمس بعد تبدد غياهب 
الظلام» انتفضت جوارحها عندما استقيظت إثر حلم مريب» تمنت أن 
تنجلي عنه بعد أن استحكمت قبضة ضروسها على ألم تدفق في 
أعصابها الحسية» تفاعل الهوس مع شرود يقظتها وظنت أنها مازالت 
عيونها لتلتهم النور المسقط من السقفء لم يسند إلى عقلها سببًا لقيء 
مستقدم هيئته الكريهة» ولم تكن لديها المقدرة في الإسراع إلى 
مرحاض جاور حجرتها مباشرة» لحسن الحظ كيس بلاستيكي تدلل 
أمامها بغية الاستعمال» استفراغها لم يكن عاديا لقد كان مصحوبًا 
بمقدار ليس بقليل من الدماء» طبيبة تعرفت سببّاء هدأت قليلا وتأملت 
منظرها عبر تلك المرآة المناظرة لسريرهاء تحملت ماهي عليه حتى 
استندت إلى الكرسي» محاولة صعبة تمكنت في آخرها أن تتربع 
عرشهاء توجهت إلى المرحاض» هل تباغت خوفها وتواجهه بحقيقة يد 
مخضبة باللون الأحمرء أم تنزوي خلف حائط السكون المبطن بالتهرب 
والمشيئة في الاختباء» وسط حملقتها للمرآة تباين الدمع في عيونها وفي 
لحظات استنادها على رأسها بكلتا يديها منكسة الرأس تساقط خصلات 
من شعرها كأوراق شجر خريفية لتعانق أرض المرحاض البراقة 
احترق كل ما فيها وتشبثت بالخصلات المفقودة» تصرخ في صمت»› 
تتسائل عن أسباب لم تكن في الحسبان هل أصابها مرض ما فوق 


عجزهاء تصبر نفسًا عجزت عن مواساة نفسهاء لديها هدف أسمى 
وأبلغ» حتى لو فقدت كل خصلاتها فإنها على مقربة من الانتهاء. 
في تلك اللحظات طرق عمر الباب لتطلب منه أن يدلف إلى الداخلء 
كعادته يقبل يد حبيبته عندما ينبغي قلبه عشقاء لاحظ حينئذ أطراقًا 
تتلوى ارتعاشًا وبرودة غير مسبوقة فتنبه لغرابة ما تستكين إليه حالتهاء 
فسألها عن أسباب ذلك بقلب قلوق ... 
- إيه مالك أنتي عيانة؟ 
- شوية أنفلونزا. 
- لا لا مش الأنفلونزا اللي تعمل فيكي كده ... أنتي متبهدلة على 
الآخر ووشك مخطوف. 
- أنا عارفة أنا بقلك إيه. 
نهرها عمر قائلا: 
- عارفة إيه مش فاهم؟ أنتي ليه بتكدبي؟! ليه مبتقوليش كل حاجة 
على طول؟ أنا من حقي أعرف كل كبيرة وصغيرة عنك. 
ردت بامتعاض ... 
- بصفتك إيه؟؟ 
سكت عمر قليلا كي يهدأ من روعة من واقع كلام استفزه ثم نطق في 
هدوءٍ نسبي بعدما اتكأ على الكنبة التي تنتصف الغرفة ... 
- بصفة اللي بينا يا آية. 
ردت في امتعاض: 
- ماشي وعشان اللي بينا سيبني براحتي» أنا مش قادرة أتكلم في 
حاجة دلوقتي. 
عنفها لائمًا ... 
- حاجة إيه ... أستغفر الله العظيم يارب. 
ردت في خنق: 


NY 


- عمر في حاجات آنا مخبياها عليك أنا عارفة» بس الحاجات ديه 
مش ده الوقت اللي تعرفها فيه. 
قال عمر في حدة: 
- ليه بتخبي عني حاجة من أصله؛ في الآخر تقولي بتحبيني» ليه 
هه؟؟ ما تفهميني عشان أنا زهقت. 
انتاب آية سعالًا قويًا كاد أن تظهر عروق وجهها أثره» لذا فز عمر من 
موضعه ليمسك كتفيهاء قائلا بعدما هدأ سعالها. 
- مالك يا آية في إيه ... أجبلك مايه؟ 
أشارت برأسها برفض. 
- طب أنتي كويسة؟ 
شعوره بالقلق أزهق شعور الامتعاض لديه 
- متقلقش علياء المهم أنا عاوزة أقابل دكتور ريتشارد ضروري. 
- أوك ... بس المهم طمنيني عليكي. 
- مفيش حاجة ياعمر ... أنا كويسة مفيش حاجة. 
لاحظ عمر تورم في وريد ذراعهاء فأمسك ذراعها وسألها في هدوء 


- إيه ده طیب؟!! 
- كنت واخدة حقنة 11131175 لما لقيت نفسي عندي هبوط. 
هدأ عمر قائلًا في هدوء: 
- على العموم خلي بالك من نفسك وأنتي دكتورة وعارفة الأدوية 
اللي بتخديها. 
وبدون أي مقدمات تخطف عقله بسؤال غريب .. 
- حبتني ليه؟ 
- سؤال غريب!! 


1۷۲ 


- لا مش غريب؛ لإن وضعي بيخلي أي حد يشفق عليا ... جو 
الصعبانيات يعني. 

تأملها قائلا: 
- دايمًا في حاجة بتشدني ليكي» حاجة مش قادر أفهمها لحد دلوقتي» 
تقدري تقولي مش عارف السبب» ورغم كل ده معرفش ليه مبقتش 
أفهمك. 
e‏ 

حملق في عيونها واستكان العشق بداخله ... 
- هي مش مخاطرة إنك تكشفي أوراقك قدامي» ولا هو فيلم خايفة 
تحرقيلي نهايته» أكيد الموضوع أبسط من كده بكتير. 

ابتسمت وسكتت للحظات» ثم نطقت: 
- متقلقش ياعمر هقلك كل حاجة في وقتها. 
- طب وبما إننا بنحب بعض ليه متقوليش من دلوقتي؟!! 
- طب هسألك سؤال» أنت مش ملاحظ إن في حاجات مبتدخلش فيها 
بحس إنها private؟‏ 

تعجب قائلا: 
- يا سلام ... يعني إيه مش فاهمك؟ 
- يعني عمري ما سألتك عن ماضيك ولا عن تفاصيل حياتك اللي 
فاتت قبل ما نتقابل. 
- أه بس لو سألتيني هجاوبك عادي مفيش مشكلة يعني» عشان أنا 
مش محتاج إني أخبي حاجة. 

أمسكت أطراف أصابعه» وتأملت عيونه لتنطق بحب وعطف حاني ... 
- كل اللي يهمني إني أشوفك جنبي يا عمر ... تبقى دايمًا الضهر 
اللي أسند عليه ساعة لما الدنيا تكشر في وشيء ساعة لما أحس إني 


۷۳ 


عاوزة أعيط تبقى أنت الحضن اللي أترمي فيه تبقى الأيد الحنينة 
اللي تطبطب عليا وتواسيني» فكوني إني مخبية حاجات كتير» ده 
عشان في أسرار لو اتعرفت قبل أونها؛ بتعمل مشكلة. 
- أسرار تجيب مشاكل ... إزاي؟؟!! 
- هيجي يوم تفهم اللي أقصدهء ساعتها هتعذرني ... النهاية قربت 
... قالتها بنظرة حزينة وكأنها تتكلم عن نهاية مؤسفة. 
- نهاية إيه؟! أنا مش قادر أستوعب اللي بتقوليه» نفسي مرة كلامك 
يبقى دوغريء مفهوم 
- مالك يا حبيبتي؟ 
أمالت نصفها العلوي وغرقت وسط دفئه» تبكي في ارتجافة وصوت 
منبوح ونفس متقطع. 
- خايفة من إيه بس أنا جنبك. 
- خايفة إني أموت وأسيبك. 
تأثر من واقع كلامها وظن أن حبه هو الرضا الكامل لها. 
- إيه الكلام ده؟!!! بعد الشر عليكي» لو سمحتي مش عاوز أسمع 
الكلام ده تاني» وبعدين متقلقنيش عليكي دنا حتي مسافر بعد بكرة. 
ردت بحزن كامل ... 
- على فكرة شكلي هنزل مصر معاك؛ مش هستحمل القعدة هنا. 
- مش أنتي قولتي وراكي شوية حاجات هتخلصيها مع دكتور 
ريتشارد؟!! 


NNE 


ههو مقن شاك و قت 
- أنا شايف إنك المفروض تفضلي هنا أكبر فترة ممكنة» متنسيش 
- أه ... بس مش هطيق إني هقعد هنا. 
- بسن أنتي لو جزالك حاجة آنا مان متيل إية اللى سكن يحصللي: 
أنتي هنا في أمان أكتر. 

هرش في فروة رأسه بشده .. 
- موضوع إنك كنتي هتتقتلي وكنتي هتضيعي من إيديا موضوع 
واكل دماغي وهيجنني» إيه اللي يخلي حد يعمل كده؟؟؟ والغريب 
إنها عملية مدبرة من الأول. 

ردت في هدوء مثالي ... 
- أنا عن نفسي مش عارفة ومستغربة من اللي بيحصل لإني دايمًا 
كويسة مع الناس» عمري ما أذيت حد. 
- الحاجة اللي مستغربلها إني ساعات بحس إنك عارفة أو شاكة في 
حد بعينه. 

ردت في هدوء 
- معرفش حاجة ياعمر ... خلاص أقفل معلش السيرة ديه أنا لسا 
تعبانة أوي. 
- سوري» كنت بتكلم في موضوع مبينيمنيش من كتر التفكير. 

ربت على كتفها مهدنًا دموعهاء يفكر في عواقب ما حدث على نفسية 

محطمة 


2F 2F f‏ عد 2F 2F 2F 2F‏ عد 


لم تكن العيون المباركة من قبل الدموع وارفة ليدنو العشاق منهاء إنما 


Vo 


هي ديباجة ما بين ماض وحاضرء تقطن سرير شبه مخدرة رغم أنه 
كان تخديرًا موضعيّاء تناشز الذكريات البالية في عراك هالك وتبقى 
على سجيتها الرقيقة بداخلها المهترئ» تستعر جبهتها بحمرة ورديةء 
يجاور ساقيها طبيبًا لم يباعد الثلاثين عمراء يرتدي قفازين مطاطيين 
يخنقان يديه قسرّاء يخفي نصف وجهه كمامة تشاركه أكسجين أنفاسه. 
ونصف وجهه الآخر نظارة سميكة سوداءء تعتصر يداه البدينة حقنة 
مغلفة مخنوقة» وما فك أسرها إلا عندما اخترقت عظمة حوضها 
ليسحب منها عينة من النخاع العظميء لم تستغرق تلك العملية مدة 
طويلة» بعدها دلف د.ريتشارد ليستلم تلك العينة المتباينة الألوان 
ويسلمها لقارورة زجاجية احتفظ بها بين أصابع يده» ليرفع النظارة من 
على مقدمة أنفه فيرجعها للخلف بسببابته متفحصًا للعينة قائلًا في هدوء 


- أوك كده تمام. 
لترد آية في صوت مخمول: 
- هستلم الخلايا إمتى؟ 
- بعد الفصل المعملي على طول ... خلاص قررتي إنك تستقري 
في مصر؟ 
أومأت آية برأسها الملتاع لجنون المحاولات .. 
- بجد هفتقدك أوي» لأني بعزك أوي. 
- هطمن عليك من وقت للتاني على الإسكايب أو الفيس بوك. 
- بالتوفيق يابنتي. 


ابتسمت آية لتغطي ابتسإمتدا كدر الأحزان ... لقد كانت تلك المرة 


الأولى التي يطلق عليها ابنته. 


2F 2F 2f 2F f‏ عد 


۷٦ 


يتكلم مع فقراته بالتوجع» ويريح نصفه العلوي على فخذيها الجريئتان» 
تعبت في خصلات شعره على غير عادتهاء عودة حميدة» وقتها عقارب 
الساعة تخبره بأنها بلغت العاشرة مساءًا على عكس ما كان يتوقع» فرن 
هاتف عمر برقم غریب» مما جعل ظهره يشفى كليًا وتندرج قدماه نحو 
الشرفة التي تبث هواء نصف بارد ... 
- ألو ... مين معايا؟ 
- عمك وعم بلادك ... 
- مين معايا إنجز بقى؟؟ مش فايقلك. 
- صدق والله عيب عليك أوي متعرفش صوتي كده» هو السفر 
بيغيرك؟!! 
- والله مش واخد بالي. 
- أنا محمود» محمود المنسي يا ندل. 
ضحك عمر قائلا: 
- ياراجل الله يخربيتك» صوتك متغير كده ليه» هي الشبكة وحشة 
عندك! ! ۰ 
اللوم بدا على صوت محمود ... 
- كده يا عمر تسافر من غير ما تقولي زي ما يكون ولا صاحبك 
ولا تعرفني» طب أعمل بأصلك وراعي العيش والملح» متخلنيش 
أحطك في البلاك لست. 
- ديه سفرية جتلي فجأة. 
- فجأة ؟؟!!.. فجأة إزاي يعني؟ 
انخفض صوت عمر ... 
- هابقى أفهمك. 
- طب ما تفهمني دلوقتي. 
- شكلك معاك رصيدء مش كده؟! ! 
hs‏ 


A 


- أيوه عليك نور بالظبط كده» ما أنت بتفهم هوه. 
- على العموم حسام عزمنا على الغدا بكره» أتصل بيك عشان 
يعزمك كان تليفونك مقفول. 
- وإيه المناسبة؟!! 
- بيقول عاوز يفتتح المستشفى على أول الشهرء شوفت شكلها 
- طب شوف جاية ولا لأ بدل ما أروح لوحدي. 
- لا روح أنت» كمان عندي مشوار صغير في المعادي قبل مجلكو. 
- خلاص قشطة: يالا روح نام. 
EE‏ 
أنهى تليفونه فسألته نور في غنج ... 
- مين يا ميرو؟؟ 
- ده محمود. 
- وبتقوله هتيجي ولا لأ على إيه؟ 


- دانتي رامية ودانك معانا بقى. 
- لأ أصل استغربت لما التليفون رن لقيتك قمت جري على البلكونة 


لم يتلجلج كعادته فقد اعتاد التحوير منذ مدة 
- ممممم ... المهم هتخدني معاك ولا لأ؟ 
- فين؟! 
- للمكان اللي هتروحوه. 
- أه حسام عازمني على الغدا أنا ومحمود بكرةء تيجي معايا؟ 


YA 


ردت نور في أسف .. 

- بجد» بس أنت عارف إني بعدي على ماما بكرة وبنتغدى سوا. 

- برحتك شوفي كده. 

- لأ ممكن ماما تزعل دي هتعملي مسقعة مخصوصء عارفة إني 

- خلاص الغدا الجاي. 

- ده على أساس إن كل شوية هيعزمك!! 

- الراجل تقريبًا معاه قرش ومحيره ففاتحها سبيل. 
قالت ممازحة ... 

- مبتبطلش قر على الناس أبدًا!! 

- لا متخافيش عيني مش مدورة. 

أنت أدررئ. 

- أنتي عارفة إنه هيفتتح المستشفى خلاص؟ 

- بجد!! 

- ما شاء الله بالسرعة ديه؟!! 

- الفلوس تعمل كل حاجة. 

- على رأيك. 
في اليوم التالي ذو الزوابع الترابية التي لامست جفونه قسرًاء فارتضت 
أن تقاومها رموشه باقتدارء ينظر إلى صفرة السماء في يوم تخلت عن 
زيها الأزرق» ينحني قلبه إلى خالقها وواضع لها الأحوال» مخترقا 
طريقه نحو الفيلا المقصودة» حيثما وصل» ركن سيارته وركب أقدامه. 
دلف عبر بواباتها الحديديةء فلامست قدميه كرة أطفال بلاستيكية ملونة 
يبدو أن الرياح عبثت بأشياء منة ابنة حسام» تنازل عن وقفته وارتضى 
أن يحمل الكرة ليضعها بين يدا الطفلة الجميلة القادمة نحوه بشذاها 


۷۹ 


العابق مع عبق أزهار المكان» أمسكت بكرتها بين أصابعهاء جرت 
سريعًا إلى الأمام تنادي أباها وتخبره بصوت المرح عن قدوم الضيف» 
بعدها سحبت يد عمر قائلة ... 
- عمو رسمت رسمة ... وبابا قالي حلوة. 
- وريني يا حبيبتي. 

تابعها عمر حتى وصلوا إلى ركن خاص بحديقة الفيلا أضافت فيه 
لوحاتها على الأرض الخضراءء أخذ وضع القرفصاء يتفحص فنانًا 
صغيرًا تجلى في ضربات خطوط يد ضئيلةء لوحتها ذات الألوان 
المزركشة»ء متابعًا ببصره منحيات وقلوب محشوة بالأسهم» تذكر حينما 
ود قلبه راحة في سن الصراحة» وأخذ يقلب بين صفحات ملونة» توقف 
فجأة على صورة أثارت الجدل في كيانه» إنها صورة لكرسيًا متحركًا 
تتكأ عليه امرآة غير واضحة المعالم» هدمت الدهشة معالم الارتياح 
وتباغت هدوء ملامحه» فجأة ارتعشت أصابعه توترًا لما أصاب أذنيه 
من صوت خلفه» صوت لطالما ينتظر سماعه؛ تسائل أهو صوت من 
الزمان السحيق أم أنه حاضر ملموسء تنبه لصوت منة الصغيرة تنادي 
وتقول "ماما" نعم إنه أزيز كرسي معروف» لا يريد أن يلتف ليواجه 
مجهولًا قد يصدم مفهومًا خاطنًا بداخله» تحملت رقبته الألم لتنحني 
مقاومة لتحجيم قلبه لهاء بصره يكذب بصيرته وإحساسه»ء أنها آية التي 
يعرفهاء قد تقع الأسئلة عليه فتسقطه إلى قعر الهاويةء أهو حلم أم كبوس 
مُعيي» ينبش من داخله أشلاءَاء وقف على قدميه و جاء إليه حسام ملقيًا 
عليه السلام ودافعًا أمامه شابة عاجزة» "المدام" هكذا أخبره» كلمة 
علمها ولم يود سماعهاء نزلت على مسامعه كالسيل الجارفء ثم أخبرها 
أنه عمر الذي أنقذ ابنتهما من الموت المحتم. 

علت الدهشة ملامح آية لدرجة قصوى وتيبست للحظات ثم مدت يدا 
صفراء ذابلة ترتعش مزامنة للحدث» درجة انفراج عيونها باتت أوسع 
من حفرة خلفها صاروخ نووي» حتى لامست يده» كان الخوف ينساب 


A 


بقشعريرة من رأسها ليتخذ دربًا يفيق شلل ساقيهاء لتقول بشفاهها 
الا 

- اتشرفنا بمعرفتك. 
عمر رد بأتزان غير عادي في حدث مثل هذاء كأنما يحتسب حدوث 
ذلك تبادلا سلام الأيدي» تحجر الريق وصعب الابتلاع ... 

اهلا وسيل با مداع 
قال حسام بصوت هادئ بعدما وسع دائرة الكوفية المحبوكة حول رقبته 


أوسا مدا N‏ 
صدم عمر من واقع سؤاله؛ ولم يلمح ملامح استغراب على آية الرابضة 
على كرسيها في توترء لذا لم يخبأ الحقيقة فرد قائلا: 

- أه ... لا هي مرهقة شوية. 
ظل التساؤل يطعن عقله» أينبت من ظهر البراءة منبت الخيانة 
والخداع» تتشقق صدفة مخه؛ وانسحق القلب في قفصه»ء فزع من كل 
مشاعر الحب في لحظة استردادية بين الحقيقة والخيال» ربض بداخله 
الرهبة» بات مكلومًا مسدود الفاه» يرد على من يسأل ويغلق باب فمه 
بالأغلال» حتى طلب حسام قائلا: 

- يالا يا عمر محمود جوا والأكل هيبرد 
طريقًا من الحديقة إلى مدخل الفيلا كجهنم في شهر صيفء أشواكًا 
تعمدت أن تنتصب في طريقه» ليلاقي بكفوف قدميه جراحّاء حتى وصل 
مائدة لا يرى فيها إلا طعام من غسلين» تتشقق شفتاه عندما يحاول أن 
يثني على الأكل مبتسمّاء لم تكن مأدبة الطعام شهية بالنسبة له» كأكل 
مفروض عليه؛ لكن محمود أخذ يثني مع كل قضمة تذوقهاء و فجأة 
غمز محمود قدم عمر هامسا ... 

- مرات حسام مبتفكركش بحد؟!! 
رد عمر بامتعاض وهمس: 


۸۱ 


لوست يقن 
- يا راااجل ... مبتفكركش بآية. 
- خلاص أكتم. 
- إيه مالك يابني؟!! 

تحدث حسام عن زوجته فأشار بالشوكة التي يمسكها في يده اليسرى 


- دي بقى زوجتي حبيبتي وأم منة ربنا يخليهالي. 
رد محمود في رضى: 
- ربنا يخليكو لبعض. 
مثل عمر الاندهاش ... 
- مشفنهاش المرة اللي فاتت لما جتلك؟! 
رد حسام معللا: 
- دايمًا مسافرة أصلها دكتورة في جامعة كامبردج. 
- أنتي تخصص إيه يا دكتورة؟ 
ردت آيه في صوت مخذول 2 
- مخ وأعصاب وأنت؟ 
امه عاد 
قال حسام في هدوء: 
- المدام كانت رئيسة مؤتمر لندن ... أنتو حضرتوه مش كده! 
رد محمود بعدما انتزع المعلقة من فمه: 
- أه حضرناه» أنا فعلا بشبهه عليها. 
بدا الذهول على وجه محمود الذي تشتت تركيزه عن الدجاجة المسحولة 
بين يديه ... 
فقال عمر ضاحكًا ... 


A۲ 


- آية صدقي 
تكلم حسام وبات يرمق زوجته في هدوء .. 
کک وکوین لا فاك انها 
رد عمر متابعًا ضحكاته ... 
- مكنتش أعرف إن الدنيا صغيرة أوي كدهء بقى رئيسة المؤتمر 
اللي حضرته تبقى زوجة الأستاذ حسام» ولا كأني بحلم!!! 
رد حسام قائلا: 
- الدنيا مهما تكون كبيرة بتجمعنا سوا تاني. 
بينما ترقب عيون محمود الحدث في هدوءء رد عمر قائلا: 
- دنيا غريبة فعلا يا أستاذ حسام وأنا مبسوط إننا اتجمعنا مع بعض» 
متجمعين عند النبي إن شاء الله» قالها وانفلتت ضحكة طويلة من بين 
شفاهه. 
رد حسام في استعجاب: 
- إن شاء الله ... كلوا يا جماعة متكسفوش البيت بتكو أنا مش 
بعرف أعزم, الأكل مش عجبكوا ولا إيهء لو مش عجبكوا أغير 
آناأة الطباخين على طول. 
رد محمود متفاخرًا: 
- يا حسام باشا كله تمام متقلقش شوية ومش هتلاقي فتفوته على 
السفرة. 
ابتسم حسام ممازحًا: 
- دلوقتي بقى بنا عيش وملح ومستشفى ... صح يا دكتور عمر؟ 
رد عمر في هدوء: 
- أكيد ... خيرك سابق يا ريس. 
قال حسام في فم ممتلى: 
- دايما نحمد ربنا على كل شيء ... منتبطرش على النعمة ... 
نرضي بقدرنا واللي مكتوبلنا. 


A۳ 


قال عمر في جدية مصطنعة بينما يحاول أن يلتقط المكرونة بشوكته 


- ربنا يقوي إيمانك ... وإيمان المدام ... الزوج الصالح والزوجة 
الصالحة ربنا بيحفظلهم حياتهم» ويطلعوا أجيال صالحةء والدنيا 
تبقى صلاح في صلاح وهداية» ربنا يحفظكم يارب. 
جامله حسام قائلا بينما تتابع عيون محمود الموقف دون الإدراك التام. 
- ربنا يحفظك ... أنت راجل أخلاق. 
ابتسم عمر ابتسامة عريض قبل أن يردف قائلا في جدية مصطنعة: 
- المدام بقى بسم الله ماااشاء الله عليهاء هادية كده في نفسهاء 
سماههم على وجوههم فعلاء ربنا يحفظهالك يارب. 
- امين. 
عم السكون للحظات بعدما تبادلوا الابتسامات بينهم» فجأة رن هاتف 
عمر» فضغط زرًا ليضعه في وضع الصامت ثم وضعه على أذنه 
وبات يمثل صدمة فوجائية» قائلا كلمانا ارتعادية ... 
- إزاي ده حصل وإمتی» طب أنا جاي حالا. 
فقال عمر في صوت مخضوض وأمسك منديلا يمسح به فمه تنظيقًا 
سريعًا ... 
- معلش يا أستاذ حسام أنا مضطر أمشي عندي مشكلة. 
رد حسام: 
-طب استنى أجي أوصلك. 
مثل عمر الاستعجال ليوضح هول الأحداث. 
- لا لا ربنا يخليك منا معايا العربية. 
- إن شاء الله خير. 
دمع اة ا اسك حا مع الساكسة با مداد انق ثم صرت 
سريعًا. 
فقال محمود في قلق واضح: 


A4 


- أصبر طيب يا عمر فهمني يابني. 
- مفيش وقت يا محمود. 
انصرف عمر ليقطع محمود غداءه ... 
- معلش يا أستاذ حسام» أنا هروح بس أشوف ماله» اأطمن 
وراجعلك تاني. 
- اتفضل. 
لحق محمود عمر بينما يفتح باب سيارته براحتيه المرتعشتان ... 
- إيه اللي بيحصل ده يا عمر. 
فأمسك محمود بذراعه لإيقافه عندما كان يدلف داخلا إلى السيارة ... 
- أستنى بس فهمني هو مرات حسام هي البنت اللي بتحبها على 
مراتك ولا أنا فاهم غلط؟!! 
- لا فاهم صح وسبني أمشي بقى. 
- طب في حاجة عنذك في البيت؟؟ 
- لا متقلقش. 
- ماشي ... هخلص مشوار في المعادي وبعد كده نتقابل في سلنترو 
اللي في ار اضر 
اا فا على دل ا 
- أوك يالا سلام, 
يشعر باختناق حجم قدرته على التنفس» يضرب على صدره طوال 
مشيته المنكسرة» لعل رئتيه تنتفض بتنفس أقوىء يفتح أزرار قميصه 
المحبوكه» ويفصح عن ضيق صدره قليلاء يتذكر قبلة قد أخذها سرًا أو 
حضتا قد ارتوى به في أيامه السابقة فيسب طبيعة بشرية حقيرة» تعنفه 
أفكاره ويدرك أن الحمد كان لا بد أن يملؤه» فينتهي به الأمر مملودًا 
بالحب المحلل لديه. 


1١/5 


2F 2F 2F SF f 

المكان امتلا بدخان المدخنين» أصوات ارتطام الأكواب ببعضها قدم من 
المطبخ الخاص بالمكان» الإضاءة البرتقالية المنسدلة من الأسقف تدفئ 
القلب بعض الشيء» تلك الصورة المعلقة في أقصى الأركان كانت لفتاة 
جميلة تشغل الأبتسامة نصف وجههاء دعوة إلى التفاؤل والمرح» 
وعلي حسب الميعاد المتفق عليه» كان محمود يحتسي فنجان من القهوة 
ويرتشف رشفاته الحميمية العاشقة للفنجان في هدوء نفسيء حتى أنه لم 
يلحظ قدوم عمر إلا عندما سحب الكرسي الذي أمامه وعندما انتبه له 
قال: 

- إيه يا بني قلقتني عليك والله. 
رفكي باس 

- ليه يعني؟؟! 
تعجب محمود قائلا: 

- إيه اللي ليه» انت شكلك كان متعصب» تقدر تقول شبه منهار ... 

احكيلي احكيلي ... مش فاهم حاجة. 

- أحكيكلك أيه بس؟!!! 

- أنا ذات نفسي مش فاهم حاجة. 

- يعني إيه؟!! 

- يعني أنا أصلا مكنتش عارف إنها متجوزة من أساسه. 

- يا ديني ... دي فشختك في أفكارك. 
رمقه دون أن يتفوه بكلمة 

- حوار غريب أوي. 

- أنا بجد مكنتش قادر أصدق عيني. 

- بجد أنا مستغرب أوي ... 


۸٦ 


- والله أنا زيك ... أنت لو شوفتها معايا وتشوف الحب والسهوكة 
تقول عليا كداب. 
- سبحان الله يا أخي ... لسا في بني أدمين كده!!! 
ضحك عمر ضحكة حزينة قبل أن يتكلم في تعجب 
- أنت عارف إني فاتحتها في موضوع الجواز؟ 
- وقالتلك إيه؟ 
- قالتلي أصبر عشان ظروفيء واللي حصليء أي هرتلة والسلامء 
بجد أنا دماغي هتفرقع ... ومن ساعة ما روحت البيت نور قاعدة 
تقولي مالك يا حبيبي في إيه وتزن لحد لما طلعت فيها قبل ما أنزلك. 
رد محمود مشفقًا ... 
- ياعم حرام عليك دي نور طيبة وبتحبك متعذبهاش معاكء كفاية 
إنك كنت بتبقى معاها وعقلك في حد تاني» يعني بدل ما تخدها في 
حضنك وتعرف قيمتها تروح تتخانق معاها. 
- منا متضايق ومش طايق نفسي» خلتني مغفل وبريالة كمان. 
- بص يابن الناس هقلك حاجةء أولا أعتبر اللي أنت عشته الفترة 
اللي فاتت كان لعبةء ثانيًا 
قاطعه عمر في غضب قائلا: 
- لعبة!!! 
- متقطعش كلامي أصبرء ثانيًا أنت كمان زيهاء قاعد تحب فيها 
وأنت متجوزء أنا عارف إنك هتقولي أنا راجل ومحلل ليا أربعة: 
بس أنت تختلف عنها في إيه» هي خاينة لمشاعرك مش كده؟! 
..وهي لو كانت اكتشفت انك متجوز قبل منته متكشفها كانت هتقول 
عليك خاين لمشاعرهاء بصراحة المفروض إنك تنسى اللي حصل 
وتنتبه لابنك ومراتك وخلاص اعتبرها نزوة وعدت ياسيدي› 
وبلاش نقول لعبة عشان متزعلش 
قال عمر في هم شديد: 


AY 


- يمكن بس أنت متعرفش أنا حبتها أد إيه ... 

- وليكن» خلاص» أكيد مش هتعلق نفسك بواحدة خاينة. 

- أنت يا بني تقوم من هنا على الست اللي في البيت وتبوس إيديها 
وش وظهر. 


- وبعدين يا عمر مش دي نور اللي كنت دايمًا هتموت عليهاء ولا 

البني آدم طبعه كده» يبقى هيموت على الحاجة وبعد لما يخدها ... 

بخ شكرًا 

- بقلك إيه أنا عاوز أقوم أتمشى شوية ... حاسب يالا ... مش 

طايق القعدة في الكتمة ديه. 

- خلاص أوك معنديش مانع. 

- ولو عندك مانع هقوم أتمشى أنا. 

- إهدى ياعم قايم معاك. 
كان صراخه المبعوث من جوفه المريضء يحقن الدم في عروقة ويثخن 
الجرح الأليم» حبه لم یکن إحدى نزوات رجل ارتضى لذة الخيانة 
الآخر أنه مشذوذ ثقلت عليه الدنيا فأفقدته صوابه؛ لا أحد يعلم ان صوته 
المنبوح خرج من داخل ثناياه وليس صوت زيح من على طرف لسانه 
إلى الهواء» عجبًا إذا وجدت عيونه تعي بنظراتها دليل المعرفة لحال 
العاشق» ترتجف أناملة ويحتضن الطيف المنبعث من نفس المواساة» 
تذرف العيون ودقاء حاله المدون في الأوراق مكتوب بحبر طافح» يبدو 
أنه خالطه الدموع» حتى الصفحة زادت انكماش عن باقي الصفحات» 
تنهال عليه الطرائق وتخسف به الأرض حزتاء يرفع يده لرب السماء 
طالبًا العون» يشهد على نفسه بالذنوب والآثام» صار هيكل داخله 
متصدعًاء ما من دموع تحكي عن أحزان محتشدة بداخله الكسير» فكل 


A۸ 


بانس م انق لسن الطاض فا لعي ود كرا النقرى: لجار نل اسفن 
نفسه بزوجته» زوجته الوفية التي تتفانى في حياتها الزوجيةء لتثبت 
إهمال زوجها المبرح» ففي باديء الأمر حين رجوعه إلى البيت بعد 
يوم غادرء لم يجد نور تقبع في الحجرة المجاورة لباب الشقة كعادتها 
تشاهد التلفاز في انتظاره» وعندما ناداها لم تجب» ظل يبحث حتى 
وجدها تقطن سريرهما تمسك برواز صورة زواجهما وتنظر فيها 
بعيون محتقنة بالاحمرار» عيون عقب بكاءٍ كثيف» أضرمت مشاعر 
عمر وما من عناق حاني حتى انسكبت الدموع من عيونه» وأطرافه 
تشبثت بظهرها كطفل لم يبلغ الثلاث سنوات» لاحظت ذلك» تعجبت 
لعاله ال بشع تموعة باط راق ايانط كفني امع ر ات 
عن أسباب التغيير» لم يرد عليها إلا بقبلة نالتها في فمها بإحساس خفاق» 
بعدها شعر بأن حب نور يسري في أوصاله فنطق عن ما بداخل قلبه 
من عشق» أصبحت أميرته في ليلة هانئة يجمع شملهما الندم. 


١1 


الفصل الرابع عشر 


قرص الشتاء لقدميه الهاربة من تحت الغطاء جعله يستقيظ. يحاول أن 
يفتح عيناه المثقلتان بالنوم» أزاح النوم عن جفونه راجيا بالابتعاد عنه 


مقصده وانتبه لزوجته التي ترتدي لوتا مبهجًا لليلة أمس وتذكر أنه 
واجهها بظهره بدلا من حضن حاني» وكعادة امرأة تزين جمالها 
لزوجها ثم لا ينتبه للتغيرات الطارئة على سجيتهاء يجعلها تووهم الذل 
وتستنكر عشقاء فهي من تنتظر أن يقطف من داخل قلبه نسمات كلامية 
تغنيها عن العالم بأسرة» بدلا من وجه باهت يثير الجدل والسؤال؛ لم 
يسعه سوى أن يعم عليها بحبه» ربت على كتفها وأذاق رقبتها قبلات» 
تفيق من غفلتها وعندما شعرت بيدية التي ترتكز على كتفها قبلت 
أطراف أصابعه» لم يكن في مقدوره إلا أن يبقيها بين ذراعيه كنسج 
العنكبوت خيوطه على فريسته» يهمس في أذنيها بكلمات من العشق» 
يسمع تهدج نفسهاء يشتد الشوق ويغلبه ليقبض عليها أكثر بداخله؛ 
لتنطق بحبه في طور الصباء كزوجين جديدين» يتبادلا عشقهما الحميمي 
لأول مرة» نفس اللهفة» نفس الإحساس الألماسي تنبه له حتى صعدت 
الشمس لمنتصف السماء» لتغرق الأرض دفنًا بعدما نبش الصقيع 
سطحهاء كانت ستنتهي كليلة رائعة لولا اتصال صباحي من رقم غير 
مسجل بهاتفه» فلم يستطع الرد خوفا أن تكون الأخرىء لذا شح حبه 
فجاةء واندثر وراء الذكريات بعدما كان يملؤه. 
6 6د عد كد 2K 2F‏ 

يذهب إلى ميعاده مع محمود مبكرًا كي يحتسي فنجان قهوة ويعطي 
للموضوع حجمه المناسب» انتقل إلى سيارته كي يذهب للميعاد المتفق 
عليه بمزاجه المتقلب يدندن بكلمات من أغاني قد حفظها وأحيانا ما 
يغلبه السرحانء أحيانًا ما يطغوا صوته على صوت كاسيت السيارة 


1۹۰ 


الاه شاف القاة لى راه لك سيظن اه فن انهه ااه اة فا 
باغتته سيارة من الجهة اليمنى وأخرى من اليسرىء سياراتان سوداتان» 
تحملان رجلان يرتديا السواد فأخرج صاحب السيارة اليمنى مسدسًا 
يلحق آخره كاتم صوت» كي يسدد له رصاصة الرحمةء في تلك 
اللحظات ذعر عمر فزاد من سرعة سيارته» فضغط على دواسة 
البنزين كي يتدفق البنزين إلى الموتور ليفيق من كسله؛ يشحذ الشكمان 
هواءًاء ترتضي السيارة المهترئة منافسة المرسيدس بجانبهاء أملا في 
حياة أخيرة» لترتجي أن تقضي بعضًا من الكيلومترات» سائقها ينوي أن 
يعيش لأجل ابتًا يود أن يتربى في كنفه» زوجة تنتظر وصوله إليها 
يوميّاء في تلك اللحظات الفاصلة» تمنى روحه ألا تغادره رغم أنه كان 
يلعن لحظات بقاءه حيّاه تشبثت الدموع برموشه» إمتدن حزنه أمام 
نفسه» ولم يسع له القدر أن يمتد في الإمتدان» تركيزه على فراره» جعله 
بالكاد يتفادى أن يصطدم بسيارة على طريق الكورنيش أثناء محاولة 
هروبه» كي يواجه مصيره» ليصطدم في عمود الإنارة فأزاحه بعدما 
تجاوز الرصيف ونال اصطدامًا مبرحًا في السور الحديدي» حتى فقد 
الوعي إثر اصطدامه العنيف» لو رآه من يعرفه بهذا الدم الملطخ على 
جبينه» وقميصه المخضبء لأقسم بأن المنية قد نالت منه بالوعيدء لولا 
سيارة الأسعاف التي جاءت في الوقت المناسب وأنجدته من السيارة 
التي رتعت من دماءه رتوعا بعدما انطبقت مقدمتها عليه للقى حتفه في 
ذلك اليوم» فهنالك من يوفرهم الله لكي ينتشلوا البعض من بين برائن 
الموت. 


2F 2f 2f f‏ عد 


EN N OS 


۹۱ 


فتح عينيه ليجد من تمسك يده جمالا خفاق» يعلوه شعرًا حريريء عينان 
خضراوانء بياض الثلج» هي آية فلامس دموعها يده حين تقبيلها ليديهء 
فقالت بصوت أجهش بكاءًا ... 
- أخيرًا فوقت يا حبيبي. 
رد عمر بصوت متهدج: 
- آية ... بحبك 
- وأنا مقدرش أستغنى عنك» وكويس إني اطمنت عليك» على 
العموم أنا لازم أمشي وهحاول أجيلك تاني أطمن عليك» الوقت 
اتأخر. 
تمتم عمر بكلمات غير واضحة متأثرًا بتعبه الراهن. 
2F fF‏ عد 2F 2F 2F‏ 
جاء المقدم المعهود ويلحقه نفس العسكري المعهودء ليستريحا أمام عمر 
منزلقان في كرسيان خشبيان» فيفتح العسكري دفتره المهترئ لكي يبدأ 
في اجتهاده» فيشعل المقدم سيجارته المرلبورو ويبدأ في شفط نفس 
- أرجوك أطفي السيجارة. 
اماع 
ضغطها بغل تحت قدميه ليخفي لهيبها تمامًا. 
- عامل إيه يا دكتور عمر؟ 
- أهوه ... زي محضرتك شايف. 
شوية كدمات وارتجاج بس الحمد للهء واضح إنك من تاني يوم 
بومب. 
- ربنا بيسترها. 
- أوك يا وحش» جاهز ناخد أقوالك؟ متخفش همه كام سؤال على 
طول. 


۹۲ 


- أوك جاهز. 
ميد آنا که تفتكن مير لد ضا انه كلمن ا 
سكت عمرللحظات ثم تابع قائلا: 
- معرفش بصراحة. 
- تمام» طب أنت ليك أعداء؟ حد هددك الفترة اللي فاتت مثلا؟ 
- يا باشا أنا حياتي مقفولة على بعض» مراتي وابني وصاحبي 
محمود معرفش حد تاني عشان أقول عليه أعداء. 
- تفتكر الموضوع ده ليه علاقة بقضية الدكتورة آية!! 
تلجلج عمر قائلا: 
- لا أكيد. 
- وإيه اللي أكدلك. 
- أنا خلاص قطعت علاقتي بالدكتورة من فترة. 
- وإيه اللي خلاك تقطع علاقتك بيها؟ 
فكر للحظات قبل أن يجيب 
- اللي هي إيه الخلافات ديه؟! 
- خلافات عادية حضرتك. 
سكت قليلا ليتابع المقدم قائلا: 
- تمام يظهر إن الموضوع شخصي جدّاء بس أنا شايف إن حادثتك 
ليها علاقة بقضية الدكتورة آية. 
- مظنش ... لا ملهاش علاقة. 
- مش أنت اللي تقول ليها علاقة أو ملهاش» أصل مهمتنا إننا نمسك 
أي طرف خيط يوصلناء ممكن الطرف ده في وجهة نظر أي حد 
ملهوش لزمةء خيط مقطوع» إحنا اللي بنشوف ده في النهاية. 


امتعض المقدم ليسكن قليل ثم يتابع قائلا: 


۹۳ 


- ممم ... بس أنا متأكد الموضوع واضح» أكيد في علاقة تربط 
موضوع الدكتورة بحادثتك. 

يحاول المقدم المحافظة على هدوءه. 
- مهو أنت كده مبتساعدناش» وأقوالك ديه مش هتفيدنا بأي حاجة. 
- أنا لو كنت فاهم أو عارف كنت قلتلك. 
- أصل بين حادثة الدكتورة وحادثتك وقت قليل» أنت إيه علاقتك 
بالدكتورة بالظبط؟ 


- أه بس. 
- مقدرتش تلمح وشوش الناس اللي كانوا في العربيات اللي 
هاجمتك؟ 
- أنا كل اللي لمحته ... المسدس اللي كان هيقسم راسي نصين. 
- عندك أي أقوال تانية ممكن تقولهاء أي حاجة تضفها. 
- لا اللي أعرفه قلته. 
- يظهر إنك مش عايز تساعدنا أو تساعد نفسك» طب يا أخي مش 
نفسك تاخد حقك ولا إيه» على العموم لو في حاجة جديدة جدت تبقى 
تشرفني مكتبي وأنا دلوقتي هاسيبك تستريح. 
قام المقدم من موضعه فأمسك مقبض الباب ثم التفت إلى عمر قائلا: 
- لو الدكتورة بالنسبالك أكتر من صديقة ... يبقى لازم تعرف مين 
اللي عمل كده» أشوفك على خير. 
غادر ليزرع القلق في داخل عمرء بعدها بدقائق دخل الدكتور ليطمئن 
على حالته ... 


- إيه أخبارك يا دكتور عمر؟ 


۹٤ 


- أنا الحمد للهء ممكن طلب؟ 

- أمرك 

- مراتي هتيجي كمان شوية مش عاوز أي حد يعرف اللي حصل؛ 
أكنها حادثة عاديةء أوك. 

- مفييش مشاكل» في جواب سابتهولك الآنسة اللي كانت موجودة 
من شوية» تحب أجبهولك ولو أني أفضل إنك متجهدش نفسك في أي 
حاجة دلوقتي حتي القراية. 

- أوك خليه وأنا خارج. 


2F 2F 2F كد عد‎ f 
جاء الطبيب في اليوم التالي حاملا السماعة على عنقه» مستبشرًا بحالته‎ 
الجيدة» فيعلو فمه العريض ابتسامة تبرز أسنانة العريضه»ء انحنى‎ 
ليفحص عمر في هدوء ثم قال:‎ 
واضح إنك بقيت أحسن دلوقتي» على العموم حالتك مكنتش صعبة‎ - 
من الأول متخافش» هو كان ارتجاج في المخ وراح لحاله وشوية‎ 
كدمات.‎ 
.. تسائلت نور في لهفة الجواب‎ 
لا هو أصلا فقد شوية دم لما دماغه اتفتحت» وعنده شوية كدمات‎ - 
هيخفوا بسر عة إن شاء الله.‎ 
إن شاء الله يا دكتور.‎ - 
بس بقى موصكيش يا مدام لما يخرج تديله العلاج في ميعاده» أو‎ - 
حتى تفكريه» أنتي عارفة إحنا كرجاله كل تفكيرنا في الشغل‎ 
وساعات بنهمل في صحتنا على الآخر.‎ 
لا يادكتور متخافش.‎ - 


١16 


رد عمر قائلا في ضيق: 
- يعني هخرج إمتى يا دكتورء أنا اتخنقت. 
- يومين كده وهكتبلك تصريح خروج» يالا أنا مضطر أمشي» 
ردت نور قائلة: 
- اتفضل يا دكتور. 
ماقي سبلم عليكد: 
تيو فلكم اأ 
غادرغرفتهم لتبدأ نور مواستها الحانية. 
- معلش يا ميرو يا حبيبي» إن شاء الله تبقى كويسء دنا راحت عليا 
نومة: لما لقيتك اتأخرت دخلت الأوضة أريح شوية عبال متيجيء 
قلقت عشرة الصبح لقيتك لسا مجتش اتخضيت ومكنتش قادرة أتلم 
على أعصابي. 
رد عمر بفخر ... 
- متقلقيش» جوزك لسا بصحته» أسد زي منا. 
- العربية طبعًا ادمرت. 
- بقت مليون حتة. 
قالت نور في غنج ... 
- فداك مليون عربية» كده كده كنا بنفكر نغيرها ... عمر ... ممكن 
أبوسك ولا هوجعك يا روحي. 
مازحها عمر ... 
ضحكت نور ممازحة عمر ... 
- طب خدك؟ 
- الاتنين بيوجعوني. 
اقتحم محمود هدوء الغرفة والجو الرومانسي المنتشر عبر هواءها ... 


۹٩ 


- لا لا البرنس ... الوحش ... الجامد أوي ... يحصل فيه كده دانا 
لما عرفت اللي حصل مصدقتش» بس قابلت الدكتور دلوقتي قالي 
إنك بقيت كويس. 
- برنس ووحش إيه بس مخلاص» هو في حاجة جبتني الأرض 
غير قرك. 
- طب استنى أنا هشهد المدام. 
ردت نور: 
ع ٤‏ 
- بذمتك أنا عنيا مدورة؟ في مرة حكالك إني قريت عليه؟ 
ردت نور ممازحة 
- بصراحة لا. 
- شوفت بقى أنت بجد ظالم» حتي وأنت عيان ظالم!! 
ضحك عمر قائلا: 
- بطل الأفلام الهندي بتاعتك ديه. 
- المهم أقبل مني شوية الورد دول. 
- ورد ... من إمتى الإتيكيت اللي أنت فيه؟ أنا قلت هتجيب كيسين 
برتقان معاك ولا حاجة. 
- ليه بتكسفني قدام المدام ينفع كده!! 
- شوفلك كرسي وتعالى أقعد. 
- ديه أخرتهاء دا أنت المفروض تشكرنيء دانا مرضتش أسيح 
وأقول لحد على الخبر عشان ململكش القصر العيني بما فيهم هبة. 
رد عمر في همس: 
- الله يخربيتك ... 
نظرت نور إلى عمر بحدة قائلة: 
- مين هبة ديه؟؟ 


- ما تقولها يا محمود مين هبة. 


۹1۷ 


قالت نور بعيون يلتهمها التساؤل ... 

- مين هبة يمحمود؟؟ 

- دي ممرضة عادي. 

- طب طالما عادي جبت سيرتها مخصوص ليه؟!! 
فكر محمود سريعًا كي يجد ملاذا من موقف كهذا ... 

- أصلها كانت متخانقة مع عمر خناقة كبيرة. 

- مقلتليش يعني ياعمر!! 

- أصل ديه خناقات شغل بقى ... انا بحب لما بروح أنسى الشغل 

بمشاكله وقرفه. 
رد محمود: 

- بسلاطاته ببابا غنوجة يعني. 
ابتسمت نور ... 

نم اتن 
قال محمود بينما ينظر إلى نور نظرة ثقة ... 

- ويا ستي متضايقيش نفسك عمر خد حقه وزيادة. 

2F 2F كد عد‎ f 

ولكن حينما تطأ قدميه على الأرض بعد الشفاء» يبغي أن تحمله قدماه 
جريًا إلى المكتب» امرأة تهتم لأمره وتسانده» يطلب منها أن تتركه 
فحالته ليست لتلك الدرجة المهيبة» يتماسك حتى يعاود خطواته في بطئ 
نسبي» تقف خلفه تخاف عليه الوقوع» نورء في حب الأمومة تجسدت 
وفي عشق الحبيبة تهاب» تنوي أن تنزح عنه العذاب» أو أقل الحالات 
تشاطره» تخفف عنه مرضه»ء حيثما انطلقاء توقف أمام مكتب الطبيب» 
طلب عمر من نور بأن تنتظره في مكانهاء دلف إلى حجرة الطبيب 
ازشية: على كشاهه اة حياد ثم طت هه الجلورين لتر ت 
وفور جلوسه طلب إليه عمر بإيضاح الأمرء مد الطبيب يده إلى درج 


۹۸ 


مكتبه ساحبًا مظروقًا بداخلهء قائلا في ابتسامة هادئة ويمد يده مسلمًا له 
ذلك المظروف: 

- اتفضل يا دكتور. 

2F 2F 2F عد عد‎ f 

رسالة من قلب صادق تعني الكثير ... 
"عمر حبيبي ... أنا عارفة إنك دلوقتي بتقول عليا خاينة وكدابة» بس 
أنا مش زي ما أنت فاكرء وبجد أنا كنت قررت إني هبعد وأنساك زي 
ما أنت قررت ده وبعدت عني في وقت أنا كنت محتجالك فيه أوي» بس 
قبل ما أبعد. أنت لو عاوز تعرف الحقيقة» قابلني يوم تمانية وعشرين 
يعني بعد أسبوع من تاريخ الرسالة في البيت بتاع إسكندرية القديم» بجد 
لازم تحط في دماغك حاجة واحدة بس» أنا عمري ما حبيت غيرك في 
حياتي" 


7 


2 2F 2F عد‎ 2F 2f 2F 
تكررت أخر كلمات في رأسه. اتجه إلى المرحاض» يتأمل لمعان‎ 
صنبور المياه للحظات» فامتدت يده لتفسح مجالا لمياه المواسير‎ 
للهروب من أسرهاء أغطس رأسه تحت موجات قطرات المياه‎ 
المتساقطةء لا يلحظ شينًا مما حوله حتى أنه استغرق عدة دقائق في هذا‎ 
الوضع» فالأفكار تتزامن مع كل قطرة» حينما رفع رأسه من موضعها‎ 
باتت أصابعه تتخلل خصلات شعره الناعم» ليصففها إلى الوراءء لتغرق‎ 
المياة رقبته فيسحب الفوطة من أحضان حاملهاء تصنع أزيزًا مع‎ 
الماسورة الملتفة» لتذكره بذاك الكرسي» يجفف المياه عن جلده. توقف‎ 
للحظات ينظر إلى وجهه في المرآه» فيجد أن جرحًا قد التصق بجبينه‎ 
صار مخضبًا بدمائه» فتذكر مشهدًا قديمّاء حتى أنه بالغ في التذكرء‎ 
ولولا قطرة دماء سقطت في قعر عينه»ء لتجمد جسده في وقفة ذكرياته‎ 
تلك لشاعات اطول ذا فز إلى العا غفل عة السترىء. علدنا قد‎ 
رأسه لكي يتأكد من تنظيف عينه» وقفت زوجته أمامه لتسأله إلى أي‎ 


١8 


وجهة قد يذهب» لم يكن سوا مدلكًا لذقنه أمام مرآة الحمام» يشغل بعضًا 
من الوقت في البحث عن حجته» سرعان ما أخبرها عن مقصده فقال 
في هدوء: 

-هقابل محمود وهقضي اليوم معاه» مش هتأخر. 

- أوك يا حبيبي. 


الفصل الخامس عشر 

... في البيت القديم بالإسكندرية 
بعد مرور الوقت من التفكير يقف أمامها حاملا ذهنًا مشتنّاء تتكأ على 
الكرسي تلبس فستان البالية الأبيض القصيرء يكشف عن ساقيها 
النحيلتان» يشهد بوجود ندبات صغيرة وبعض الأورام المتحجرة تحت 
جلدهاء رغم هذا فإن لهما جمالا خاص» يتضح نعومتهما دون لمسهماء 
ندبات مفتعلة بواسطة حقن» يتسائل هل مرت بمراحل علاجية خاصةء 
يتعجب من لبسهاء زي البالية» مع شفاهها المغطاه بلون الروج الأحمر 
اللامع وعيونها المكحلة ليظهر جمال لون حدقاتهاء كأنها تستعد 
لاستعراض سوف تكشف الستائر عنه بعد قليل» شعرها المجدول في 
آخره وملفوف يعانق بعضه بعضّاء خصلات أخرى من شعرها تركت 
حرة لتغطي جبينها الأبيض» يخطو حدينًا مع نفسه يتسائل ما الحزن 
المرسوم على ذلك الوجه المبتسم» أين الجمال البراق الذي يضرم القلب 
إعجابًا من أول وهلة» وردة انقطع رحيقها وذبلت» تعرفت معنى الألم 
في أحداث قريبةء ذاقت المشقة وطعنت في قلبها مرات عدة» أينوجت 
تتأملين كفيك وقدماكي كل دقيقة» الرعشة تتحكم بمسار يديك وعندما 
تنوي أن ترفعيها كي تمسحي جبينك تزداد رعشتك لمجهود زهید» حتى 

لدت شعرك بدت ملبدة عن ذي قبل وذلك الكحل قد يتفق مع 
الهالات السوداء حول عيونك» ألقى عليها السلام وبدت الدهشة تعلو 
وجهه فسألها: 

- غريبة ... أنتي لابسه كده ليه؟!! 
ابتسم وجهها بتلك الملامح المحملة بالأسى ... 

- تقدر تقول برجع بالذكريات لميت سنة ورا. 
نظر إليها بطرف عينه في اندهاش أثناء تجوله في أطراف المكان فهم 
قائلا: 


- عر كان عقي اکا و إني أبقى أحسن راقصة 
بالية في العالم كله؛ ألف الدنيا مع فريق استعراضيء نعمل حفالات» 
نبهر الناس بفنناء بس مش كل حاجة بنتمناها بنلاقيها الدنيا علمتنا 
كده. 
ابتسم عمر لثواني ولم يكن يحمل في طياته كلمات مواساه فوصد فمه 
على لسانه» فابتسمت آية قائلة ... 
- إيه مالك؟! 
- ممكن يكون كلامك أثر فيا. 
اقترب منها فمدت يدها المرتعشتان لتلمس أطراف أصابعه» فالتحمت 
كفوفهما معًا وشفاهها تحمل أرق الكلمات .. 
- أنت طيب أوي يا عمر. 
- أنا لازم أفهم اللي حصل ... 
- هفهمك اللي حصل بس ... 
قطع كلامها سعالًا قويّاه يوحي بوعكتها الصحية. 
- مالك أنتي حالتك بتتأخر دايمًا ... في إيه؟!!! 
- أنا تعبانة أوي يا عمر ... حاسة إن مفضلش في عمري كتير. 
بدأت الدموع تحتقن قنواته الدمعية ... 
- ليه بتقولي كده؟ 
ابتسمت ابتسامتا الهادئة ... 
- خلاص يا عمر كل حاجة هتعرفها دلوقتي؛ هحكيلك الحقيقة عشان 
تعرف إني بريئة. 
وقعت كلمة بريئة على مسامعه كالصاعقة فغيرت إحساس الشفقة 
بداخله لشيء من الغضب فقال: 
- أنا جيت هنا علشان حاجة واحدة بس ... جيت علشان بحبك بجد 
... وأنا لحد دلوقتي مش قادر أستوعب اللي بتقوليه ... إيه ممكن 


يكون حقيقة بعد اللي أنا شوفته» دانتي خلتيني في نص هدومي قدام 

حسام» أول مرة أتحط في موقف سخيف زي ده. 
احتدم صراع السعال معها فجأة» تشنجت بشدة مفرطة» فقدت توازنها 
وتمايلت في كرسيهاء قام عمر من موضعه ليحملها على ذراعيه» حتي 
يريحها على الفراش» كي تهدأ نوبتهاء ذهب مسرعًا ليحضر كوبًا من 
فنا الاتقاذ» واعتذما اول ان تق اتقات الرحشة عضت وحههاء 
أغرقت المياه صدرهاء وبانت له في حالة مزرية» أراحها حتى تنام 
وعندما حاولت النطق وضع يديه على فمها طالبًا منها ألا ترهق نفسها 
في الكلام» ولكنها أبت قائلة: 

- أنا دكتورة زيي زيكء. عارفة أنا حالتي عاملة إزاي» أرجوك 

متمنعنيش إني أتكلم؛ لإن أنا عارفة إن وقتي في الدنيا بقى قليل 

آي 
رد عمر بحزن: 
تحكي قصتها حاملة أوزارها على كتفهاء وعبق الخيانة يفيض من 
أطرافهاء قررت ألا تتوقف عن سرد آخر قصة قد يسمعها منها في 
صوت هادئ» وكلام بليغ مقنع» ودفئ حالم. 

2F f 2F عد‎ 2F ع‎ 

في يوم خريفي عاصف» يحمل ذرات التراب المدمعة للعيون؛ فكلما 
سرت يجب أن تضع يديك على عينك لتحميها من خدش الغبارء مارتينا 
مرافقتها تجد الصعوبة في الدفع بالكرسي إلى الأمام» حيث الكثافة 
الترابية تجبرها على تنظيف عيونها مرارًا وتكرارّاء حتى أرهقت 
وصارت الدموع تتشبث بجفونهاء لقد صارت آية حينئذ تسب وتلعن في 
حظها الذي أجبرها أن تدفع على كرسي كل تلك المسافة» ذلك بعد 
الظروف القهرية التي أجبرت "إدوارد " سائقها على الاعتذار لهذا 
اليوم لأن زوجته قد تضع حملها في مثل تلك الساعة» لم يكن لديها حق 


الاعتراض والتبجح» تسكت طيلة الطريق» تتذمر بشدة بلغتها العربية؛ 
لا تفهم مارتينا سبها لحظها اللعين» مارتينا امرأة هادئةء دائمًا ما تسبح 
في خيال من الهموم وتعنف زمانها الذي ألقاها في فقر معدوم. لا 
تصطنت إلى فهم أي معنى لما يقال» كل ما هو ملحوظ أن كل من 
حولهما يحتمي بعربته ولا أحد يسير في الشارع» في تلك الدقائق توقفت 
سيارة أمامهماء لتوقفهما عن سيريهماء ففتح باب السيارة ونزل منها 
رجل يرتدي بدلة سوداء ويعلو شفتيه ابتسامة مشرقة ... 
فتقدم إلى آية قائلا بهدوء: 

- أنا سمعتك قاعدة تتخانقي مع نفسك فوقفت. 
غلبت الدهشة كل ملامح وجهها الغاضبة فقالت: 

- إيه ده أنت مصري؟!! 

- أه أنا مصريء أنا حسام سعيد. 

- أهلا بيك وأنا آية. 

- ممكن تتفضلي معايا بدل الشقى اللي أنتو فيه ده. 
شارت اة المت . 

-لا إحنا كنا هنوصل لل 5131007 وط اللي على أول الشارعء 

هنركب من هناك» ميرسي أوي. 

-لا ليه المصريين لبعضيهم» مينفعش ... اتفضلي اركبي معاياء 
لم ترفض أية عرض حسام فقد اعتبرته جاء من السماء ليخلصها من 
شقاء الغبار ذاك» فعلى الفور حملت "مارتينا" خفيفة الوزن» وأدخلتها 
إلى السيارة» تبين على وجه آية الارتياح» لكنها لامت نفسها بعدما تبين 
فضول حسام الشديد وثرثرته الباهته طوال الطريقء فقد داوم الكلام كل 
دقيقة بطريقة متزامنة كأنه يتكلم على حسب دقات الساعة التي ينظر 
إليها في معصمه»ء لاحظت أنه يفصل بين سؤال وآخر حوالي عشر 


ثواني» حتى أسئلته صارت رتيبة وأحيانًا ما كانت تتجاوز تعارف أول 
مرة ... 
- وأنتي بقى عايشة هنا بقالك كتير؟ 
- أه. 
- من أد إيه. 
- لا من وأنا صغيرة. 
- منفسكيش ترجعي مصر؟ 
- وطبعًا المشكلة في الشغل اللي بيخلينا نفضل هنا ... أنتي بتشتغلي 
إيه؟ 
- في جامعة كامبردج. 
ابتسم قائلا 
- أنا بقولك بتشتغلي إيه مش فين ... 
- دكتورة في جامعة كامبردج. 
لم تبتسم آية طوال الطريق لتتابع بوجهها العابس» فحاول حسام تغيير 
ملامحها ... 
- واو ... رائع بجد» طيب ممكن أسأل سؤال سخيف شوية؟ 
- اتفضل. 
م ل 
سؤالا يسبق أوانه بشهور ... 
- لا ومبفكرش الأيام ديه. 
- ليه واحدة جميلة زيك متفكرش في حاجة زي كده؟!! 
تحاول خلق الابتسامة بلا جدوى 
- في حاجات أهم بالنسبالي. 
ا 


توالى الحوار وبعد مغادرته تربت اللهفة في فؤاده» فقد تربص خروجها 
دائمًا من عملهاء حيث انزلاق العجلات له أصداء تشغل الانتباه» مرة 
أخرى يطلب من سائقه الاقتراب كي يطرح عروضه بالتوصيل» 
وعندما اقترب أنزل زجاج سيارته أطل بجبينه إلى خارج النافذةء 
وعندما أثار انتباهها ونظرت إلى عيونه المشغفة» تغيرت قسمات 
وجهه وبدا عليه اللهفة» لاحظت آية ذلك ولكنها أضافت البسمة إلى 
تعابير وجهها مجاملة له» فهي لا تهيم له هائمة واحدة أو تطيق كلماتهء 
هي من لديها عقلا نابه وذوقًا محسوسءلا تفني أوقاتها سفاهة فلديها 
حلمًا واضح المعالم» دروبًا تلوح أمامها لوحّاء لذا الفرحة احتكمت 
عضلات وجهها حينما علمت أنه جاء حاملا إليها دعوة قابلة للرفض 


- ها تيجي أوصلك؟؟ 

- ربنا يخليك بس أنا معايا السواق ... أهوه. 
رفعت يدها الضعيفة مشيرة إلى السيارة المركونة بجانب سور الجامعة 
في انتظارهاء يقف على بابها السائق الذي يحجز لها الباب مفتوح» 
حينئذ بدا الامتعاض يسكنه فطلب إليها أن ترافقه العشاء اليوم» ووقع 
الطلب على مسامعها وقوع الصاعقة» فإنها أول وهلة لها تسمع تلك 
الكلمات من رجل ... 

- اممم طب إيه رأيك نتعشى سوا بليل؟! 

فق بهار 

- وراكي حاجة؟ 

- لاا بس ... 
قاطعها قائلا: 
تطلب منه طلب غير مألوف: 


- خلاص قول لبابا ولو وافق هاجي معاك. 
يواجه طلبها بشيء من البساطة ... 
- أوك معنديش مانع» هعدي عليه كمان شوية» أخلص كام مشوار 
بس. 
3F f f f‏ 


تقف أمام المرآة وتظعن الدموع من عيونهاء تجففها كي تبدأ في وضع 
كحلها الأسود لتحدد خضار عيونهاء تنظر إلى عيونها بعد إضافة 
الإطار الأسود لهماء تتذكر كم لوثهما الكحل حين بكاءء كم من الوقت قد 
احتجزها الزمن» قرار فك أسرها تحكمت هي فيه وقرار جثوها امام 
أحزانها كان استسلام» جن جنونها اليوم في الموافقة على المرافقةء 
ضميرها اليوم لم يمسه الاستحياء قدر أنملة» حتى أنها قد رافقت المرآة 
لأكثر من ساعتين دون دراية» تجولها بالذكريات جعلها تلطخ شفاهها 
بأحمر الشفاه» عندما استفاقت تجاوبت مع ضحكاتها الهستيرية في 
جنون وحالة سيكولوجية غير منضبطةء يعقبها دموع تختلط بكحلها 
لتعاود فض زينتها من جدید» وبکل حرص تهون على نفسها وترسم 
كحلها في عيونها برفق» تضع أحمر الشفاه الذي ينادي فستانها الأحمرء 
تطلب من مارتينا لتساعدها كي تسلم على أبيها قبل الذهاب» كان يلبس 
نظارة القراءة التي تستقر على آخر أنفه» منهمك مع الكلمات المرسومة 
على ذاك الورق الجرائدي الرديء» بجانبه فنجان قهوة شرب معظمه. 
أبقى الباقي يزوره بعضًا من النسمات اللطيفة فتبرده» انقطع انسجامه 
مع صوت كرسي ابنته» لفت نظره ما كان بجديد» فنظر إليها نظرة 
اعتلت النظارة التي أزيحت إلى مقدمة أنفه بفعل الجاذبية الأرضية» ثم 
ابتسم إليها ابتسامة انبهارية تستخلص مدا إعجابه بابنته» فقال مندهشًا 
ممازحًا: 
- أنتي مين؟ 


- لا لا مش أنتي ... هو في شبه بس. 
ردت ممازحة: 
- أول مرة تشوفني كده ... أنا عارفة الصدمة كبيرة عليك. 
أقبل عليها فأمسك يدها وقبلها في حب» وارتسمت الدموع عيونه ولكنه 
حبسها كي لا يجرحها في يومها هذا. 
- بحبك أوي يابنتي ... خلي بالك من نفسك. 
- متخافش على بنتك أنا عارفة شخصية اللي قدامي كويس. 
- منا موافقتش إلا لما جالي وطلب ياخد الإذن ... شكلي هشوفك 
عروسة قبل ما أموت. 
- بعد الشر عليك يا بابا يا حبيبي. 
ابتسم قائلا وملمحًا لشيء تفهمه أي فتاة في مثل سنها ... 
- حاضر يا بابا. 


الفصل السادس عشر 
كن حاملا للبسمة مهما كانت الظروف» كمثلها عندما تلاقي أول ميعاد 
طرق باب دنيتهاء فإن ملازمتها لكرسيها آن ذاك بدا كسراب قد تعمق 
ظهوره في يوم اشتدت فيه الحرارة على طريق ممهد» تلمح عيونها 
عزافي الموسيقي الذين يربضون خلف المرأة التي تغني أغاني الجاز 
الهادئةء تتراقص وتميل أمام المايك الطويل الذي نال معظم طولهاء 
وعلى اليمين واليسار تستقر المقاعد والمنضدات لتتصنت على الأغاني 
اليوميةء الإضاءة في المكان كانت هادئة ينبض القلب إثرهاء ولكنها هي 
من حملت أماني بأن تقضي يومًا ممتعًا وأن تسمح لقلبها في الخطو 
للخارج» في مواجهة الحب والتريث للقررات» بدت الجميلة في زيها 
الأحمر القصيرء بعيد المنال عن كاحلهاء يظهر رشاقة جسدها النحيل» 
جسدها البراق» عاتقها الذي غطى نوره على ضوء المكان» خصلات 
شعرها الداكنة والممشوقة على ظهرهاء جمالها في تلك الليلة يجعل كل 
من يراها يشهد» فهي من التقطت أنظار من حولها كنجمة سينمائية 
ترقبها الحضورء حسام الذي بدا في حسن الطلعةء حيث البدلة السوداء 
والكرفتة التي تحسن الحبكةء بدت وسإمتى في لقاءهاء اقتربت منه فتقدم 
إليها وانحنى ظهره بزاوية قائمة كي يقبل يدها ترحيبًا وإجلالًا لأميرته» 
حينئذ شعر بارتعاشة أصابعها في باطن كفه»ء فاستنتج بأنه الخجل الذي 
يعانق وجنتيها بحمرته» نظر لعيونها لوهلات ثم قال في صوت هادئ 


- لالا مش أنتي اللي قابلتها الصبح النهاردة ... أنتي دلوقتي أميرة 
المكان كله. 
أثار كلامه الحمرة الوردية التي لم تغادر وجنتيها.. 
- ميرسي. 
- صدقيني مش مجاملة. 


قابلته بابتسامة مرضية» يشغل بالها بعض هوس جنانهاء تقابل شخصًا 
لا تطيقه بالأمس واليوم تخرج معه للعشاء» هذا لم يكن منطقي البتةء 
فقاطع تفكيرها قائلا: 
- على فكرة أنا مبسوط إنك معايا النهاردة. 
قدم الجارسون إليهم متسائلا عن الطلبات» فسألها حسام قائلا: 
queen -‏ لام تطلب إيه؟ 
- بصراحة أنا مش جعانة أوي دلوقتي. 
- وأنا كمان على فكرة ... أنا هطلب ©10ا أتسلى فيه عبال ما 
نجوع تحبي تاخدي معايا؟ 
تغيرت معالم ارتياح ملامحها ... 
- لا مبشربش أي خمور على فكرة» ممكن أطلب ععألاز 0۲2۸46 
- جميل ... خلاص واحد Vodka‏ وواحد orange juice‏ 
- أنت متعود تشرب؟! 
- أنا متعود أشرب في تلات حالات بس ... 
فأشار بيده بثلاث أصابع» الوسطى والبنصر والخنصر ليتابع قائلا في 
فخر: 
- أول حالة لما بكون متضايق أوي ومخنوق» تاني حالة لما بحتفل 
أنا وأصحابي بأي مناسبة حلوة يعني مثلا لما بنكون حققنا 13061 
معين في الشركة»ء وآخر حالة لما بكون مع بنت جميلة زيك. 
- بس أنا دكتورة وعارفة أضرارها. 
- أنا مش مدمن» بس ممكن طبيعة المكان والجو العام بتشجعني إني 
أشرب. 
أها. 
- شكلك مش عاجبك كلامي. 
- لا ... مش كده ... في الأول وفي الآخر حرية شخصية. 
قاطعهم الجارسون محضرًا طلباتهم. 


11۰ 


- لما كنا مع بعض في العربية سألتك أنتي مرتبطة» قولتيلي في 
حاجات أهم» إيه اللي ممكن يكون أهم للبنت من إنها تگون أسرة 
ويبقى عندها أولاد تربيهم. 
- أنا بالنسبالي فيه حاجات أهم في الوقت الحالي ... لازم تخلص 
... ساعتها هتفرغ للحياة الأسرية. 
- الحاجات ديه اللي هي إيه؟؟ 
قالت بلطف كي لا تحرجه ... 
-يعني ... حاجات شخصية. 
دائما يسأل ويبتغي الإجابة دون جدوى 
- ممكن تعتبرينا 28111105 وتقوليلي. 
ابتسمت آية قائلة في استحياء 5 
- لسا مخدناش على بعض ... يعني ... 
قاطعها قائلا 
- فاهم فاهم» المهم في سؤال بس خايف أسأله. 
- لا اتفضل. 
تكلم بصوت هادئ في سؤاله... 
- أنتي إزاي بقيتي كده؟ 
دائمًا تبتغي الإجابة القصيرة ولا تستطرد للأحداث وصقًا 
- حادثة من وأنا كان عندي حوالي أربعتاشر سنة. 
شرد ذهنها فقاطعها ... 
- إيه روحتي فين؟ 
- معاك. 
- عارف إننا لسا منعرفش بعض كويس ومخدناش على بعض زي 
ما قولتي. 
- الموضوع ده هيجي مع الوقت. 


۲1١ 


ترتبك لمقابلتها الأولى معه» تقف حائرة أمام عاطفته وقلبه الملتاع 
ولهفته المستعرة» وعلى حسب كونها أول مرة تلاقي أحدهم في ميعاد 
عشاءء كان كلامها محكوم خشية وضوح ارتباكهاء وأغلب الوقت تنظر 
إلى الطبق المسطح أمامهاء حتى طريقة أكلها لم تكن تلك الرتيبةء لقد 
سادها البطئ المتحكم في جذور أعصابهاء اعتمادها الأساسي في 
الشوكة والسكين في جميع مأكولاتهاء فإنك عندما تلحظها أو تراقبها 
تجد اللحم المشوي ينجو من اندثار الشوكة بداخله في كثير من المرات» 
لارتباكة واضحة على أناملها الضعيفةء فيلاحقها بنظراته ويهديها حسًا 
مرهقا بجو من الغموضء وكلمات دافئة تجني من قلبها بعض المشاعرء 
ارتشف من كأسه قائلا: 

- قوليلي عمرك حبيتي قبل كده؟ 

- لا 

- خالص؟؟؟!! 

- وأنا صغيرة بس ... أكيد كان حب مراهقة. 

- ممم ... مستغرب بجد. 
ابتسمت آية قائلة: 

- لا أنا بس طول الوقت مشغولة. 

- بس أكيد في كتير حاولوا يقربوا من الجمال اللي قصادي ده. 
أحمرت وجنتيها ونالت الحمرة أنفهاء وضحكت ربع ضحكة مع ابتسامة 
خافتة ليتابع حسام هجومه الكاسح ... 

- عارفة ليه أنا متأكد من كده؟ 

!...- 

- أنا ذات نفسي اتسحرت برقتك وجمالك من أول مرة شوفتك فيهاء 

ده اللي خلاني أقرب منك» عيونك الجذابة وابتسامتك الرقيقة همة 

مفتاح جمالك. 


1۲ 


لم يكن في مقدورها إلا أن تركز في طبقها المنبسط على طاولتهماء مع 
الإطاحة بابتسامة هادئة للكلام الجميل» وبحثت في طياتها عن سؤال قد 
ينهي جو الإعجاب. 

- قولي أنت بتشتغل إيه؟ 

- تقدري تقولي رجل أعمال على مهندس. 

- يعني إيه؟ 

- أنا عندي مصنع لإنتاج آلات الرفع والجر كنت ورثته من أمي 

الإنجليزية ... وأنا في الأصل مهندسء بس ليا طبعًا في التسويق 

والإدارة والكلام ده بحكم إن المصنع بتاعي. 
بدا الذهول يكسو ملامحهاء وبدا الشغف يحملق عيونها. 

- رائع ... طب أفرض أنا عاوزة أعمل آلة معينة تقدر تصنعهالي؟ 

- يعني إيه؟ 

- يعني لو طلبت إني أصنع آلة بمواصفات خاصة هتقدر تساعدني؟ 

- أه ... وعلى حسب برضو 

- هي آلة بسيطة بس محتاجة أوريك الديزاين بتاعهاء أنا كنت 

رسماها كروكي كده» بس للأسف الرسمة في البيت. 

- خلاص لما أقابلك تاني تبقي وريني وأنا تحت أمرك. 

2F f f 2F f 

أبيها ينتظر ها على نفس حالته قبل الذهاب» ما زال فنجان القهوة يرافقه 
بجواره» والجريدة لم تغادر راحتيه» فابتسم الأب ابتسامة الحب الحانيةء 
ثم قال في هدوء بصوت مأمول ... 

- أيوة خير أووي يا بابا. 

- ها أحكيلي. 

- تقدر تقول جالي من السما. 

- طب تمام يعني هشوفك عروسة قريب. 


1۳ 


تغيرت ملامح أية قائلة: 

- عروسة ... لا مش قصدي على كده. 

- أومال؟ 

- لا ده حوار تبع الشغل وهو هيساعدني فيه. 

- مممم ... ربنا يوفقك يا بنتي» المهم أحكيلي اللي حصل. 
تطير من الفرحة لسبب ما يسكن في ذهنها. 

- رغم إني مكنتش طايقاه في الأول بس حسيته إنه إنسان لطيف ... 

وتقدر تقول إنه ذكي وأخلاقه كويسة» بس كل ده ميهمنيش. 

- اومال إيه اللي يهمك؟ 

- لا حاجة كده في بالي. 

- يعني هتقولي لبابا على اللي في بالك؟ 

- هو بابا حبيبي وعمري ما بخبي عنه حاجة ... تقدر تقول إنها 

مفاجأة. 

عاد عاد عد 2F‏ 

لقد تم عقد القران في النهاية بعد طول تفكيرء دخلت بقدمها اليمنى إلى 
الفيلا الفسيحةء الأضواء كانت هادئة بفعل فاعل» الحوائط مختلفة 
الألوان والديكور مختلف وغير متداول» حتى النجف لم يكن نجقًا 
كريستاليًا لقد كان أشبه بذلك النجف الموجود في الحانات» الصالون 
أتخم بكثير من قطع الأثاث بشكل غير منتظمء حتى ألوان كسوة الأثاث 
تختلف عن بعضها البعض» فهنالك الأحمر والأخضر والأزرق 
والأصفر كذلك وسائد الأثاث نفس النمط وفي الحائط العريض خلف 
الكنبة تواجد برواز كبير يبلغ طوله أمتارًا وبه صورة لحسام بينما 
يحمل بندقية ويحاول صيد فريسته من السماء وسط غابات كثيفة 
الأشجارء حمل العروس وصعد بها إلى الدور العلوي عبر سلم خشبي 
له أزيزء وحتى وصلا إلى الغرفة ذات الإضاءة الخافتة» لاحظت تلك 
الملائات البنية التي تتناسب مع لون الحوائط الكاكاوي» لون أخشاب 


1٤ 


السرير البني المحروق ويظهر تعرقات مفصلة عبر امتداده» وبجانب 
السرير كومودينو اراد أن يحمل زجاجة الخمر التي تتلألاً بفعل 
الإضاءة الخافتة» وفي مقابل الباب توارت شرفة خلف ستار بني داكن؛ 
أراح ظهرها على السريرء وقبل أن يخطو فمها بأدنى كلمة» كان يتفجر 
من عيونه شهوة تنبثق من جميع حواسه»ء أغلق الباب عليهم» ليخلو إلى 
حلاله الرغيد» امتدت يديه فورًا إلى جسدها دون سابق إنذار» ارتعد 
جسدها وتحكم في نفسها الرعب» كان عليها أن توقفه وبعدما طلبت منه 
ذلك هدأت قشعريرة بدنها التي انسابت من رقبتها حتي أطرافهاء تمنت 
أن يقضي على تلك الأنفس الشاغرة» والقلوب الوهنة التي تحكم فيها 
الشبق ورتعت من الإحساس الرخيص بحورء لديه أنفاسًا مخمورة 
تعرفت إلى ذلك حينما حاول تقبيلها ... 

انك ارب عنام ت 
تناوب في تقبيلها ... 

- يا حسام إحنا اتفقنا إن خلاص مفيش شرب؟ 

- مش قلتلك إن في تلت حالات بشرب فيهم» دي حالة منهم» صح 

ولا أنا غلطان؟!! وأنتي بصراحة جميلة أوي النهاردة. 
ابتغى عنقا في أول وهلات وحدتهم» حتى باتت يديه تتحس كل منطقة 
في جسدهاء اعتبرها أداة يرضي بها ملذاته في غسق الليل» دون سابق 
كلمات» الشبق من تحكم في أفعاله حتى نال من دموعها نصيب ولم 
ينتبه» لا تستطيع المقاومة أو البعد عنه فقد كان ثقيلا على ذراعيها 
النحيلتين» خصوصا في وقت انغماسه في تقبيلهاء يقطن بجانبه زجاجة 
الخمر الذي اعتاد شرابها في أوقات نعاسة» تردخ يداه لجذبها ورفعها 
ليشرب فاهه القليل ثم يعاود افتراس زوجته بطرق العبودية» لقد ظنت 
أن تغفو غفوات فوق تلال الحب الكثيف» غريزته الحيوانية جردتها من 
ملابسهاء فأسكب الخمر على فخذيهاء بعدما أغدق عاتقها ومر مرورًا 
على باقي جسدها العاري وانتحل يد الثائر بشهوته ليعم بفيض كثيف 


11° 


عليهاء تمدد لسانه للخارج كي يتذوق الخمر بعدما لمس جلدهاء طريقته 
جعلتها تئن بكاءًاء المشكلة لديها ليس في طريقة المعاشرة أكثر من 
الاستهلال» فماذا عن كلام عشق قد كان يتفوه به مرارّاء طفح الكيل 
حول جموح شهوته»ء تدفع ثمن قسوته عليها وآلام المعاشرة التي نالت 
هي منها طيلة الدجىء لقد أرهقت إرهاقا شديدًا حتى نالت من النوم 
الهزيمة. 
f‏ كد عد 2F 2F 2F‏ 

في إحدى الأيام قدم حسام على وجهه الاستهلال بالتبشير» أخبرها أن 
اليوم قد أتم صنع الآلة وهي الآن في سيارة النقل ويقوم بإحضارها 
العمال» لم تكن الفرحة بأمر زهيد لا يمكن وصفه»ء بل ملأها السرور 
بشكل مبالغ فيه» لولا ما بها لأنحنت لرب السماء أرضّاء للتضرع إليه 
“شاكرة وارفة» تحمد ولا تتبطر» إنه أول الطريق» نظرتها المعبرة 
والمملوءة بالأمل تشعر من حولها بأن هنالك من لديه سعي لكي يقتل 
شعورًا رديم» فلمعان معدن الآلة لم يكن أشد بريقًا من لمعان عيونهاء 
تشاهد العمال يرفعون هدفها على عواتقهم» ويسيرون في خطى ثابتة 
حتى وصلوا إلى الدور العلوي من الفيلاء حينئذ طلبت إلى مارتينا أن 
تلحقها حيث يقطن الجهاز الجديدء في ذلك الوقت طلبت إلى حسام بأن 
يتركها وحدها كي تختلي بآلاتها الجديدة» رافقتها مارتينا تلك الخلوة» 
شغف التجربة يباغتهاء جربت كل ذر في الجهاز وأعدت كل المقاييس 
المبدئية» ولم تكن الآلة معقدة» فهي عبارة عن مقعد ومسند للظهر 
وثلاث مستودعات صغيرة لوضع الحقن متصل كل مستودع بذراع» 
تلك الأذرع يمكنها التحرك للأمام وإلى الخلف وإلي أعلى وأسفل على 
حسب وضع ذراع التحكم القريب من يد آية» ومسند الظهر له قابلية 
نخدا خو اة لرن ظون افر يك تلف المستد هدل 
بمقعد المريض وبه فتحة طولية يكشف منها ظهر المريض المسنود كي 


1١ 


خوف وهلتها الأولى يتطلب الجراءةء أخيرًا تطلب من مارتينا أن تخلع 
لها ملابسها التي ترتديها لتبقيها شبه عاريةء حملتها إلى الجهاز كما 
طلبت» ربطت أقدامها وساقيها ووسطها بالأغلال المتدلية من الحامل 
بإحكام ووضعت الحقن في مكانها الصحيح» وهنالك موتور يحرك 
الأذرع ومستودع الحقن» وموتور يرفع المقعد ومسند الظهر ليرتفع 


يلقح حبلها الشوكي» ترتعد خوفًا ولكنها باتت تقبض عضلاتها ثم 
تبسطها سريعًاء طلبت من مارتينا أن تصنع ثلاث علامات بقلم أسود 
ظهرها باصابعهاء أول موضع هو قرب الرقبةء تاني موضع كان في 
المصاب من حبلها الشوكي» مع مراعاة أن تلك الحُقن سوف تستقر بين 
فوارق عظام العمود الفقري أي في مكان وضع العلامات» وبمساعدة 
مارتينا تم وضع المقاييس الصحيحة لفعل تلك التجربة الجديدة» تلك 
المقايس التي يبرمج عليها الجهاز لباقي التجارب المتبقية كي يتثني لها 
فعلها بمفردها دون مساعدة من أحدء حتى بدأت الحُقن في اختراق 
جلدها كرماحًا مسنونة اخترقت أحشاء مقاتلٍِ روماني» وعندما تفوقت 
تلك الحقن في الوصول إلى الحبل الشوكي» ضغطت زر التلقيح الأحمر 
كنت تقف أمامها لشاهدت اللوزتان يقبعان عمق فمها يرتعشان» انتهى 
الحقن» أوقفت تلك اللعنة المقبضة»ء العرق يلتحم بجميع أطرافها 
المختلجة» الرعشة المفرطة انسابت كل عضلات جسدهاء صرخت 
طبيبًاء بعدها بلحظات أغشي عليها بعد اهتياج جامح» أسرعت مارتينا 
في رعب وأحضرت عطرًا فواحًا كي تخلطه بأنفاسها استفاقت آية 


11۷ 


طالبة منها بأن تلبسها ملابسها وتنقلها إلى سريرهاء أجابت طلبها 
وأحضرت مياة وقطعة قماش قطنية وبللتها لتزيل العرق عن وجهها 
وتمنع الحرارة متعة الالتحام بجبينهاء حينئذ استفاقت آية قائلة في 
صوت ضعيف ... 

- مارتينا هو حسام فين؟؟ 

- راح يطلبلك دكتور. 

- متقلقوش عليا ده كده عادي ... قوليله ميجبش حد. 

- عادي إزاي ده كان كل جسمك بيترعش!!! 
سمع حسام صوت آية فالتحقت السرعة بقدميه ليطل لها بشوق وقلق في 
أن واحد» وعندما دخل عليها حجرتها وجد الابتسامة تحكمت في ملامح 
وجهها البريءء اطمان لثواني فذهب إليها وضم كتفيها إلى كفوفه 
متسائلا عن حالتها ... 

- أنا كويسة متقلقش وقول للدكتور اللي كلمته ميجيش ... متخافش 

عليا. 

- أومال إيه اللي حصل ده؟ 
ردت بصوت مبحوح: 

-لا ده دي حاجة طبيعية. 

- أنتي متأكدة من اللي بتعمليه؟ 

أه ولسه في جلسات» a‏ بقى. 
قالتها بابتسامة مرضية: 

- أنا خايف عليكي. 

- لا متخافش عليا أنا كويسة وأكيد أنا مش هضر نفسي. 

- ماشي على العموم كنت عاوز أقولك على موضوع كده .. 

- قول عادي أنا كويسة دلوقتي. 

- عاوزين ننزل يومين مصر بما إنك في إجازة. 

- أوك بس أستنى متحجزش تذاكر ... هقول لبابا الأول. 


1۸ 


عنفها حسام قائلا: 
- بابا ... إيه يا هانم أنا جوزك يعني إيه أستنى هقول لبابا ديه؟!! 
أنتي على فكرة بتتكرري الموضوع ده كتيرء وأنتي عارفة إن 
خلاص بباكي ملوش حكم عليكي بعد لما بقيتي في بيت جوزك. 
تلومه قائلة: 
- عادي يا حسام أنت عارف إن بابا بقى لواحده دلوقتي» ممكن 
يكون محتاج مني حاجة فساعتها نأجل سافرنا ... الدنيا مش هطيرء 
أنا مش رافضة الفكرة بس زي ما فهمتك. 
العلك أخقدر اة اا 
- بس كده كده هننزل إن شاء الله مش مشكلتي. 
تتعجب قائلة: 
- أنا مش فاهمة أنت اضايقت كده ليه؟!! 
- أصل بكره الحوار ده فيكي. 
- لا أنت بتقلب ساعات فجأة. 
- أه أنا مجنون!! 
ترد في خنق ... 
- أوف يا حسام في إيه ... حرام عليك أنا تعبانة؟ 
- المهم خلي مارتينا تحضرلك الشنط وأنا هروح أحجز تذاكر 
الطيران. 
- طب من غير ما أقول لبابا حتي!! 
- حاضر ... طب هقله هنسافر إمتى. 
- بكرة. 
ترد في ضيق لتكاد الدموع أن تخطلت بدموعها ... 
- إشمعنا المرة ديه مستعجل؟! 


1۹ 


- مزاجي كده. 
تضايقت للتتسائل من جديد ... 

- في إيه يا حسام بجد مش فاهماك؟! !! 
يتكلم ببرود ... 

- أنا نازل بقى عاوزة حاجة؟ 

ع لاا گرا 


۰ 


الفصل السابع عشر 

... حفلة ما بعد العودة إلى مصر 
حفلة يدعو حسام فيها أصدقائه كي يسعد بصحبتهم» فلقد قضى معظم 
حياته بعيدًا عنهم» وقتها طلبت إلى مارتينا أن تصحبها في رحلة تجولية 
لتختار فستانًا يشرف زوجها أمام أصدقاءه» فهي لم تعهد إلى تلك 
الصحبة الكثيفة» وفي أول النهار أثناء مكوثها في الشرفة حيث تستمتع 
بنسيم الصباح» شاهدت صناديق كرتونية تحمل رمزًا معينتًا يحملها 
عمال إلى داخل المخزن» طاف فضولها يحلق أمامهاء وعند سكون 
الليل طلبت إلى مارتينا أن تنزلها إلى المخزن كي تستكشف ما بداخل 
تلك الصناديق» تهبط إلى المخزن ولا يتشفى القلق من ملامحها 
الصغيرة» وصلت إلى عمق المخزن»ء فضولها دفعها لفتح الصناديق 
دون أن ترى ما هو مكتوب عليهاء فتلألأت تلك الزجاجات الخضراء 
مع النور المنسدل من المصباح» يبدو أنها خمور لذة للشاربين» تباينت 
الرموز على الصناديق ولكنها لم تفتح الباقي» فاستنبطت أن الباقى نوعًا 
آخر من الخمورء وفي تلك اللحظات قدم حسام بعد اكتشافه لمتسلل إلى 
الداخل» وجهه تحكم فيه الخضب» فقال في نبرة حادة: 

- أنتي إيه اللي دخلك هنا؟! 
قالت بصوت مخضوض ... 

- عادي» حبيت أعرف إيه اللي هنا. 

- وعرفتي صح» والأسطوانة المشروخة هتتفتح تاني. 

- مش فاهماك!! 
قال في عند ... 

- يعني أنا مش هبطل شربء وأنتي عارفه إني بشرب تسلية مش 

أكتر وعارفة برضو إن أنا مش مدمن ... صح؟ 
تتحدث إليه في هدوء .. 

- ولزمته إيه الشرب يا حسام. 


۲١ 


- مش هقول نفس الكلام اللي بقوله ميت مرة ... 
- أنا بقى دكتورة وقلتلك كتير قبل كده إني عارفة أضرار الهباب ده. 
- ماشي يا ست الدكتورة بس اللي مخدتهوش في الطب إن ده علاج 
لده» وأشار إلى رأسه بأصبع السبابة. 
- وبيموت ده ... وأشارت إلى قلبها. 
- بصي أنا خلاص بجد مش ناقصك. 
- يعني إيه يا حسام؟! 
- يعني أنا بجد محدش حاسس بياء يا صاحبة المُثل العليا. 
- أنا مراتك يا حسام ولازم أبقى جنبك ... فهمني مالك بدل الشرب 
والقرف ده .. 

رد في استهزاء: 
- جنبي ... أنتي تعرفي إيه عني؟ خليكي في اختراعاتك ولا 

ب ا كر 

.. على العموم ... أعمل اللي أنت عاوزه. 
ال ا ل ا dg‏ في الظلي 
وتشتت ذهنه كثيرًا حتى وقت الحفلة الذي شارف على البداية. 

2F f د‎ f 
في السابعة مساءًا تنافست الأضواء في إبداء لونها على الأرض»‎ 
وتشحمت الردهة بالزينة المتلألأة» بعض فروع الشجر انحنت لتستقي‎ 
بالنظر إلى ما بداخل الحفل» وكل من في الحفل لا ينكر جمال نغمات‎ 
البيانو التي يعزفها هذا الملحن الرائع» كثيف الشعرء يلتحم بذقنه لحية‎ 
سوداء داكنة» ويرتدي بدلة سوداء وبيبيونة» وجهة فنان» تتسلل تلك‎ 
النغمات في خفة إلى الدور الثاني لتناشد أذني آية اللتان اصتنطتا إلى‎ 
روعة ما يبدوء فرسم خيالها رقصة بالية تؤديها على تلك الألحان‎ 


1 


الهادئةء للحظات جالت في شوق رهيب» وأضرم في خاطرها الحزن 
المهين» تشبثت أظافرها بساقيهاء حتى جرحت ساقيها جرحًا هين؛ 
احتقنت الدموع بداخل عروق عيونهاء فتهاوت تلك النفس الباكية من 
نغمة حانية» دخلت مارتينا غرفتها احتملت وبددت الدموع» لتخضع 
وتخدع نفسها بالسعادة» تمنت أن يرافقها حسام تلك اللحظة حتى تنهي 
تحضيراتها ليحتضن ما بداخلها من معاني ويمدح جمالها المثقول لتلك 
الليلةء قرر المكوث مع أصدقائه ليضايفهم» ويزيل ريبة الابتعاد 
والسفر» وأصدقاؤه يلبون نداءه بالضحكات وحسن الصحبة:؛ كان اللقاء 
ممجداء حيث تعالت الضحكات» ولكن هنالك ما أزعج حسام في بعض 
الكلمات أثناء تناوبهم على البار حيث شربهم المتداول للكؤوس» ف 
"وجدي" سأله في فضول» 

- حسام سمعت إنك اتجوزت يابرنس!! 

- أه اتجوزت. 
غمز وجدي بعينه اليسري 

- أكيد زي القمر ... طول عمري عارف ذوقك. 
خالط حسام الخوف وارتعدء فأصدقاؤه في أيام صباه يدركون اختيارته 
الأنثوية» واليوم سوف يقدم فتاة مهما كان جمالها فقد غدى في عقله أن 
كرسيًا يزهق كل جمالها مهما كانت فتنتهاء وهذا أدعى إلى السكوت» 
فباغته أحد أصدقائه في القول: 

- أومال هي فين؟ 
فكر حسام لبرهة من الوقت فقال متلجلجًا: 

- نايمة ... أصلها تعبانة. 
رد وجدي مستفسرًا 

- لا ألف سلامة ... ايه مالها؟ 

- عندها نزلة برد جامدة. 

- يعني مش هتنورنا النهاردة؟! 


YY 


- للأسف لأ ... مع إن نفسها تتعرف عليك بعد لما حكيتلها عنك» 

على العموم ثواني هطلع أشوفها دلوقتي يمكن تقدر تنزل. 

اک عا نا ا 

- هشوفها وراجعلك. 
انطلق حسام صوب أية التي تضع آخر زينتها أمام المرآة» وعندما 
أردف إلى الغرفة» وجدها تزين شفاها في ابتسامة خافتة تكلل فستانها 
اللامع القصيرء وعندما لاحظته التفتت إليه قائلة: 

- أنا جهزت يا حبيبي. 

- مش هينفع تنزلي» جملة وقوع الصاعقة على أذنيها ... 

- ليه؟! 

- يعني إيه مش فاهمة؟!! 

- جو كده كله بيرا وخمورء وأنتي دكتورة وجو زي ده مش مناسب. 
سكنت قليلا ثم قالت: 

- أه أه خلاص أنا فهمت ... قالتها بعيون تحتقنان الكمدء وتلمعان 

بدرر من الدمع. 

- فهمتي إيه؟ 
ردت بحدة 

- فهمت اللي فهمته بقى يا حسام. 

-على العموم أنا نازل. 
كأن عيونه تحتقران الذنب» شعوره بالضيق لقرار فعلته لم يكن يساوي 
ذرة من جرح قلب زوجتهء زوجته التي انتشلت مبرد الأظافر ودبته في 
ساقيها في حرقة المطعون» تناوبت في غرز طرفه المدبب حتى اخترق 
جلدها مرات عدة» وفي كل طعنة تفجر الدم عيونًاء وسالت أمطار 
عيونهاء نحبت بصراخات مرتعشة» ترتجف رجفة المحروق» تختلج 
أطرافها بشيء من الريبة؛ خوفًا تراه عيونك حين مشاهدتها في حال 


T٤ 


كهذاء فلم يكفها دما انتزع من ساقيهاء فضربت بنفس الطرف المدبب 
ذلك في ذراعهاء لتقشعر حنجرتها بالآلام» وبدأت في أقوال هسترياء 
وصرخت عاليًا قائلة في لهفة المضطرب» "همشي على رجليء 
وعمري ما هتذل الذل ده تاني ... وهرجع أحسن من الأول "وتناوبت 
في قول هذا وهمت في إسالة الدماء من حولها بطعاناتها الجارحةء في 
جميع أرجاء جسمهاء اندب الكرسي بها لتقع مذبوحة يخالط الدم 
دموعهاء حتى شعرها المنسدل ابتل عرقًا ودموع» بدأت تمتم في وضع 
القرفصاء طاعنة لساقيها في بطيءء فهمست قائلة "بكرهه»ء بكرهه". 
لولا تواجد مارتينا المفاجئ بعد انشغالها بخدمة الحاضرين ما توقفت 
آية عن هذا الانهيار» فتسائلت عن أسباب هذاء فصرخت آية قائلة 
"مكسوف منيء محرج يخلي أصحابه يشوفوا مراته العاجزة"» ولأول 
مرة تحتضن مارتينا آيةء للأول مرة أيضا تتدخل مارتينا لتغير واقعًا 
أمامهاء فأرجعتها إلى موضعها على الكرسيء فسحبته متجهة إلى 
الحفلة التي تقطن في الدور الأرضيء فهمت آية في نهرها وأمرها 
بالتوقف عن فعلتهاء ولكن مارتينا سدت أذنيها عن الخضوع لطلبهاء 
أمسكت آية بالسور الخشبي المثبت في الممر المؤدي إلى سلم الدور 
الأرضيء فقالت في تهدج ... 

ردت مارتينا في غضب .. 

- لازم تحضري الحفلة زي كل اللي تحت. 
- لا كفاية عليا أتفرج عليها من هنا. 

لم يكن في وسع مارتينا إلا أن تلبي طلبهاء الحزن انجرف من عيونها 
بكاءَاء فلم تشاهد آية بذلك الانهيار من قبل» وقفت مارتينا تراقب 
الحنجرة المنحورة» العيون حاملة الشجن» الأوصال المرتعشة رعشة 
مضطرب» سرعان ما هبطت الجفون لتقفل باب الرؤية عن المظلومةء 
يهفو قلب خادمتها بالحنان» وتنام دية بعد ربع ساعة من المراقبة 


ملف 


اللصيقة لحسام» وتنسدل يديها بجانبها كانسدالة ستارء وينسدل شعرها 
على وجنتيها كسندس وهاج ليغطي عيون مرهقة» لكن ما زال فاها 
يتمتم ببعض الكلمات المبهمة» كلمات الكراهية والجنون؛ وما يدرك 
تمام الإدراك هو الرعشة المستبقية في شفاهها الحمراءء والسواد الملون 
لحول عيونهاء ناتج الدموع مع ديباجة الكحل»ء مشهد قتيلة» هذا ما تبدو 
عليه هي» وعندما اقتربت مارتينا إليها نادتها بصوت ضعيف› 
فاستيقظت نصف استيقاظةء ترجو أن تحملها إلى سريرهاء فحملتها إلى 
ما هو مريح كي تنال نومة طويلة. 
f‏ عد 2F 2F 2F‏ 

فن لغنا الحياة كفا مال عاك ازور تحمل عو ا كن ا هة 
أطرافها يؤذيك شوكهاء هكذا يتضح في أطراف أصابع الجنايني 
المشغول بري الزهور العطشة بجانب سور حديقة الفيلاء ينحني ليشم 
بعض العبير» ولكنه لا يلمس أطراف الزهور فتلك مهنته» فربما جرب 
ألم شوكهاء ولكن تبدو السعادة تشمل ملامحه» عجوز انحنى ظهره 
تغدق عليه الابتسامة» ومن تصرفاته ضعيف النظر حيث أنه ينظر 
للأشياء عن كثب في تأمل ملحوظء وعندما شاهدها اقترب أكثر كي 
يرى من يراقبه» اتضحت لديه الرؤية ثم القى السلام بابتسامة تجردت 
منها الأسنان» ورغم أن الأسنان هي ما تجعل للضحكة طابعها الخاص» 
إلا أنه تميز بصفاء الوجه حيث الابتسامة العريضة التي تخفي ملامح 
وجهه» ولا ترد إليه ابتسإمتى خائبة بوجه عبوس» بل تحالفت ملامحها 

- إزيك ياعم ربيع؟ 
نظر عم ربيع إلى الأعلى مع مراعاة وضع يده أعلى رأسه كي يطيح 
الشمس بعيدًا عن عيونه. 

الحمد لله ياهائ صباح الور عليكن: 

- صباح النور ياعم ربيع. 


امل 


- النهاردة صوتك مش عاجبني» باين عليكي متبسطيش إمبارح. 

- شوية. 

- طب ثواني هديكي هدية على ذوقي. 
التقط عم ربيع بعضًا من الأزهار التي تقتنص لها بِينَا في الأركان» فلا 
ينوي أن يهدر تناسق المنظر العام؛ فأزال شوك النهاية من الزهورء 
وطلب إلى عم عوضين البواب أن يحضر لها الورد في الدور 
العلوي».وعندما هل عليها عم عوضين» تهلل وجههاء باقة من الزهور 
شيء من اللطف» وإذا كانت من حسام سوف تكون من ترانيم العشقء 
لكنه أوصد باب النهاية في وجههاء قرار الانفصال عشش في عقلها منذ 
أحداث الأمس المهيب» فقرارها يجب أن ينفذ قسرًا مهما كان الرفض» 
وعمق تفكيرها السحيق. قاطعه حسام بدلوفه إلى حجرتها الملبدة 
بالأحزان» وبوجه بارد يبتسم إليهاء وسرعان ما تبددت ابتسإمتى حين 
وجد السروح E‏ فسألها في قلق ودهشة .. 

- إيه ده مالك ...؟ قالها بينما يتفحص بلاستر وضع ليخفي بعضًا 

من جروحها. 
ابتسمت آية ابتسامة صفراء . 

- يعني يهمك تعرف أوي؟!! 

اک أنتى قر اتی ا ايه 
قالت في استهزاء 

- واضح فعلا. 

- فهميني إيه اللي حصل؟ 

حسام ....طلقتي. 
وضع يده خلف أذنه بطريقة الأصطناط لكنها هنا للاستهزاء. 

- نعم!!! 

- زي ما سمعت يا حسام. 
توالت قات حا اا ا رة 


¥ 


«اروزكه ليه إن شاد اله 
- أنا خلاص زهقت ... ممكن ننفصل بهدوء؟ 
- أنت متأكدة من اللي بتقوليه ده؟!! 
- أه وده قراري النهائي. 
تغيرت ملامح حسام وعبست بالغضب ... 
- يعني إيه قرارك النهائي ... قرار زي ده مش هتمشيه علياء 
والمفروض ياهانم» أسلوبك ميبقاش كده. 
علا صوت آية بارتعاشة المضطرب ... 
- أنا خلاض ميقت طايقة العيشة ماك 
- العيشة ... مالها العيشة؟!! عندك كل حاجةء واللي أنتي عاوزاه 
بيكون عندك أول ماتطلبيه» عاوزة إيه أكتر من كده. 
- هيفضل تفكيرك سطحي وفاكر إن أهم حاجة في الدنيا الفلوس» 
عمرك ما فهمت يعني إيه كلمة مشاعر ... يعني إيه كلمة إحساس» 
يعني إيه ست تعيش من غير ما جوزها يحسسها بدفا حبه. 
- أم الاسطوانات ... أنا نازل أقعد تحت أنتي بقيتي مقرفة. 
غادر حسام غرفتها والغضب يشوب أعصابه» بعدها مباشرة نادت آية 
مارتيناء طلبًا في إلحاقها بالمرحاض فهي على وشك الاستفراغ؛ وبعد 
سعال مديدء رشقت كل ماتبقى في بطنهاء وتعثر لسانها عن الكلام» 
فأراحتها مارتينا إلى مخدعهاء وتحسست بطنها المتقلبة» فابتسمت لها ثم 
قالت:»٠‏ 
- ربنا هيرزقك بطفل قريب. 
لحظات ذهول اندهاشية تكسو ملامح آية» ولم ترد بأي كلمة تذكر. 
- أقول لأستاذ حسام ... أنا من رأيي نقوله علشان يخلي باله منك» 
وصدقيني فرحته ممكن تغير حاجات كتير. 
- مش عاوزة أفرحه ... لإن اللي حصل امبارح كان صعب أوي. 
لك اند 


Y۸ 


وعندما نوت مارتينا المغادرة» استوقفها حسام الذي كان على مقربة من 
الباب فأمسكها من معصمها ... 
- في إيه ... هي تعبت ولا إيه؟ 
صاحت أية قائلة: 
تركها حسام تارگا شرائط حمراء على ذراعهاء أثار احتكام قبضتهء 
فقال بابتسامة صفراء. 
- ها في إيه بقى؟ 
- في إني تعبانة ومش طايقة العيشة معاك. 
ابتسم مستهزنًا بكلامها ... 
- بعد كل اللي عملته عشانك. 
تقول باندهاشها: 
- عملت إيه عشاني؟! 
- مش محتاج أقول ... أنتي بس بصي حواليكي. 
استنهضت نصفها العلوي كي يستجيب لحالها الغاضب .. 
- إيه فلوس ... فيلاء قصرء منا ممكن كنت أعيش في شقة صغيرة 
وأحس إني أسعد بني أدمة في الدنيا. 
نهرها قائلا: 
- وإيه ناقصك مش فاهمك؟! ! 
- إيه اللي ناقصني؟!! 
بعدها علت ضحكاتها كالمهوسة فتابعت كلامها في حالتها الهسترية تلك 
فبدت كأنها تهزي بملا تعي ... 
- مجنون ... أنت أصلا مجنون. 
فاقترب حسام منها ليلطم خدها بعنف» لتحملق عيونها اندهاشًا ويسكت 
حسام للحظات ... 
- غبية ... وصلتيني إني أمد إيدي عليكي. 


۹ 


- فهمني أنت عاوز إيه مني طلقني يا حسام. 

نهرها في عنف من القول ممسكًا بشعرها ليشد خصلاتها للأسفل ... 
- مش هطلقك» أنا مبيتلويش دراعيء فاهمة ولالأً؟ 

لتنهار قائلة ... 
- أنت اتجوزتني ليه؟!! عشان تذلني. 

ترك خصلات شعرها الملتوية ليقف بالقرب منها ناظرًا إليها بغل ... 
- مبتبصيش غير لنفسك أنانية» بتجري ورا أوهام؛ والأوهام ديه هي 
اللي مخلياكي دايمًا ناسية جوزك. 
- أنت اللي دايمًا سايبني وبتسهر مع أصحابك وبقيت تشرب كتير 
وخليت الحياة بقت مقرفة معاك. 
- مقرفة ... 

علت ضحكته لتدوي أرجاء الغرفة ثم تابع قائلا: 
- لو عاوزة تعرفي القرف» بصي لنفسك. 

نبش كلامه جراحًا أخرىء ليشتد بكاؤها أكثر ... 
- أنتي اللي اخترتني رغم إنك عارف إني كنت قافلة على قلبيء 
اتجوزتني ليه؛ عشان تعذبني» ولا عشان تستعر مني وتخاف 
صحابك يشوفونيء فاكرني مش حاسة؟! لا أنا حاسة بكل حاجةء 
وأنت عمرك ما فهمت أد إيه كلمة عاجزة بتتعبني» وأنت في كل 
مرة بتقولهالي بمواقفك ... حسام خلاص أرجوك طلقني. 

سكن حسام للحظات ثم تابع قائلا: 
- خلاص» زي متحبي يا دكتورة. 
- ههه؛ يبقي كل كلمة قلتها صح. 
- على العموم ورقتك هتجيلك بكرة» مش عاوز رغي كتير. 

التفت ليغادر غرفتهاء فأوقفه كلامها ... 
ن حت أقلك حاجة ضر أا #تخلضن سن كل اة اكك 
بما فيهم اللي في بطني. 


۰ 


- اللى فى بطنك؟؟؟! ! 
الففتت عيو نه إليّها لتتابع حديكها ... 
- أه أنا حامل يا حسام. 
بدا الذهول يسرق ملامح الحزن من على وجهه ويحتل الاحتكام بعيونه 


- حامل ... بجد الكلام ده ... ومقلتليش ليه من الأول؟!! 

- علشان أعرفك بنفسك» لازم تعرف أنت عاملتني إزاي ولازم تفهم 

إني كنت بحبك أويء واللي لازم تعرفه دلوقتي إني بكرهك أكتر من 

أي حد في الدنيا ديه؛ لإنك بجد جرحتني أوي. 
اقترب حسام منهاء والندم يحوم بعيونه كطائر مكسور الجناح» فيرتجي 
العفو بشكله المكلوم» وارتكز على ركبتيه؛ فأمسك كفها المرتعش واللوم 
يلتحق بصوته: 

- يعني هيبقي عندنا ابن؟!! 

- لا 

- يعني إيه؟؟!!! 

- يعني أنا هنزله بعد لما تديني ورقة طلاقي. 

- ويهون عليكي ابنك إنك تحكمي عليه بالموت من قبل ما يتولد؟ 
فاحتضنها حضنًا باهنًا لا يقصي الجراح» قد يخفف وطأة الحزن» 
حاولت دفعه بعيدًا عنهاء قاومها كي يلتحم بهاء وبعد مقاومتها الغير 
مجديةء ارتاحت أوصالهاء فقد احتاجت هذا العناق كي يفني بعضًا من 
تعب مضنيء ليس معناه أنها رضيت عنه» ولكن تعبها هو الذي سبب 
لها الاستسلام» وعندما استشعر الهدوء المناسب كالسيل في أنحاء 
جسدهاء نظر إلى عيونها فمسح الدموع عنهم؛ ثم قال بصوت هادئ 
يملؤه الإحساس: 

- بجد أنا بحبك أوي. 


۳١ 


- بحبك ؟؟؟!!! أنا خلاص ياحسام مبقتش قادرة» كل معاني الحب 
- حتي لو حبك ليا انتهي لازم نتمسك ببعض ومنبقاش أنانيين عشان 
أبننا. 
- أنت اللي طول عمرك أناني. 
- أرجوكي متضيعيش فرحة إني بقيت أب» وأنا أوعدك إني 
أعوضك عن كل اللي فات» إديني فرصة:؛ كل حاجة هتبقى أحسن 
من الأول. 

البكاء انقطع عن عيونها لتقول بغل: 
- عاوزاك تعرف إن الدنيا غيرتني مش أنا هي بتاعت زمان» الزمن 
قواني أكتر بكتيرء عرفني إزاي وإمتى أدوس على قلبي وإمتى 
أخرج اللي جوايا»ء وانت كنت السبب في ده» شكرًا ليلك» قدرت 
طلقني بقى ياحسام» متخافش مش هنزل ابننا لأني عمري ما هبقى 
زيك. 

تنهدت لتخرج زفيرًا حارًا ... 
- خلاص يا حسام سبني دلوقتي لوحدي عاوزة أرتاح. 

رد في هدوء: 
- زي ما تحبي أنا خارج بره هقعد في الجنينة تحت لو احتجتي 
حاجة نادي عليا من البلكونة. 

لبى طلبهاء وتركها لكي تسند رأسها إلى وسادتهاء ويهدأ قلبها النابض 

بقوة» تخمد النار المضرمة بقلبهاء ترتاح عيونها بنومة طويلة» حتي 

يأتي لها صباح جديد» غير مخضب باليأس وغير معتم كسابقه. 


TY 


الفصل الثامن عشر 
يتكأ دكتور ريتشارد على كرسيه منتفخًا من جراء أكلة دسمة» كرشه 
تَعيك:خمسة عش مرا تامام ليملا القرفة يأكملهاء تحن أمامه لةه 
النجيبه تسأله عن بعض المعلومات» كان ذلك في عهد الجامعة حيث 
تجالسه صاحبة الكرسي ترجو أن تقطتف من علمه شيئًا. 
- دكتور هو في أمل إني أرجع أمشي تاني؟ 
فكر دكتور ريتشارد قبل أن يتفوه بأي كلمة 
A OED‏ رفاك 
- يعني إيه؟! 
- في حاجة في إطارات بحثية الايام ديه ... أسمها الخلايا الجذعية. 
- سمعت عنها بس ياريت تفهمني أكتر ... 
- الخلايا الجذعية خلايا ممكن تتحور لأي نوع من الخلايا «قابلة 
للتشكل» وده على حسب البيئة اللي موجودة فيهاء ودي بتبقي 
متواجدة في النخاع العظميء خلينا متفقين إن طبعا الخلايا العصبية 
عمرها ما بتتجدد» لكن آخر أبحاث نتايجها قالت إن ممكن النسيج 
العصبي يتجدد عن طريق التعويض بالخلايا الجذعية» وده عن 
طريق العوامل اللي بتوضع فيها الخلايا الجذعيةء كمان في عوامل 
بتأثر زي 19606 010100170 اللي بيتضاف للخلايا بس خليكي 
فاكرة النتايج ضعيفة. 
الحماسة جلية على وجهها ... 
- طب إزاي ممكن أحصل على عينات خلايا جذعيةء أنا عاوزة 
أفهم الموضوع أكتر. 
> ظالها کا ارف کد هات ور قة رق كني الات اللن 
هقولهالك. 
- ثواني وجاية على طول. 


YY 


2F 2F عد عد‎ f 
.. التجربة الخامسة عشر‎ 
تمتلأ الأنابيب بعينات من الخلايا الجذعية كي توصد عليها داخل ثلاث‎ 
حقن» وحقنة أدرينالين تبغي استخدامها في غير أوانها نظرًا لبعض‎ 
اليأس المتجلي؛ والتحفيز للعضلات سوف يكون تلك الجرعة الزهيدة‎ 
جدًا من الأدرينالين» هل ستحظى بنصر قريب على تلك الإهانة‎ 
التعجيزيةء سوف تشعر بالأدرينالين يتدفق إلى جميع خلايا الجسم:‎ 
ليخرج تلك الطاقة الكامنةء وتفعم مؤخرة رأسها برعشة مقدسةء فتقشعر‎ 
بالقوة التي تلتحم بأرجاء أطرافهاء هذا ما جال خاطرهاء لتلتحق بالآلة‎ 
الخاصة» تثبت الثلاث حقن كي يلقى حبلها الشوكي حقنًا بالثلاث حقن‎ 
معًّاء وتحققت المحاولةء انتهت تلك التجربة الوطيدةء الذهول يقع في‎ 
قاع عيونهاء ويتضح لها غياهب الظلام لتصرخ ألمّاء تتشقق نعومة‎ 
وجهها بالعروق» فشلا جديدّاء رغم أن الرعشة تشبثت بساقيها بشكل‎ 
غير معهود» لكنه اعتبار الفشل رقم خمسة عشرء ر وينسدل‎ 
شعرها ليخفي قطرات الدموع المستكينةء تستكين وتنظر إلى أطرافها‎ 
الحزينةء تجرح حنجرتها صراخًا يدوي ليسمعه الفراغ ويمتصه»ء فكرة‎ 
الخلايا الجذعيةء إنها السبيل الوحيد لتجديد الخلايا العصبيةء السبيل‎ 
يبدو لها سدًّا عند مفترقات النهاية» دام جنونها ينفعل حتى أفرز‎ 
الأدرينالين الطبيعي ليلحق بالمحتقن في أوردتهاء أدرينالين الغضب‎ 
يلتحم بأدرينالين التجربة» ليعثر على دعمء ويطلق قوى من قواها‎ 
اكا العو صاخ كينل فاقيا ا احير وق لخن قات‎ 
على وشك الفرار من قفص صدرها ليولي خارجًا كطائر طريدء‎ 
.. تصرخ بكل ما أوتيت من قوة وينحر صوتها بقول واحد‎ 
أنا غبية , . زهقت بجد ... زهقت.‎ - 
فتطلب مارتينا بصوتها الهادئ بأن تهدأ سيدتها ولكنها ترد بصوت‎ 


YT 


- مش هوقف اللي بعمله وهحاول» حتي لو كنت غبية» حتى لو 

هموت أنتي فهمة. 

- أه بس حرام عليكي نفسك. 

- مش هیاس» يارب. 

- مش ههدى أبدَا وهحاول مليون مرة. 
توالت التجارب حتى التجربة التاسعة عشرء لقد تغيرت طريقتها منذ أن 
غادرت حسام في الآونة الأخيرة» قررت الهدوء في مكان بعيد تغفل فيه 
هواجسها وتبتعد عنها الظروف» سافرت إلى لندن حيث المؤتمر الطبي 
الذي سوف يعقد عما قريب في الخامس والعشرون من فبرايرء أختيرت 
آية لتحظى بمكانة رفيعة» ويشهد العالم وجودها وتفوقهاء لترأس 
المؤتمر الطبي المعقد في لندن بعد مبادرة قدمتها. 

2F 2F 2F د‎ f 

التجربة العشرون 
"أنا الدكتور "أ" من معملي الخاص ببيتي بالإسكندريةء هتكلم دلوقتي 
عن مجريات التجربة ... في التجربة اللي فاتت حسيت برعشة خفيفة 
ونبض في القدم لكن تنتهي بعد التجربة» يعني دلوقتي مش حاسة بأي 
حاجة» علشان كده باعتبر إن لحد دلوقتي التجارب فاشلة لإن الموضوع 
ده بيحصل بقالو كتير ومفيش تغييرء حاسة إني يأست» لكن بحاول 
تطوير عينات الخلايا الجذعية» وأضفت بعض التركيبات الدوائية 
الخاصةء وبستخدم تركيبة بروتين "1/657" اللي أثبتت فاعليتها ضد 
ضمور العضلات ولكن عضلاتي محصلهاش ضمور كامل لإني 
اعتمدت على العلاج الطبيعي طول حياتي» كان بابا بيوهمني بالأمل 
عن طريق العلاج الطبيعي» بس بستخدم "11657" تحسبًا لبعض 
الالياف التالفة» وهستخدم الأدرينالين المحفز ممكن يفي بالغرض» 
ورغم خطورة الأدرينالين فأنا مش هاخد أكثر من نص سنتيمتر» عارفه 


o 


إن ده جنون» بس أنا عاوزة طاقة عاوزة ۴0W۴۴8‏ ... عاوزة 
ER POWER‏ بسرعة» ودلوقتي هنبدأ عملية الحقن في النخاع 
الشوكي" 
توقف الكلام للحظات» لتبدأ في الكلام مجدد 
"فشل جديدء يظهر إني هوقف التجارب دلوقتي لفترة غير محددةء 
وهدرس آخر تجارب عشان أتحقق من شوية أمور مبهبة" 
2F f f f‏ 
اضطراب الحياة سبق العاصفة في مارثون ركض مسافات طويلة» عند 
عودتها إلى القاهرة حيث حسام ومنة» بالت الأمور» وتقهقر الظل عن 
تغطيتها من لهيب العيش» ونظرت بتفاني إلى وضعها المهترئ» فنية 
الانفصال دامت تنبهها بانتهاء المهلة. 
2F f f f‏ 
تأملته لدقائق دون كلمه ودون أن يقطع صمتهاء وأخيرًا نطقت بفم 
- فاكر ياعمر لما قولتلي إنك بتتناسي؟ الكلمة ديه مفارقتنيش لحظة 
لإنك مكدبتش» كانت هي ديه الحقيقة ... خلاص أنا قولت كل اللي 
عندي. 
قام عمر من موضعه قائلا: 
- يعني أنتي عملتي زي اللي رقصوا على السلم لا اللي فوق شافوهم 
عليها. 
- اسألني على اللي أنت عاوزه. 
- حسام كان عارف اللي بنا من الأول؟ 
- أه عارف ... كان بيبعت ورايا ناس مشغلهم لمراقبتي» ومش بعيد 
أنت كمان متراقب. 


إن 


- يمكن» بس محستش بحد مراقبني» طب قوليلي برضوء ليه 
ساعات كنتي بترتبكي وبتسبيني وتمشي لما بنكون مع بعض. 
- مارتينا كانت بتلاقي حسام نازل من البيت فكانت بتكلمني» فكنت 
بضطر أمشي ليكون حسام جاي علينا وساعاتها كانت هتبقى 
- هو اللي قتل فاطمة مش كده؟؟ 

ردت في غضب وحزن مندمجان ... 
- أه هو اللي قتلها. 

قاطا ا 
- مبلغتيش عليه ليه؟ 
- عشان هو اللي هيبقى باقي لمنة. 
- يعني إيه!! 
- متستغربش ... أستنى وهتفهم. 
- طب حسام ليه حاول يقتلني رغم إني قطعت علاقتي بيكي بعد لما 
عرفت إنك مراته. 

ردت بصوتها المرهق: 
- يمكن كان فاكرني لسا على علاقة بيك» وممكن يكون لما اتخانقنا 
سوا ساعتها هددني أنه يخلص منك» أهو كان عاوز ينتقم وخلاص» 
أصل اللي يقتل مرة سهل عليه يقتل ألف مرة. 
- بالسهولة ديه؟؟!!! 
- حسام يقدر يعمل أي حاجة. 
- قصدك الفلوس تقدر تعمل أي حاجة. 
- حسام بقى بني آدم معندوش قلب» الخمرة كلت عقله» حياته 
مجهولة محدش بيقرب منهاء يوم يروح بيته تلاقيه مهموم» اليوم 


TY 


6 


محسسنيش إني بني أدمة» حرمني من مشاعر كتيرة» حسسني 
بعجزي دايمّاء عمره ما حسسني إني ست زي بقيت الستاتء أنا 
دلوقتي قدامك محطمة؛ عايشة علشان مستنية أموت. 
ارتعشت للتتابع كلامها 
- خلاني أتهور في حاجات كتير. 
- تتهوري ... يعني إيه!! 
- السؤال ده إجابته هتشوفها بعنيك فمش محتاجة أجاوبك دلوقتي. 
-هو أنتي ليه بقى لابسه كده؟! 
- تقدر تقول إني نفسي أرجع طفلة تاني في آخر شوية ليا في الدنيا. 
اقترب منها وارتكز على قدميه في وضع القرفصاءء فشبك يده بيدها في 
تلاحم العشق» فقال في صوت هادئ 
- ليه بتقولي كده ...؟! 
دلك يدها في عشق ليتابع قائلا: 
- أنتي هتعيشي وهنتجوزء وهيبقى عندنا أولاد» ومنة هتبقى بنتي» 
هحافظ عليكي» عمري ما هوجعك زي ما عمل حسام» هراعي 
مشاعرك» هقف معاكي في أي حاجة أنتي محتجاني فيها جنبك, 
هبقي سندك وضهرك 
تتحدث في استعطاف .. 
- فعلا هتقف جنبي ولا كلام» لإني سمعت ده كتير من حسام» 
تصرفاته شيء وكلامه كان شيء تاني خالص. 
- عمري ما هبعد عنك؛ البعد عنك هو موت بالنسبالي. 
تجهم وجهها بحزن عميق ... 
- بس أنا لسا خاينة في نظرك ... مش كده؟؟!! 
-هتفضلي طول عمرك أجمل ملاك في الدنيا. 
وشاءت أصابعه أن تجفف دمعًا قد فر من عيونها غصبًا. 


لل 


- دلوقتي أنتي حالتك أدهورت جامدء يالا هنروح أقرب مستشفى 

وهعملك الفوحصات والتحاليل اللازمة. 

- أنا فعلا مش قادرة ... أه ... على فكرة في موضوع مهم هبقى 

أقلهولك بس بعد لما نرجع. 

- نرجع فين ... إحنا هنرجع تاني هنا؟؟؟ 

- أه ... لازم نرجع تاني ياعمر. 

- أوك ... يالا المهم نطمن عليكي. 
خلع عمر الجاكيت الذي يرتديه ليخفي ذراعي آية عن مطاردة البرودة» 
أمسك مقبضي الكرسي وتحرك صوب الباب» نية المغادرة» عندما فتحه 
هبت النسمات الباردة اليهم» وما تشتت إحساس البرودة لديهم إلا بعد 
اتصال هاتفي من مارتيناء جال الرعب بداخلهاء لتشهد أكبر لحظات 
الارتعاد الحميمي» تسرق الحيطة جميع أحاسيس الاتزان» أخبرتها 
مارتينا بما هو يشرد الذهن» تحقق ما خافت» حسام ينوي أن يرسم 
النهاية بيده. 

- حسام جاي هنا ياعمر. 
توتر عمر دون أن ينطق بكلمة ... 

- جاي ومعاه مسدس. 

- مين اللي قالك؟؟؟ 

- مارتينا كلمتني وقالتلي إن جاله تليفون بعدها خد مسدس ونزل من 

البيت متنرفزء يظهر فعلا إنك كنت متراقب. 
حينئذا تخيلت آية بما سوف يقع» تتفوه الكلام في شكل هستري مثير 
للريبةء وقف عمر مندهشًا لحالهاء حركت الكرسي بسرعة نحو آخر 
غرفة في الممر المنقبع في آخر البيت» توجهت إلى الدولاب كي تخرج 
سلسلة مفاتيح كبيرة لها هيئة أثرية الملمح» توجهت نحو باب حديدي 
مزخرف بحلي فضيةء مغلق بعدة أقفال فقصدت فتحها جميعًاء ارتعاشة 


۹ 


يدها مثلت حائلا وهو من أمسك بأطراف أصابعها كي يفتحه معها دون 
علمه بنيتهاء لكن الاندهاش صار رفيقه دون كلام. 
في اعتقاده تلك الردهة الواسعة المخفية وراء ذلك الباب سوا 
للاستجمام» لكنه عندما وجد الألة التي تقطن في نهاية إحدى الممرات 
علم أن ذلك هو مكانها الجديد للتجربة» مكانًا واسعًا يستحق العناية 
الدائمة» تحفه الأزهار من جوانبه وأركانه» وفيه تستقل نافورة رخامية 
في منتصف المكان» تنسدل الشمس انهماكًا في التدفئة من السقف 
المفتوح» الأرضية صلدة حجرية والجدران حجرية رمادية من نفس 
نوع أحجار الأرضيات» يتخللها نوافذ مربعة مغلفة بأسياخ حديدية لها 
نهايات مطلية بالذهب» يبتعد كل نافذة عن أخرى حوالي مترين في 
ترتيب منتظم» يتأمل عمر منظر ترتعش له الأوصال انبهاراء طلبت 
إليه أن يساعدها في بلوغ آلتها كي تصنع تجربتها في ذلك الوقتء لقد 
كان طلبًا مشدوه في وقت يحير فيه الفعل» تضارب ما كان في ذهنه 
حينما طلبت منه أن يعطيها بعضًا من المحاليل المعلقة في الدولاب 
الزجاجي» ناولها تلك المحاليل دون العلم بمهيتها فقال في دهشة: 

- أنا مش فاهم حاجة. 

- أصبر. 

- التجربة الأخيرة ... 
فرغت من مليء الحقن بالمحلول»ء طلبت منه أن يضعها في المستودع؛ 
في تلك اللحظات امتدت يدها إلى سوستة ظهرها كي تفتحها لنفسها 
فمرونتها تمكنها من ذلك» حتى تعرى نصف جسدها من ناحية ظهرها 
كي يلقى مصيره في الحقن بعد الضغط على الزر الأحمرء لكنها تلك 
المرة ربطت اقدامها ويديها تباعًاء خوفًا من رعشة تقسوا عليهاء من 
الملاحظ أن هنالك حقنة قد امتلأت على آخرها عكس الأخريات فلا 
يعي سببّاء ولكنه قال لها في صوت مشؤوم: 


Tt 


- أنتي متأكدة من اللي بتعمليه ده؟؟! 
- ماتخافش يا عمر لإن اللي بعمله دلوقتي أهم شيء في حياتيء 
ركز واتفرج عليا. 
- أنا خايف لتأذي نفسك أكتر من كده. 
- حتي لو ... حسام جاي دلوقتي عشان يقتلني ياعمر؟ 
بعدها حقنت وريدها بحقنة لا يعلم فحواها. 
- هي إيه الحقنة اللي بتخديها ديه؟؟ 
- أدرينالين. 
- أنتي مجنونة!!! أنتي عارفة كمية الأدرينالين اللي أخدتيها ممكن 
تعمل فيكي إيه؟ 
ردت في هدوء .. 
- عارفه بس لازم أأكد تجربتي. 
أراحت جسدها كي يشغل الآلة... 
- قوليلي إيه الحقن اللي أنا هحطها في الجهاز ديه؟ 
- خلايا جذعية مخلوطة بأدوية تانية. 
- أدوية إيه؟ 
- كله هتعرفه من التقارير» معلش مفيش وقت أشرح كل حاجة ... 
المهم شوفني أنا بعمل إيه كويسء لازم تركز معايا ... شغل يالا 
... دوس على الزرار ده. 
قام بتشغيل آلة الحقن لتستقر الحقنة في عمودها الفقري كي تلقى 
ارتعاشة مهيبة» وبعد انتهاء عملية الحقن» ارتعش ذلك الجسد النحيف 
كأن البرودة التحمت به في شتاء فبرايرء حبات الكرستال ارتسمت 
حدقات عيونهاء في تلك اللحظات لم يقف هكذا يشاهدء أطلق ساقية 
باحنًا عن غطاء ثقيل» يحاول أن يضمها إليه وباله مشغول بما تردد 


٤١ 


على مسامعه "هي فعلا حاسة بالبرد زي ما قالت" هذا ما تمتم به في 
خاطره. 
بالفعل وجد غطاءًا مكوم في غرفة متفرعة من الردهة الرئيسية» ذهب 
إليها كي يريحها من برد قارصء لكنه يصتدم بكبرى مفاجآته؛ مفاجأة لم 
تكن على باله» ليسقط من يديه الغطاء المنشودء بعدما فقدت قبضته على 
التشبث به» ليرى ما حلمت به يتجسد أمامه» لم يكن الفارق بينه و بينها 
سوى أمتارء لكنه لاحظ كم رتعت الفرحة من شفتيها حينما حاولت أن 
تمتد بخطواتها الأولى مستنده إلى كرسيهاء كطفل يتعلم المشي يضحك 
لفرحته بأنه خطى أولي خطواته» أضرم السرور بداخلها لتلحظة من 
عيونها اللامعه» من صوتها المتغاني باللهفة» تتمايل في أولى خطواتها 
في شكل غير محترفء تناشده بأن يظل مرتكزا بعيونه نحوهاء 
وتفوهت بكلمات علم منها كيف وصلت إلى مرحلتها تلك. 
- التجربة خمسة وعشرين فاشلة بس قدرت إني أوصل منها 
لحاجات مهمة أوي ... التجربة تمانية وعشرين ابتدت رجلي 
تتحرك على خفيف أوي ... وفي التجربة التلاتين رجلي بقت 
تتحرك بس كانت ضعيفة إنها تشيل جسميء وفي التجربة الاتنين 
وتلاتين ابتديت أمشي وأنا مسنودة على الحيطة ... وفي التجربة 
خمسة وتلاتين قدرت أمشي براحه بس مسنودة على عصايا ... 
وفي التجربة سبعة وتلاتين بقيت أمشي بدون حاجة» والتجربة 
تمانية وتلاتين بقيت أمشي بس بتعب بسرعة يعني مش بقدر أمشي 
خمس دقايق على بعض وفي التجربة تسعة وتلاتين بقيت أقدر أبقى 
طبيعية» عضلاتي كانت ضعيفة» كان نفسي أرقص وديه التجربة 
الأربعين اللي هقدر أرقص فيها ياعمر وابقي طبيعية وأوريك أنا أد 
إيه كنت أحسن راقصة باليه. 
ارتبك عمر بتعجبه قائلا: 


€ 


ده هتقدري تعملي إيه؛ أنتي عبقرية بجدء استني هقلك» لا مش 

هقول» أنا دلوقتي هقعد على الكرسي ده وهتفرج على أحلى راقصة 

باليه في العالم. 

- لو كنت صارحتك من الأول على اللي بعمله مكنتش صدقتني› 

كنت هتقول عليا مجنونة زي ما حسام قال عليا؛ عشان كده خبيت 
اتجهت للجرامافون المهترئ الموضوع في أحد أركان الساحة التي 
يرتكز بمركزها النافورة» يبدو بأنه يسكن الحجرة منذ عدة عقود» وفي 
منتصفه اسطوانة سوداء يحتضنها التراب» لتذيله بنفسها وتتابع 
الاشطوانة لها 

- هفرجك على رقصة اخترعتها وأنا صغيرة» رقصة فراشةء قالتها 

آية بعين الفرحة. 
وسط صوت الرعود هل تمنيت أن ترقصين ... تغدين ولا تكتمين ... 
بقشعر بدنك للمسة بدي ... وتنحب عبنيكي نحوب العاشقين ... هل 
رقصتك تلك تعبر عن هجاء أم انتقام لزمن المكوث... حركات يدك 
... انقضاض قدميك بالأرض التي تتشقق لجمال رونق بعوثك حية من 
جديد ... وسط أحلامك تتهدجين بصوت تفنى معه الأصداء ... وتلاقي 
نهيكًا مع صوت أمطار السماء ... تخطين خطواتك وتعبثين بواقعك 
... واذا كان لكي ذلة التمسي مابقى من وجودي معك ... فذلتك تبقيها 
بداخل أحضاني ... تبددين ما تبقى من ذنوب طرفك ... وتشكي على 
واقعك المر ... واذا تفانيتي في أداءك فإن عيوني تلحظك تبقى مسلطة 
عليكي ... تغمرك بعشق العيون ... تلحظ كل لياقتك ومرونتك بعدما 
تفنن الزمان في طمسها. 
نتسر ت الهو اع الدارة إلى الذكل» فالسماع. على وكتك أن 'تمظره و اة 
كلعف ذلك العداء سن قدمها) ووتكازالة الوقوف على أطوافت أضايعها 


YEY 


التي لم تعدها منذ سنين مضتء فهي من خلعت نعليها وتبنت فكرة أن 
تثبت على تلك الأرض الحجرية وأصابعها تتحسس التراب الملتصق» 
تخطو خطواتها الأولى في تلك الرقصة المتناهية الروعة» تثبت على 
أطراف أصابعها المتورمة» يتباين الخوف مع خفقات قلبها المتزايدة لا 
تعبر عن ألم» وابتسامة قسمت صخور اليأس وحطمت تلال المعناةء 
أخيرًا صارت فراشة تخطو بخطوات سريعة مع إيقاع يتنفسه هواء 
المكان» أغمضت عيناها متذكرة دروس رقص افتقدت معانيها منذ 
سنوات» بفمها تكلمت عن أسرار عشق قديم» باتت وهلاتها تناجي عن 
صدق مشاعر» وبضربات قدميها انتفضت معها قطرات أمطار سماء 
بكت معبرة عن كينونة الخلاص» ولكنها شعرت بالغثيان تملكها فجأة 
فاحتقنته بداخلها المبتور» كي تكمل رقصتهاء حتي تفجر الألم في باقي 
أوصالهاء تؤدي رقصتها على سطح مياه أفاضتها السماء» فسطعت 
الشمس في حين أمطار لتنتصف "أينوجت" قوس قزح رضًا بانسدال 
ألوانه المتدرجة حولهاء تخللها النور من بين أصابعهاء من بين 
ذراعيهاء من بين ساقيهاء أهكذا كانت تبدو عندما تتحرك ملاشية 
لحواجزهاء لم تكن اسم الرقصة رقصة فراشة بل أنتي هي الفراشة 
نفسهاء تنوي انغماسًا وسط زهور المكان متخذه موسيقى الدنيا صوب 
قلبهاء تهيم على عبير كل ما أحاط بهاء فيسري الشوق في أطرافها متى 
ذاقت» وتلبدت في وقت الصباح» فتلاقي ندي فتنفرج شفاتها له شربّاء 
وما هو الفرق بينك وبين مخلوق رقيق ذو أجنحة جميلة» فأنتي ترسمين 
فرحتك أجنحة لكي فتبدلي السير إلى طفو في الهواء. 

و بعدما دارت عدة لفات حول نفسها في شكل مبهر» خصوصا عندما 
انتصف جسدها للتنورة البيضاء التي ارتفعت لتكلل وسطهاء لقد تناوبت 
في الالتفاف مع الحركة الدائرية لجسمها حول تلك النافورة التي تزين 
رقصتهاء وفي نهاية تلك الرقصة انخفضت إلى الأسفل بنصف جسدها 


٤ 


العلوي كي تنهي رقصتها بشكل رائع» ولم تتوقف يدا عمر عن 
التصفيق» فقالت له في صوتها الحاني ... 

- تجي نرقص سوا؟ 
واراحت ذرعيها لتلتف حول رقبته» وأمسك هو وسطها بدوره» ومع 
دقات البيانو الهادئة تحركا في خفة ورشاقة» فقال عمر في صوت 
مدهوش: 

- أنتي كنتي بتقدري تمشي وبتمثلي عليا السنين دي كلها؟!!! 
تجردت من مشاعر الحزن وابتهجت ملامحها لتضحك قائلة: 

- أكيد لأ. 

- بجد أنتي رائعة. 
وضمها إلى صدره أثناء رقصتهما الهادئة 

- نفسي يا عمر أفضل كده في حضنك على طول. 
قال عمر ممازحًا: 


يمازحها عمر ... 
- طب أشتغل كده إزاي» وأجيب فلوس إزاي؟ 
- مش عاوزة فلوس» حضنك وبس. 

سكن عمر قليلًا ليقبل يدها في حب وفيض 
- دلوقتي عرفت ... من الأسباب اللي اتخلقت علشانها إني أعرف 
قيمتك وجمالك؛ لإنك متتوصفيش في مليون سنةء سنين الكون كلها 
استوعب أنتي وصلتي لكده إزاي. 

نظرت إلى عينيه قائلة في هدوء: 


to 


- في منا الظروف بتقويه» وفي منا اللي بيضعف وبيستسلم للواقع 
لحد لما يموت فيه الإحساس» وكلمة مش فارقة تبقى زي اللبانة في 
بقه» عشان كده أنا كنت النوع الأول اللي مبيستسلمش بسهولة» 
- مش عارف أقول إيه ولا إيه. 
أغمضت عيونها وتابعت المكوث وسط أحضانه .. 
- مكنتش ناوية أبقى ذكرى في عقل كام واحد من اللي حواليا 
ياعمرء الذكريات بتتنسي مع السنين» كنت نفسي أبقى ذكرى للدنيا 
كلهاء حتي يوم لما أموت ألاقي كتير فاكرني» اسمي يفضل محفور. 
- أنا عمري ماهسيبك أو اتخلى عنك. 
وفي تلك اللحظات تخللت موسيقى الكمان وسط موسيقى البيانو» لتصنع 
جدًا غير اعتيادي. 
- موسيقى تحفة. 
- بحس إنها بتخرج كل المعاني الحلوة من قلبي» ومع حضنك 
الدافي» أنا دلوقتي في الجنة. 
قالتها لتتشبث بأطرافها بظهره ثم سكتت للحظات للتابع كلامها في 
هدوء: 
- هي الموسيقى ليه بتخطفني ليها ... ولا أنا حساسة بزيادة! 
- دايمًا الملايكة هما اللي بيحسوا بده» مش كل الناس ملايكة؛ عشان 
كده مش كتير عندهم نفس إحساسك. 
-تعرف إن كان نفسي أتعلم بيانو» وأفهم النوتات المعقدة اللي 
بيحطوها قدامهم وهما بيعزفوا. 
كانت قهقهة عمر يعقبها تقبيل يدها الباردة 
- هنتعلمها سوا. 
هدأوا للحظات للتتابع كلامها: 
- الموسيقى بتقشعرلي كل ملي في جسمي» وكل لما تكون أحلي› 


Ea 


قال متعجبًا: 
- هو أنتي كدة عشان عشتي في لندن ولا ديه طبيعتك. 
- مش عارفة ... بس أكيد مش هيفرق. 
- عمري ما تخيلت إن ممكن أحب حد قدك. 
- طب ومراتك؟!! 
- حياتي مع نور كانت ملخبطةء مليانة خناقات ومفيش تفاهم» 
شخصيتنا مش راكبة على بعضء أنا في وادي وهي في وادي تاني 
خالص. 
عم السكون بينما يغرقهما ماء المطر الذي يكلل رقصتهم» لم يحتموا 
بسقف أو تجري أرجلهم اجتنابا لهاء استقبلا أمطار السماء في حب» في 
أمل» في عشق لا ينتهي» لتتكلم هي في همس ... 
“هعم أنت عارق أجمل حاجة آنا ينرقضن'تكت 'المطن» كنت 
دايمًا بتخيل المشهد ده في خيالي كتير» ودي من أول الحاجات اللي 
كان نفسي أعملها أول لما أمشي على رجلي من تاني» أرقص مع 
حبيبي تحت المطرء تنفع اسم رواية مش كده؟ ولا أقولك ... رقصة 
تحت المطرء كده أظرف» ينفع أكتر البطل يحضن البطلة ويرقصوا 
لحد نهاية الرواية. 
ابتسم من واقع كلامها لتتابع في صوت هادئ ... 
- رغم إني كنت حاسة بالصعقة من شوية بس دلوقتي حاسة بدفا 
عمري ما حسيت بيه قبل كده. 
دقات الساعة بدأت في الانبعاث بصوتها الأجش» رفعت يدها جهة قلبها 
وأمسكت بفستانها متألمة» والتوازن في طريقه إلى اضمحلال» حتى 
سقط أرضناة اطا عمر. بين را غب لق كانت تله :«وقد علخ بذاك 
غمرء أن تلك الجرغة لم .تكن بعادية فق قفزت حواحز المعافاة إلى 


¥ 


حواجز أبعد من ذلك» ترنحها هوى بها وسط أحضانة لتلتحم أكثر من 
ذلك» وبدأت شفتاها بالحديث عن طلب وليس للغوث. 
وهي من توجه وجهها إلى تلك الطرائق حتى تختفي دموعها وسط 
الودق» خوف شديد يتجهمهاء دفئ قليل يلتحم بأصابعها من أصابعه؛ 
فكفوف أيديهم تلاقيا حبّاء يستنط إلى همساتهاء يميزها عن صوت 
المطرء ويرتجي أن يبقيها الإله بين ذراعيه؛ فلا ينتزع ملك الموت 
روحهها في هذا الأوان» فليبقيها ولو للقليل» وسط الارتعاشة وطلب 
الخلود» تنتفض بين ذراعيه» تواجه شيئًا عصيبّاء حتى تبين له ألوان 
عروقها المنبسطة في رقبتهاء كتفرعات شجرية باتت تتمدد تنافسًا مع 
فروعها الأخرىء لكنها استبقت ألمها يئن بداخلها. 
فالخوف والرعب التحما بلسانه فقال في ذعر: 

- مالك في أيه؟ 

- يظهر أنه الأدرينالين ... مكنش في وقت. 
وأبقت على لسانها أن يحكي بعدما استغل الارتعاش أطرافها ... 

- عمر لازم تكمل التجارب اللي عملتها لإن محدش يعرف 

الموضوع ده غيرك أنت» ولازم طريقة العلاج ديه تتجرب قبل ما 

تصلح للمرضىء وأنت اللي هتكملها ... اتفقنا؟؟ 

- هوصل صوتك للعالم كله. 
احتضنها بقوة» متألمًا بجرح عميق لم يتخثرء لكنها قاطعته مجددًا 
بصوتها المبحوح 

- هتلاقي عندك في الخزنة كل التقارير والتسجيلات في فيلا حسام 

هي خزنة صغيرة برقم سري موجودة في أوضتي في الدولاب. 

- كام هو الرقم السري؟ 

41١117 -‏ ... مبيفكرش بحاجة الرقم ده؟ 


€۸ 


السك سياف O‏ دقف 7 كل ESE‏ مداق الك كنا 
وشحب الجسد النحيل» يبدو أنه الأوان» 

- شايف الفرشات ديه ياعمرء دي نفس الفراشات اللي شوفتها وأنا 

صغيرة. 
لم يستطع عمر سوى أن يواكب تخيلاتها ... 

- أه شايفها. 
فقال ذلك إزضاءًا لها 

هى ديه اللى جاتلي قل كذها رن نياغة اتحائكة 

- عمر حافظ على مراتك وابنك» أوك يا حبيبي» متعملهمش زي 

كام هربق 

- أوك ... متقلقيش. 

- بحبك. 

- وأنا كمان بحبك أوي ... قالها بينما يقبل كفها. 
هذا کا بيد كلك الكلمات» ا نيه العذاكا وار ا 
لهاء وتمنت بأن تنتهي حياتها على وتيرة التائبين» فابتهل لسانها بالدعاء 
في آخر لحظاتهاء وتمنت الرضا من القدير» وأغمضت تلك العينان 
الحضتر اوقا ادان حك رن أشعة القمين انحر فة لجاع الت 
والسقف المفتوح» بدأ الجسد بين يديه يخدره البرودة» ولم يخضع لبعض 
الدفئ المنسكب من دموع عمرء وفجأة تجمد جسدها عن الحركة تمامًا. 


۹ 


الفصل التاسع عشر 

... نهاية مجيدة 

يا سحب التي تأوي في بطن السماءء أغدقي بأمطارك على وجهي 
لتخفي دموعي فإنني رجلاً أخجل بأن يرى دموعي غيريء ويا عطف 
إلهي هلم على بالرضا والحمد فإن جوفي يغليء ويا ظلمة داكنة 
بأرجائي انقشعي عني» يكفيني أنني علمت الغياهب» وأدركت الموازين 
كيف تزن» وعشقت من العشق من لا يوزن» ونفضت عن ملابسي 
التراب من ارتكازة ركبتي أرضاء وعلمت للحزن مرا لاذعاء أخفي 
دموعي أمطار السماءء فإن القلب لن يحتمل؛ وإن الجرح لن يندمل» 
وإن الشوق في ريعانه» دعني وحيدًا أيها الزمان ململمًا أشلائيء 
أضرب على صدري بيدي فأنتكس» فإن الوحدة هي عنواني» ومهما 
يدق بابي فسوف أظل أصم لا أميل لما هو آني. 

تفوح رائحة الجثث العفنة» وصوت الكلاب يعوي بالقرب من 
المشرحة؛ يبدو أنها ترى أطياف القتلى المستباح دمهم» لقد ازدحمت 
أروقة المكان بالأطباء رغم سكون الليل» عمر يقف يراقب تحركات من 
حوله» فكانوا يتجولون في الممرات على وتيرة واحدة» في استكانة 
النعاس يتهاوون» هؤلاء هم أطباء النبطشية» ينظرون إلى جميع 
الا غات ال ووو كل الخ ا اليا وفك فار اة 
لادغة» فالوقت لا يستمد منه الطاقة» فعندما تنتظر شئ إما أن تخور 
قواك أو تندرج تحت طاولة من هب عليهم الجنون» ومع هذا كله وفي 
لحظة تذكريه لاحظ عمر تجلط بعضًا من الدماء على يده» إنها دماء 
حبيبته الهامدة» لا يعلم متى التصقت به الدماءء وأثناء تفقده لأنامله 
المرتعدة» قدم إليه شخص أصلع لم يستدم شعره على رأسه» ولا حتى 
النظارة على أنفةء لقد كانت ترتكز على أنفه المدبب ولولا أنه مدبب 
لوقعت النظارة ولأصبحت ذكرى منسية» وفي أول وهلة كان يهرش 


قائلا: 

- أنت عمر؟ 

- أ 

- اتفضل يا دكتور عمر. 
لمبة تستقر في منتصف السقف تتكاسل عن دورهاء فإضاءة خافتة سببًا 
في لمعان الأدراج المعدنية» أرضية سيراميكية بيضاء لا نفوش تتباهى 
بهاء رائحة عطنة تصيب الغرفةء احتبس عمر دموعه؛ يبدو ذلك في 
تشابك العروق الحمراء بداخل عينه» يرافق الطبيب الشرعي لكي يرى 
الجثة للوهلة الأخيرة» كي ينشد أنشودة الحب الضائع» لقد كان لأزيز 
حينئذ أزهق كل محاولات الكتمان وانفصلت الدموع عن رموش عينهء 
أينوجت أصبحت جثة» وما للجثة من دم مرشوش أو دفئ مستحكم» إنها 
فقط البرودة تشق أطرافها دون شعورء مكسية باللون الأزرق دون 
الوردي» لقد كان عملا مرهقًا على الطبيب الشرعيء فما حاله عندما 
يشاهد عين جثمان مفتوحة وسط الدجي» أينام سعيدًا في مرقده أم 
صلابة أعماقه» وليست تلك القضية بالهامة هناء فكل ما يهم عمر هو أن 
يأخذ ملف بتقارير أسباب الوفاة وعينة من تحاليل الدم كي يتم هو 
دراسته» فالابتعاد عنها الآن أولى» حتى يختلي بدموعه ولا يشاطر 
رؤيتها سواه» والأهم هو أن يكمل مشوارهاء لكن بالتفكير العميق 
المشكلة هنا في إيجاد متطوع التجارب كي يكمل ما قد بدأته آية» فإن 
هنالك من الحواجز ما قد تعلو ومن الغياهب ما قد يجهل» ومن الظروف 


ماقد يسير عليها هو. 
f‏ اد اد د 


يستريح على الكنبة في استراحة الاستقبال داخل الفيلاء لينزل حسام 
بعينان حمراوان شحبت بالدموع؛ يبدو أن البؤس نال منه في نزال 
ملاكمة عنيف. يرتدي روبًا نبيتي حريريء وفي يده اليمنى كأسّا يحوي 
الخمورء وما إن التقى وجهيهماء نال عمر انهزامًا قائمًا في ملامحه؛ 
ففتح حسام كلماته الأولى بينما اكتفى بمكوثه على السلم: 
- نعم قول عاوز إيه من الأخر 
قام عمر من موضعه قائلا: 
- أنا عاوز أتكلم معاك في موضوع مهم جذا. 
علت قهقة حسام ليبدو في حالة هسترية مختلفة 
- إيه ممكن يكون مهم بنا؟!! 
- في حاجة مهمة لازم تعرفها ... 
قاطعه حسام بأسلوب حازم 
افق برضو ف حاحة سيمة لازم رفا 
سكت حسام قليلا ثم تابع قائلا: 
- أحمد ربنا إنك لحد دلوقتي لسا عايشء أنا قدرت إنك أنقذت بنتيء 
كنت عندي يقين إنك متعرفش إنها مراتي» فعزمتك على الغدا 
وجمعتكم عشان تعرف وساعاتها محسش بالذنب لما أقتلك» وأنت 
كنت مصمم تقضي يومك مع مراتي» وكنت جايلكو من القاهرة 
مخصوص عشان تكون نهايتكم على إيدي ... 
- وتهديدك الأول إنك قتلت فاطمة ... مش كده؟ 
رد في تبجح قائلا بعيون لا تحمل الذنب 
- أه أنا اللي قتلتها وهي كانت فاهمة كده كويس» وعلى الرغم من ده 
محاولتش تخاف عليك وتبعدك عنهاء ومبلغتش عنيء عارفة إنها 
كانت هتموت» ومحبتش منة تتربى بعيد عن حد من أهلهاء عندك 
اسل اة فل مآ أطلع اناب متمكشن طول الليل, 


- أه عندی. 


۲ 


- ها 
قال عمر في استهزاء 

- أنت حبتها؟ 

- أظن حاجة زي كده ملكش دخل فيهاء وكوني إني اتكلمت معاك 

خلاك تسأل أسئلة متخصكش» وقتك خلاص خلص. 

- أستاذ حسام؛ لازم تفهم إن آية قدرت تحقق اللي حلمت بيه. 
توقف حسام بعدما أدار ظهره له كي يصعد إلى الدور العلويء ليتابع 
عمر كلامه ... 

- أيوة حققت حلمها وقدرت تمشي على رجليها من جديدء بجد أنا 

آتفاجئت» كان شيء مستحيل قدرت تحققه. 
نظر حسام إلى عمر بعيون حزينة ليتابع عمر كلامه ... 

- وهي ديه الحاجة المهمة اللي جايلك فيها. 

Ff f‏ يت 

استقر الأمر وحقق نصف الوصيةء فاقشعر بدن عمر حينما سمع 
التسجيلات الصوتية» ورغم الحزن المنسوب إلى صوتهاء إلا أن الأمل 
تشبث به» والحماسة لا ترضى عن الابتعاد» وهذا يمكنه بسهولة 
الاعتراف بهء فلا يفقد تركيزه فنجان القهوة الذي يرتشف منه القليلء 
ولا التقارير الطبية المنبسطة أمامه على مكتبهء لكنه اندمج مع كل 
حرف قالته» مع دفئ صوتها الحاني» حتى أنه كان يعيد الاستماع إلى 
الشريط كي يركز في المعلومات الطبية بدلا من العشق المتسرب إلى 
قلبه نتيجة صوتهاء فأخرج ورقة وقلم وبدأ في تدوين أفكاره وشعوره 
ولیس تدویتًا علميًا. 
"لقد تهيا البعض بأنني فارقت الحياة ولكتني اعتذلت عن الكون الفسيح 
بكواكبه» ونثرت من عيوني العبرات على فقداني لشخص عزيزء 
محف الكدالسا :رسك كوو كح بد كل کو کی ل ا 
الجالية في ذهني» وشهدت بمكوثي خلف أحزانيء أعاتب نفسي كثيرًاء 


Yor 


حتى شهد ابني الصغير الذي لم يبحر في السنوات عمرًاء يقف بجانبي 
يشاهد ضربات قلمي المنحوتة على ورق مهترئ مصفرء ولكني 
التزمت المكوث ملبدًا بكرسي أرحت عليه ظهريء محتسيًا قهوتي» 
غير مبالي بمن حولي» حتى ابني» مندمجًا لما أصنع فلا ملاذ من 
اكتئاب» إلا بأصابع ابني الوردية تسرقني حينما التحمت بكفوفيء كأنها 
المواساة دون إدراك» فهو مازال لا يعي معناهاء ولكن سجيته الصافيه 
تكشف ما أخفي من الدروب" 
أوقفه ابنه عن الكتابة باحتضان» فبات يقبل رأسه ويحتضنه بلهفة 
ملحوظةء وفي نهاية ما أرادء احتكمت قبضته للورقة فيكورها ويرميها 
بسلة القمامة. 
لاحظت زوجته أمرًا كهذا فبعد اندماجه لدقائق» يرمي الورقة بتلك 
السهولةء فاعتلي الفضول شعورهاء فذهبت كي تحضر الورقة المنفيةء 
قرأت ما تبين فيهاء فأصابتها الدهشة المفرطة» فلم تسمع بفقدانه أحد 
أصدقائه؛ فتسائلها عن الأسباب في عقلهاء أسباب ضيقه الممتد لبضعة 
ا 

- عمر أنت في حد من أصحابك جراله حاجة؟ 
مثل عمر الاندهاش الممزوج بالخوف قائلا: 

- لأ ليه في حاجة؟!! 
تفحصت الورقة الصفراءء وقلبتها بين يديها 

- أصل لقيت الورقة ديه مرمية في السلة. 

- أه الورقة ديه لأ عادي ... كنت قاعد بشخبط بس. 

- على فكرة أنت بتكتب كويس. 

- بجد؟ 

- أه بجد ... أنت كنت بتألف قصة ولا إيه؟ 

- أه كنت بجرب التأليف. 

- ماشي يعني عاوز الورقة ولا أرميها؟ 


of 


- لالا حطيها على المكتب. 

انصرفت نور تاركة أثرًا هامّاء فكرة رائعة» فكرة أن يكتب قصة حياة 
أينوجت ليرويها للناس» لذا داوم عمر كتابة القصة باستمرارء يتسم 
بالأسى منذ بداية التدوين حتى نهايته» لا يخالطه التبسم ولو للحظة 
واحدة من أول الولوج حتى الانتهاءء زوجته تراقب ذلك دون أن تقطع 
أفكاره» تكتفي بالمراقبة البعيدة من حين إلى آخرء ابنه كثيرًا ما يقف 
بجانبه ليشب بقدميه كي يعبث بما على المكتب» يقاطع أفكاره أحيانًا 
ولكنه لا يزعج من ذلك؛ كل ما يفعله هو أن يعانق الصغير تاركًا قبلاته 
على جبينه وخديه. 

وفي نفس تلك الأوقات كان يراقب قسم المخ والأعصاب بالمستشفى كي 
يجد متطوعًا لتجربة العقارء إرث أینوچت» يود شخصا كاتمًا لسر 
التجربة» يحمل الجراءة ليخوضهاء لكن ذلك الشخص لم يلحظ له طلعة 
ولمدة أسابيع داوم البحث» بلا جدوى» فلعل الحظ يرسل له شخصًا 
يحمل العلة ويبغي العلاج. 

2F 2F FF f 

في آخر الشتاء الحالي» حيث الأمطار الغزيرة» والطرق المعبأة 
بالمياة» حيث استقل سيارته الداكنة الجديدة» متجها إلى حيث مكان 
عمله» سمع صونًا حتم عليه التريث لبرهة مع عقله» صونًا لطالما حلم 
بقدومه يوميًا إلى أحلامه» صوت الأزيزء تبحث عينيه عن الموقع تلهفاء 
فتح زجاج السيارة ليطل برأسه إلى الخارج كي يرى مصدر الصوت» 
غدقت رأسه بللا بالأمطار الكثيفةء لم تسلم إحدي شعراته من المياهء 
عيونه تابعت شخصا ما يريح ظهره على كرسي متحرك» وفي خلفه 
شخصا يدفعه إلى الأمام» يبعد عنهم كل تلك الأمطار شمسية سوداء 
تسمع لصوت صراخها صدى من الصقيع» بات يدقق النظر أكثر فلمح 
يدَا بيضاء يلمع في وسط أصابعها خاتم ذهبي» انطلق عقله نحو 
الجنون» نفس لون البشرة المشع» يتساءل مشدوهاء هل هذه حبيبته 


Yoo 


المتوفاه؟؟ هل هذه من دفنت أمامه؟؟ هل هذة التي توقف قلبها أمام 
عيونه» على حسب مايرويء يقول في أواخر صفحات روايته التي 
شغل بتدوينها وتأليفها ... 

"لقد نال مني الزمن وطفق على بالتمني» شاهدت من كان يهيم قلبي 
لهاء تستند على نفس الكرسي ويشهد من يراني أنني جننت» بات قلبي 
المجزوع مهللا ونبت في أشلائي السبب في البكاء فرحّاء تلهفت 
حواسي كي ترى وجههاء وتمنى الزمن لو ينقلني أمامها غصبّاء انتقالا 
آني» بفعل السحرء بفعل المعجزات» همت قدمي بعيدًا عن سيارتي» 
وتركتها مفتوحة دون ملاحظة ما أفعل» كي أنتقل سريعًا وأقف أمامهاء 
تحتمي تحت الشمسية خوفًا من قطرات المطرء ولكن على حسب ما 
أذكر ان المطر لم يكن سوا فرحتهاء وعلى حسب ما أذكر في دخر 
لحظاتها طلبت من قدميها عوئاء ونالت ماتريدء رقصت أمامي انبهارًا 
وتباهيّاء الآن لما هي جليسة الكرسي» تسأل العون من مَن يدفع كرسيها 
إلى الأمام» ومع تلك الأفكار المتضاربة تباطأت قدماي الملهوفةء 
واجتذبني العقل لكي أثبت أكثر حتى يسع لي الحظ في أن أراها وأتحقق 
من هي» وعندما وصلت إلى الهدف المنشود» تحملقت عيناي دهشةء 
نعم نفس العيون الخضراءء نفس البشرة البيضاءء نفس النحافة 
الجسمانية» لكنها ليست هيء حتي أنها تبدو أصغر منها بعقد كاملء لقد 
لعب بي الحظ وعندما انتبهت لحالي وثبت قدماي حيث السيارة 
المتروكة وسط الشارع باكيةء ولم آبه بمقدار السب واللعن الذين لحقوا 
بي من سائقي السيارات من حوليء لكنني عدت أدراجيء كي أركن 
سيارتي» وأعود إلى شبيتها كي تتأكد عيناي بأنها ليست هي" 

FF f f 

لقد كان الرجل كثيف اللحية هو أباهاء لا يفر الأمل بعيدًا عن عقله 
وقلبه» قعيدة الكرسي كان لا ينبعث من وجهها بصيص أمل حتى» فربما 
تجربة تقلب لديها الموازين» ومع هذا كله كان قلقًا في أن يصبح السر 


٥٦ 


مذاعًاء عليه التفكير لبعض الوقت حتى تنهي كشفها في عيادة المخ 
والأعصاب» وعندما خرج الأب كان بحوزته مظروف الأشعة والحزن 
يتحملق في عيونه وابنته على نفس شاکلته» وعمر عليه التدخل فربما 
يكسر تلك اللعنة» نادى على أباها وطلب إليهما أن يشرفاه في مكتبه 
تقبل الأب طلبه؛ وتقدم إلى مكتبه» فكان عيون عمر تشخص النظر إلى 
وجه الفتاةء وقلبه يخفق لتذكره أينوجت التي كان يراها بداخل شبيهتهاء 
فما بدأ في التكلم إلا عندما استغرق الصمت وقنًا طويل. 
- ها تشربوا إيه؟ 
رد الأب في سماحة : 
- ربنا يكرمك يابني. 
- لا مينفعش لازم تشربوا حاجة. 
نادى عمر على سعيد الساعي ... 
- ها تشربوا إيه ياجماعة؟ 
رد الوالد: 
- خلاص ماشي شاي سكر زيادة» تشربي ايه يا مي. 
ردت مي ببرود: 
- لا مش عاوزة حاجة. 
رد الوالد: 
- خلاص خليها على راحتها. 
طلب عمر من عم سعيد الساعي المطيع الذي يقف عند فوهة الباب ... 
- هات ۲ شاي سكر زيادة يا عم سعيد. 
كتسائل :يون آلو الد قل لسائه 
- ها يابني خير؟ 
- أحكيلي بالظبط إيه اللي حصل لبنتك. 
- حادثة ميكروباص من خمس شهور كده وأنا دايخ معاها والله 
وزي ما أنت شايف حالتها. 


oV 


- اه يعني اللي حصلها ده حصلها من قریب» طب تمام» والدكاتره 
قالولك إيه؟؟ 
- والله مهما قالوا الواحد بيبقى عندو أمل في ربنا ... ربك كبير 
- هو قطع في الحبل الشوكي ... صح؟ 
أجابه بحزن شديد: 
- أه يابني. 
- بصراحة أنا مش عارف أبدأ منين؟ 
انتبهت مي إلى عمر بعدما كانت لا تنقل عيونها عن الأرض. 
- بصوا ياجماعة الموضوع اللي جايبكو عشانه ... عندي شرط قبل 
ما أبدأ في الكلام عنه» إنه يبقى سر ما بينا إحنا التلاتة. 
- من شهور فاتت أنا كنت ببحث عن متطوع لتجربة» وشكل بنتك 
هيكون ليها النصيب ده إن شاء اللهء الفكرة كلها إن في شخص 
اخترع علاج نهائي للشلل» وجربه مرة واحدة بس» واستوصاني 
قبل ما يموت إن احاول :اتن ارهن ااج ذه كل انرک الي 
عانوا زيه» أوصله لكل اللي عنده أمل أنه يمشي ويقدر يرجع للدنيا 
ولحياته الطبيعية تاني» وطبعًا المفروض العلاج ده ياخد فترة 
يتجرب على البشر قبل ما يتداول في المستشفيات» بس أنا لازم 
أحاول أعمل عليه دراسات» وبعد لما نتأكد من صلاحيته» هيقدر 
يوصل للدنيا كلها إن شاء الله ويبقى حققت أمنية شخص عاش 
حياته كلها عشان يوصل للعلاج ده. 
- سامعة يا مي ... يعني في أمل ... شوفتي إني مبقولش أي كلام. 
كان الاندهاش يعلوان وجه مي والفرحة ترسم طريقها على ملامحها. 
- أوضح الموضوع أكتر ... اللي اخترع طريقة العلاج ديه كان 
واحدة عاشت طول حياتها على كرسي متحركء وقبل ما تموت 


1 


قدرت توصل للعلاج اللي قضى على شللها ومشيت قدام عنيا زي 
أي إنسان طبيعيء يعني ديه تجربة شوفتها بعيني» لكن للأمانة 
العلمية» موضوع العلاج ده ممكن يكون في ضرر على صحة بنتك 
بس إحنا إن شاء الله هناخد احتياطناء وهنحللها وظايف كبد وكلى 
وشوية تحاليل تانية بصفة دورية عشان نتأكد من صحتها وهي 
بتخضع للتجارب ديه ها تحبوا تبدأوا من إمتى؟؟ 
- من بكرة يادكتور ... مش كده يا مي؟ 

ابتسمت مي ابتسامة منكسرة ونطقت بصوتها الرقيق .. 
- أه يا دكتور. 


الجلسة الاولي 
جاء الأب وابنته لتتلقى الجلسة الأولى المتفق عليهاء الأب ترك ابنته 
مغادرًا لظروفه الخاصة مستآمنًا عمر عليهاء ومع التدقيق لم تكن مي 
كما كانت في آخر مرة» التفاؤل زادها جمالاء الأمل شهد بعيونهاء 
الدرب المجهول تجلى بعض الشيء» والكحل في عيونها عمق لدى 
عمر إحساسًا بالوصال القديم» فنظرة لامعة يغار منها القمرء ولكن مهما 
كان جمالها ليس كما كانت عليه حبيبته» فإن رقة أينوجت فاقت جمال 
نساء العالم» ابتسإمتدا المشبعة بالأمل هي ما كانت تنسيه كونه طبيبًا 
وتنقله إلى عالم من الغرام العفوي» هذا ما جعله يسرح في وجه مي 
تذكرًا وليس مشاهدة جمالهاء تذكرًا لما كانت تبدو عليه العيون 
مما جعل مي تضطر إلى تنبيهه قائلة: 

- دكتور في حاجة ولا إيه؟ 
استفاق عمر محرجًا قائلا: 

- لا سوري جدًا. 

- ها هنبدأ إمتى؟ 


0۹ 


- مالك يا دكتور؟ 


- شكلك كنت بتعزها. 

- دي كنت أعرفها من وأنا لسا في المدرسة. 

- يا|ااااا يعني عشرة سنين. 

ديالا نيا با می 

- قوليلي يا مي أنتي كنت بتعملي علاج طبيعي؟ 

- أ 

- على العموم فترة خمس شهور ديه قليلة إن عضلات رجليكي 

تضمُر ... وده كويس جدا. 

- طب الحمد لله. 

- الأول إحنا هنجرب الخلايا الجذعية بتاعت الدكتورة آية ... ممكن 

يحصل توافق ... ساعتها مش هنحتاج إننا ناخد منك نخاع عظمي 

دلوقتي. 

- يا : 

- دلوقتي لازم تبقي عارفة ... إنتي هتقعدي على الجهاز ده 

وهتاخدي تلت حقن في ظهرك ... لو حسيتي بألم متقلقيش . 

هتعرفي تقعدي على الجهاز ولا أنادي الممرضة تيجي تساعدك؟ 
إلى كرسي تكرس لخدمته في ذلك المأزق» فأزاحه ناحيته ليستلقي 
عليه» فتلهفت مي لاطمئنان عليه 


eo 3 


Y0 


- مالك يا دكتور؟؟ 
- حاجة بتجيلي لما بتضايق. 
سكنت مي بعض الوقت ثم قالت في هدوء: 
- ممكن سؤال؟ 
اقفن 
- أنت كنت بتحبها؟؟!! 
سكت عمر قليلا ثم أجابها: 
- أه. 
- مممم ... 
قالتها بابتسامة مواساة ثم سكنت وقالت: 
- بس أنت طالما بتحبها لازم تكمل مشوارها وأنا هكون معاك ... 
هي كان اسمها إيه صح؟ 
- هي كان ليها أسمين» اسم مسميهوهلها وكان أينوچت» والتاني 
- طب يعني إيه أينوجت؟ 
لف الكرسي ليتكأ عليه ويقابل صدره ظهر الكرسي ويجلس في وضعية 
مريحة ... 
- يااااا أنتي كده هترجعيني ميت سنة وراء بصي ياستي أنا من وأنا 
أد كده هوه» كنت بحبها وفي نفس الوقت معرفش اسمها إيه أصلها 
مكنتش في نفس فصلي» هي كانت في نفس مدرستي بس أكبر مني» 
وفي الفترة ديه كنت بتفرج على مسلسل كارتون كان البطلة بتاعته 
اسمها أينوجت فسمتها الاسم ده. 
- طب وبعد لما كبرتو عرفت إنك كنت مسميها كده؟ 
- أه ياستي. 
أسئلتها المراهقة لا تنتهي ... 


- أنتو كنتوا مرتبطين من وانتو صغيرين؟؟ 


5353 


لا مشن فده الکن تفلي نروح الكافتيويا تحت انطلت جاه 

نشربها ونحكي على رواقة القصة كلها من الأول للآخر. 

- خلاص أوك. 
بدأ القصة بابتسامة مشرقة مع ذكريات لديه ممجدة» يحكي عن ما يقول 
عنها أسطورة» يهفو قلبه مع أطراف القصة» ينبش الحزن ضلوعه مع 
كل اقتراب من النهاية» بدا متماسكًا حتى إذا تشفت الدموع من عيونه 
فإنها تلمع فقط ولا تنال مخرجًا من جفونه» لكن مع النهاية كان التماسك 
أصعب فأصعب» فلولا رجولته لصار مولولا وصرخ صراخ النساء 
وطالما أبقى على دموعه في جعبتها فإنه عنوانًا للصمود» والغريب في 
الأمر أن مي هي من سكبت من عيونها الكثير» فحقًا ما أصعب لحظات 
فراقها وما أصعب أن تنال حلمًا ولم تهنأ به إلا للحظات» وهكذا هي 
أينوجت ذهبت ولكن اسمها يود أن يبقيه عاليًا خفاقا ينال العالم معرفته 
ويخرج من حيز الغمور. 

2F 2F 2F عد عد‎ 2F 2F ع‎ 

في السابع والعشرون من ديسمبرء حيث أن الهواء أصبح دافئ من 
أنفاس التجمع الكثيف» يقف أمام الكثيرين مما ينتظرون حركة من 
شفافة كن یافیا سا لما ميوت نکی غه الور شوت افکاز هد 
وحدسه» شينًا من اللجلجة قد تتشبث بلسانه فترهبه» إنه اليوم المنتظر 
حيث كان ينتظره بفارغ صبره» وفي لحظات قليلةء الثبات عنوانهء الثقة 
تدعمه» الخوف يحترق ولا يبقي رماده» ليبدأ في تحريك شفاهه 
المنغلقة» ليروي قصة لا يعلمها أحد» قصة من أجلها يعقد هذا المؤتمرء 
لم يكن أمامه ورقات مكتوبة» إنما قص ما يريد ارتجالاء فكان من 
ضمن الحضور زوجته التي تفخر بزوجهاء ومحمود يقطن الصفوف 
الأولى بجانب حسام الذي يبدو عليه الحزن الوفيرء وما إن دلف الكلام 
خارج شفتيه تنبه الجميع ... 


11 


- النهاردة يوم مميز ومشرق الحمد لله ... عيد ميلاد شخص مهم 
جدًا ... أنا طلبت المؤتمر يكون النهاردة بالذات احتفالا بيه شخص 
أنا احترمته» وقدرته» شخص إئتمني على أثمن شيء في حياته؛ أنا 
النهاردة جيت أحكي عن تجربة فريدة» تجربة مختلفة ... في البداية 
أحب أقدملكم شخصية رائعة» شخصية جميلة» شخصية شاركت في 
الحدث ده» رحبوا معايا بالآنسة مي. 
قدمت مي تخطو بأقدامها بكل وثوق» كأنها لم تعجز من قبل؛ لتحمل 
جسدها الممشوق على حذاء بكعب عالي» عندما ظهرت أمام الجميع 
علا التصفيق أرجاء المكان» فأتخذت بجانب عمر مكانها الذي تلألاً 
وسط أنظار الناس» فاعتصرت المايك بين يديها وبدأت في الكلام 
بابتسامة متجلي فيها الفرح العارم. 
- النهاردة أنا مبسوطة جدًَا ... لا بقالي كذا يوم مبسوطة؛ لأني 
أخيرًا قدرت أمشي على رجلي» بعد لما قعدت حوالي ست أو سبع 
شهور مش بقدر أمشيء وده بفضل ربنا ثم الدكتور عمر ... دكتور 
عمر اللي وقف جنبي لحد لما خطيت أول خطوات ليا بعد الإصابة. 
ليعلو التصفيق مرة أخرى أرجاء القاعةء ويعاود عمر الحديث مجددًا: 
- الأنسة مي كانت عندها قطع في الحبل الشوكي؛ أدي إلى شلل 
النصف السفلي» والحمد لله استجابت لطريقة العلاج» وللعلم منهجية 
العلاج ده مش أول مرة تتجرب» ديه تاني مرة» والحمد لله العلاج 
آمن من خلال الأبحاث اللي أجريتها عليه من خلال التحاليل 
الدورية اللي كنت بعملها للآئسة مي» والحمد لله اتعمل عليه 
دراسات وأبحاث من فريق طبي كامل من مستشفي القصر العيني 
وأثبت إن طريقة العلاج آمنة مية في المية» ودلوقتي هعرض على 
سيادتكم بعض الفيديوهات من تجربة الآنسة مي سجلناها من أول 
المراحل العلاجية 


1Y 


شغل "الداتا شو" لتوضح بعضًا من الصور لمي وبعض تسجيلات 
الفيديو» التي توضح المراحل العلاجية وتوضح كيف كانت تجربة مي 
الأولى في الوقوف على أقدامها لأول مرة بعد الحادثة» وعمر يشعر 
بالامتنان ويتذكر وجه حبيبته التي تفانت كي تصنع البسمة والأمل لكل 
فاقد أمل؛ وبعد الانتهاء» بدأ في حديثه مجددّاء ليتبدل لسان عقله بلسان 
- بعد اللي شوفتوه ... أحب أتكلم عن اللي صنع أسلوب العلاج ده؛ 
هي بني أدمة كانت طموحة جذاء كانت قريبة مني على المستوى 
مي ٠‏ ابن اهن قدت فثرة أطول: على الكرسئ وبمك عوالي 
عشرين سنة قدرت تتحرر منه» ودلوقتي هوريكو حاجة جميلة 
مبتكراها. 
تحرك عمر بخطوات هادئة تشير إلى حزن شاب أجزاءًا من صدره. 
إلى الركن الأيمن من الساحة؛ اقترب من جسم مغطى بغطاء مصنوع 
من الكتان» ليتبعه أنظار الحاضرين» ليزيل الغطاء كساحر مفعم 
لي 
جلس عمر على الآلة كي يختبرها أمام المدعويين» دون أن يملا 
مستودع الحقن» دون أن يزيل ملابسه» فيضغط على زر التشغيل» 
- وبكده تتم عملية الحقن وتلقيح النخاع الشوكي ... طبعًا الآلة ديه 
ابتكرتها صاحبة العلاج» وأشرف على صنعها المهندس حسام سعيد 


1٤ 


لم يرد حسام في أن يظهر في الساحة فإنه يعي أنه لا يستحق مكانتًا في 

ذلك المؤتمرء فذكر عمر اسمه دون أن يشير إليه بالبنان. 

سكن قليلا ثم تابع قائلا: 
- عمرها ما يأست» قعدت سنين من حياتها تدرس وتحاول لحد لما 
قدرت توصلء هي دكتورة في جامعة كامبدرج» مصرية عبقرية 
قدرت تدرس في أكبر جامعات العالم» وده لإن طموحها كان كبير 
هي. اللي كانت بتر اسن المؤتمن: الحالمي. لذو إبنةالمشاكل. الضبحية 
للعالم النامي ... في مننا عارفها وفي ميعرفهاش الدكتورة «أية 
صدقي» دكتورة المخ والأعصاب ... نجحت في ابتكار طريقة 
علاجية بواسطة الخلايا الجذعية ... برتكول علاجي مختلف قدرت 
تنجح بعد سنين من البحث والتطويرء لكن في النهاية الظروف 
أجبرتها بتجربة أخيرة في آخر لحظات عمرها ... 

توقف للحظات ليغمض عيونه متذكرًا ما كان» ثم تابح بصوت حزين 


- قدرت تمشي على رجليها بس بعدها فارقت الحياة قبل ماتحتفل 
... قبل ماتفرحلها حتي يوم واحد ... بس عشان كل اللي عنده أمل 
يفرح فرحة مي ... كل اللي مبيقدرش يمشي ... يقدر يبتسم تاني. 
fF f‏ عد 2K 2F‏ 
"في مضيك ورحيلك عني» ألتمس بعض الأفكار التي تجاور ذهني؛ 
أفكار تشابكت في ظل أحداث متضاربةء كل ما استخلصته منها هي تلك 
المعاني التي أفصلها عن حزن مفجع» فإن سيطر على الحزن فإن قرآة 
أحدهم لما كتبت لن يصدق ما رأته عيناي وسمعه قلبي في رحلة الحياة 
تلك شوتف أكتن هنك عضن الكلمات الملفكة يدوق . اكات : و 
اتهامات» أجعل من صفو داخلي كاتبًا رقيقًا يعلو ويهبط بالتعابير ويشير 
لك بكلام جميل» بحذر حتى لا يعلم أحد عشقي» إذا ماذا أروي؟ أبدأ 
بوصف أحلامًا متلاحقة أم آلام طاحنة» صراعًا مع مرض أم مقاومة 


1٥ 


عجزء نعم أكثر ما أومن به أنك غدوتي بريئة» وأنا في داخل عقلك 
حبيس الخطىء وحتى لو جردوني أناملي» فسوف أزهق الكسل والجبن» 
هذا الوعد المنجي لفؤادي الباكي» وحتي إذا تجرعت الكمد قناطير» فهل 
تذوقت مما تذوقتيه شيئًا؟! فأنت مثالا للعالم أجمع وسوف أخبر كل من 
أراه أسطورة من أساطير الحياة» حتى يعلم العالم من تربى بكينونة 
الكفاح ومن مات دون أن يدري ماذا يكون طعم النجاح" 

كانت تلك الكلمات في روايته المنشورة "رقصة تحت المطر" 

تعجب من سطوع الشمس في فصل الشتاء هكذاء لتسطوا ظلمات 
جدران حجراته؛ يبتسم محملا بالأسى» فبعد مرور أعوام كثيرة هكذا 
يقف وحيداء ملبدا في ركن الشرفة المطلة على الشارع» يرمق فنجان 
قهوته البارد» لعل النسيان ضغط على عقلهء أو أن التفكير أجرم عليهء 
فبعد أن خبأ أسراره في جعبته» نال منه الزمان وطفح بئر مصائبهء 
فأغرق حياته بالنهاية» فلولا أجندة مذكراته التي تحولت إلى رواية ما 
لبس لباس الضيق ذو الأزار او ومانوى أن يهيم بالشرفة على 
باب شرفته» متجها متجهًا إلى غرفته؛ حاملا في صوته النداء عليهاء فلم 
يسمع لها ردّاء وأخيرًا قرر أن يقطن داخل القارورة الزجاجية» لا يبغي 
نقر أحد من الخارج» تمنى لو يخطف سمعه بعضًا من الموسيقي الهادئة 
التي يهوى لها قلبه» تجربة حياتية جديدة أن يبتعد عن العالم ويشغل 
صدره الشاغر بحب جدید» حب نفسه وعشق أحلامه» حتى لا يلقى 
مصيرًا مؤّلمًا فى غياهب المستقبل» فصارت حياته على وتيرة واحدة 
تلك الوتيرة الرتيبة» نفس اليوم يتكررء نفس الذكريات المحتضره 
تجاون عله ينتظر :ذلك المسافر الذي لم يخضن إلى .مرقده: هذا ولم 
يطرق باب بيته من قبل» وبأطراف منتفضة وبألم دفين ينظر إلى 
الشرفة في يوم آخر ولا ينوي دخولها حتى لا تشتاق قدماه إلى الشارع؛ 
أو يطمح جلده إلى ثرى متسرب إلى قدمه؛ إذًا فلينتظر المسافر ليحمل 
إليه نهايته المرغوبة» وليترك القارورة مودعا وملوحًا بيديه ولينتهي ما 
كان يتمنى أو ما طغى على فكره لسنوات. 


1 


"هل تودي أن ترقصين فارقصي واعلمي أن عيوني تشاهدك وأن 
جفوني ستظل ساكنة رغم الدموع حتى لا تغفل عنكي برهة واحدة» 


فاذهبي بخطاكي الى حيث لا تدري وانهمكي فيما تؤدين حتي تملي”" 
اينوجت 


1Y 


أ.د عمرو حسن الحسني "أستاذ المخ والأعصاب جامعة القاهرة" 
د. أحمد جمال أحمد سلام 
م.أحمد رأفت الجمل 
م. ياسر محمد صلاح زهران 


شكر خاص لوالدي 
عبد الحليم سعيد 


1۸ 


إسلام عبد الحليم سعيد 

كاتب ومهندس ومصمم جرافيك» ولد في القاهرة عام ۱۹۹۰ء درس 
الهندسة بجامعة القاهرة قسم كهرباء قوى» احترف تصميم الجرافيك 
منذ أن كان في الجامعة وتخصص في مجال الرسوم المتحركة ثلاثية 
الأبعاد» له عدة قصص قصيرة على صفحات الفيس بوك التي لاقت 
إعجاب القراء» وتلك الرواية التي بين أيديكم هي أولى رواياته التي 
استغرقت ثلاثة أعوام من الدراسة والكتابة. 


الصفحة الرئيسية للرواية على الفيس بوك 
https:/Wwww.facebook.com/enojaet‏ 


1۹